كما في إيران، احتقان مكتوم في تركيا ينتظر 'خطأ' يوقده

تركيا تبدو مهيأة أكثر من أي وقت مضى لانفجار اجتماعي على غرار ما يحدث في لبنان والعراق وإيران على ضوء أزمة اقتصادية وانقسامات سياسية داخلية وفي ظل استمرار أردوغان في خوض معارك على أكثر من جبهة.
كأن تركيا على حافة انتفاضة شعبية
نار تحت الرماد في تركيا تنتظر قرارا خاطئا يوقظها
الأزمة الاقتصادية ترخي بظلالها على الجبهة الاجتماعية في تركيا
تكاليف التدخل التركي في سوريا تثقل كاهل الأتراك
المشهد التركي منفتح على قمع لا يهدأ واقتصاد متأزم وعملة ضعيفة
معارك أردوغان الخارجية وخصوماته الداخلية أضرّت بتركيا سياسيا واقتصاديا

أنقرة - تبدو تركيا مهيأة أكثر من أي وقت مضى لاحتجاجات شعبية على غرار تلك التي يشهدها لبنان والعراق وأخيرا إيران على ضوء نقطة التقاء جامعة كانت سببا في تفجر موجات غضب شعبي في الدول الثلاث.  

ولا تختلف الأزمة السياسية والاقتصادية وأساليب القمع وتردي الوضع الاجتماعي في تركيا عن تلك التي تشهدها إيران أو العراق أو لبنان والتي كانت الشرارة الأولى لحراك شعبي هزّ الأنظمة الحاكمة في الدول سالفة الذكر.

وإلى حدّ الآن لا تلوح في الأفق بوادر حراك شعبي في تركيا إلا أن الوضع يبدو كالنار تحت الرماد مع استمرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في نهج القمع السياسي والاجتماعي وتكميم أفواه منتقديه بذرائع جاهزة منها دعم الإرهاب أو الدعاية له.

الوضع بمحاميله السياسية والاقتصادية في إيران يبدو نسخة متطابقة مع الوضع في تركيا التي تئن تحت وطأة أزمة اقتصادية وتحت سياط قمع لا يهدأ وانتهاكات لحقوق الإنسان وللحريات

وفي الوقت الذي تعاني فيه بلاده من أزمة اقتصادية حادة مع قيمة عملة وطنية ضعيفة سرعان ما تهتز على وقع أي توتر جيوسياسي منحدرة إلى هوة سحيقة ودافعة بشكل أسرع إلى ركود اقتصادي، يواصل أردوغان توتير العلاقات مع شركاء تركيا وحلفائها.

كما ألقى بثقل بلاده العسكري في سوريا مدفوعا بوهم التمدد وبأطماع توسعية وبتحقيق نصر خارجي يرمم تصدعات حزبه العدالة والتنمية بصرف النظر عن تكاليف باهظة أثقلت كاهل الميزانية التركية وارتدّت أزمة اجتماعية برزت تجلياتها في ارتفاع معدل التضخم وزيادة في نسبة البطالة وتدهورا في المقدرة الشرائية للمواطن التركي.

وفي الوقت الذي يترقب فيه الأتراك حلا عاجلا للأزمة الاقتصادية ولتحصين الليرة من الاهتزازات الجيوسياسية، استمر الرئيس التركي في تدخلاته في السياسة النقدية مناقضا كل القواعد الاقتصادية العلمية ومتجاهلا أراء الخبراء، وهو ما سبق أن أكده رئيس وزرائه السابق أحمد داود أغلو الذي كان من المقربين منه قبل أن ينشق عنه ويقود تمردا على سياساته التي أدخلت تركيا في نفق مظلم.

إلى أين يدفع أردوغان تركيا
إلى أين يدفع أردوغان تركيا

وعلى ضوء أزمة تركيا الاقتصادية والانقسامات السياسية الداخلية وفي ظل استمرار أردوغان في خوض معارك على أكثر من جبهة مدفوعا بحسابات حزبية وشخصية، فإن الأرضية باتت مهيأة أكثر من أي وقت مضى لانفجار اجتماعي على غرار ما يحدث في لبنان والعراق وإيران.

ولم تكن إيران المحكومة بالحديد والنار تتوقع أن تنتقل عدوى الاحتجاجات في مناطق نفوذها (أي في العراق ولبنان) بهذه السرعة إلى ساحتها، لكنّها كانت تتحسب بالفعل لقلاقل اجتماعية محدود يمكن التعامل معها.

وظلّت طهران تتوارى خلف اقتصاد 'المقاومة' والقدرة على الصمود في وجه العقوبات الأميركية، في الوقت الذي كان فيه اقتصادها يسير إلى حافة الانهيار منذرا باشتعال الجبهة الاجتماعية وهو ما حدث في النهاية.

وهذا الوضع بمحاميله السياسية والاقتصادية يبدو نسخة متطابقة مع الوضع في تركيا التي تئن تحت وطأة أزمة اقتصادية وتحت سياط قمع لا يهدأ وانتهاكات لحقوق الإنسان وللحريات.

وتنذر تلك العوامل مجتمعة بموجة غضب في الشارع التركي الذي اختبر في السابق المواجهة مع النظام في أحداث متناثرة من احتجاجات منتزه ميدان تقسيم في 28 مايو/ايار 2013 مرورا بالحملة العسكرية الدموية لقمع انتفاضة الأكراد في جنوب شرق تركيا في السنوات القليلة الماضية وصولا إلى حملة التطهير الواسعة والعشوائية التي أعقبت محاولة الانقلاب الفاشل في يوليو/تموز 2016.

الأسباب التي فجرت احتجاجات في إيران هي تقريبا ذاتها التي قد تدفع لاحتجاجات مماثلة في تركيا
الأسباب التي فجرت احتجاجات في إيران هي تقريبا ذاتها التي قد تدفع لاحتجاجات مماثلة في تركيا

واكتسب أردوغان تعاطف المعارضة وقسما من الشعب التركي معه خلال محاولة الانقلاب الفاشل عليه في صيف 2016 وقد سادت حالة من الهدوء الاجتماعي منذ تلك الفترة، لكن يبدو أن الاحتقان المكتوم بفعل الخوف من عنف النظام قد يكسر حاجز الترهيب تماما كما حدث في إيران التي كان قرار الزيادة في سعر الوقود كافيا لتحريك نار غضب كامن تحت الرماد.

وأثارت حملة التطهير الواسعة التي أعقبت محاولة الانقلاب الفاشل موجة تنديد دولي بحجم العنف والقمع الذي مارسه النظام التركي مستثمرا الانقلاب الفاشل في إقصاء خصومه السياسيين وكتم الحريات.

ويرّجح أن تشهد تركيا بدورها حراكا شعبيا عاجلا أم آجلا في ظل الوضع الحالي، إلا أن الأمر يبقى في النهاية رهين قرار مشابه لذلك الذي اتخذته إيران لسدّ الفجوة في موازنتها وتقليص الاخلالات في ماليتها العامة والذي كان الشرارة التي أوقدت نارا تحت الرماد وألهبت الجبهة الاجتماعية.