كل الأوقات ملائمة لقتل الكردي

عند الذين يعانون من العقدة الكرديّة، يعتبر الأكراد أبناء الجن وكفرة وإنفصاليين وإرهابيين وعملاء للصهاينة وأحياناً محتجين ضد الله، ولا يستحقون الحياة من الأساس.

العوار التاريخي والسياسي والأخلاقي، غيّر أموراً كثيرةً وطغى على الوطنية وعطل الإنسانية، وهدم الكثير من جسور التعايش في منطقتنا، وقسّمها بين عرب، ترك، فرس المستحقين لكي يكونوا أصحاب سلطات دول ومقاعد في الأمم المتحدة وجيوش جرارة مدرّبة تمتلك كل أنواع الأسلحة الحديثة، وبين أناس (كرد) مجرّدين من أي سلاح، يستحقون القهر والشقاء والحرمان والتمييز والقتل والإبادة والصهر والتهجير والترحيل.

لذلك على الكرد، أينما كانوا، أن يعلموا أن هناك ثلاث حقائق لا يمكن إغفالها:

أولها، أن الحكومات التي تحكمهم، سواء كانت الحكومات ملكية أو جمهورية قومية أو عسكرية أو دينية أو عقائدية، تتغير، وربما تنقلب على حالها أو ينقلب عليها، أو تتقاتل فيما بينها، أو تتورط ولا تستطيع أن تفرق بين المخاطر والفرص، ولكن السياسات تجاههم تبقى ثابتة ولا تختلف، وسيعانون من الشوفينية أو العنصرية أو المذهبية ومن التطرف والعنف والإرهاب والحروب التي تفرض عليهم كما تم فرضها قبل الآن، وستنهال عليهم الصواريخ والدرونات والقذائف الشرقية والغربية.

وثانيها، أن التسهيلات والإنفراجات، أو لنقل الإنعطافات في أحوالهم المليئة بالألم والأمل، تثير الإهتمام، وبالذات عندما تتخللها بعض الوئام والإستقرار والبناء والمبادرات العقلانية، بعد ثورة هنا أو إنقلاب هناك أو بعد عملية ديمقراطية شكلية وبروتوكولية، وتتولد عنها بعض الإمكانات للانتعاش، وتصاحبها مجموعة تطورات تعمل على تقنين التوافقات والإتفاقات، لكنها لن تكون دائمية ولا تفتح أمامهم أبواب جديدة، لأنها تدور وتمضي حسب الوقت والمكان وتتوقف عند خطوط حمراء التصعيد والوعيد والتهديد وإعلان الطوارئ والأحكام العرفية والحرب المقدسة ضدهم.

وثالثها، رغم أن قدراتهم الإنسانية ليست قليلة ولا يمكن الإستهانة بها، ولكن مهما حاولوا الإمعان في فتح أذرعهم للإحتفاء بالآخرين، سيبقون أنصاف مواطنين لا يؤخذ برأيهم في القضايا المصيرية، وضحايا اتّجاهات وميول وأوهام الذين يرفضون الاستفادة من تجربة الماضي وتسمية الأشياء بأسمائها. وعند الذين يعانون من العقدة الكرديّة، يعتبرون أبناء الجن وكفرة وإنفصاليين وإرهابيين وعملاء للصهاينة وأحياناً محتجين ضد الله، ولا يستحقون الحياة من الأساس. والأزمات التي عانوا منها في الأمس تبقى على حالها في الغد، والتحديات التي تواجههم تتضاعف نتيجة ملائمة سفك دمائهم في كل الفصول والمناسبات، ولا يحصلون على فرص العيش كمواطنين متساوين مع غيرهم في الحقوق، رغم انهم أثبتوا أكثر من آلاف المرات أنهم ليسوا الخاسرين الوحيدين، وأن السياسات العدائية التي تفرض عليهم تلحق الضرر بهم وبالذين يرفضون التطور والتخلص من أسر عقد الماضي.