كنوز السينما المصرية في حولية "الراوي"

العدد الجديد من الحولية يحوي بين دفتيه موضوعات شيقة تجيد تقديم نفسها لك، سواء كنت من القارئين بالعربية أو الإنجليزية.
ياسمين الضرغامي تبوح بسر علاقتها بالسينما وسبب عشقها لأفلام "الأبيض والأسود
بعض من يعرفون صاحبة المجلة يصفونها بأنها قادمة من خمسينيات القرن الماضي

بقلم: مصطفى عبدالله

"قال الراوي" برنامج أحرص على الاستماع إليه مساء كل أربعاء من إذاعة تونس الثقافية، وأعتبره أنموذجًا للبرنامج الثقافي الإذاعي الذي يحترم أذن المستمع وعقله لأنه يتمتع برؤية معد أكاديمي مثقف متخصص في فنون السرد ونقده، وهو الدكتور محمد آيت ميهوب.
و"الراوي" حولية ثقافية لم تتح لي الفرصة للاطلاع على أعدادها التسعة كافة؛ والتي خرجت إلى النور حتى الآن، ولكنني تصفحت اليوم عددها الأخير الذي أشهد بأنه لافت وأخاذ  وقادر على أن يجعلك تترك شواغلك كلها لتتفرغ لمطالعته أو للاستمتاع بما يحويه بين دفتيه من موضوعات شيقة تجيد تقديم نفسها لك، سواء كنت من القارئين بالعربية أو الإنجليزية.
نعم، فإذا كنت تقرأ بالعربية ستستمتع بقراءة هذه المقالات التي تتعمد الإبحار بك نحو الماضي، وما أدراك ما يكتنز به ذلك الماضي من جمال لا سيما إذا كان الموضوع هو الفن السابع وبداياته في الإسكندرية ثم القاهرة، فهذا العدد من حولية "الراوي" مخصص من أوله إلى آخره لاكتشاف عوالم السينما ونجومها الذين سمعنا عنهم أو الذين لا نعرف حتى أسماءهم ولا أصولهم أو فصولهم.
وفي هذا محاولة لتأكيد تلك الهوية الكوزموبوليتانية للإسكندرية التي اجتذبت جنسيات العالم المتعددة للعيش فيها وللإسهام في انطلاق فنون التشخيص والرقص والتصوير وغيرها من فنون الإنتاج السينمائي والمسرحي.  

حولية السينما
السينما بعد الحرب العالمية الثانية

وعلى صفحات هذا العدد من "الراوي" نتعرف على: "بدرو و أبراهام لاماس" المعروفين لدارسي السينما باسم "الأخوين لاما"، وكذلك "الأخوين لوميير" اللذين يرجع لهما الفضل في نقل فن السينما من باريس إلى الإسكندرية لأول مرة في عام ١٨٩٥ وعرضه على الجمهور في "بورصة طوسون" بمحطة الرمل، و"ألفيزي أورفانللي" الذي كان فنيًا يقوم بتشغيل الفونوغراف بالأسطوانات لتصاحب المواد المسجلة عليها عروض الأفلام الصامتة، وذلك قبل أن ينضم إلى شركة "سيتشيا المصرية الإيطالية" كمساعد لمدير التصوير "ستيليو كياريني"، وقبل أن يشرع في إنتاج أفلام سينمائية بنجوم من المصريين ليحقق شعبية أوسع لأفلامه، و"ليون أنجيل" اليوناني الذي عرفه جمهور السينما باسم "شالوم"، وقد عمل موظفًا في بلدية الإسكندرية قبل أن يكتشفه "توجو مزراحي" للعمل في التمثيل.
وقبل أن أتحدث عن صاحبة فكرة إصدار هذه المطبوعة الدورية عالية الجودة التي تحمل اسم "الراوي"، لا بد أن أتحدث عن إسهام المؤرخ السينمائي كمال رمزي في هذا العدد. فقد نجح في أن يقدم لقارئه تاريخ "ستوديو مصر" وعبقرية منشئه طلعت حرب من خلال لقطة بالغة الذكاء للمخرج الراحل شادي عبدالسلام، وقد كُلِف بعمل فيلم مدته ثلاث دقائق عن بنك مصر الشقيق الأكبر لـ "ستوديو مصر" و"مطبعة مصر".
أما الروائية والباحثة مي التلمساني فلها مساهمة على صفحات هذه المجلة بعنوان "سينما بديلة من إنتاج الدولة"، قاصدة بذلك الدور الذي لعبته "المؤسسة المصرية العامة للسينما" وتجربة القطاع العام في إنتاج الفن السينمائي.
نصل إلى ناشرة المجلة وصاحبة فكرتها ومدير تحريرها في الوقت نفسه ياسمين الضرغامي، التي تقدم نفسها على أنها حاصلة على الماجستير من جامعة ستوكهولم في تخصص "السياسات التعليمية"، وربما يفسر احتكاكها بالمجتمع السويدي ومؤسساته الثقافية سر صدور المجلة مزدوجة اللغة، متخذة من الأسلوب الغربي في القطع والتصميم والتبويب منهجًا لها.
وقد اختارت الضرغامي أن يحمل موضوعها بالإنجليزية هذا العنوان:
“Calling The Shots.. The Women Who Founded Egyptian Cinema”  في حين جاء في القسم العربي من المجلة "هن الرائدات".
 والحقيقة أنه موضوع شيق ومغرٍ بالقراءة، لأنها تتناول هؤلاء النسوة اللواتي أسهمن في وضع أولى لبنات تأسيس فنون التمثيل وإنتاج الفيلم المصري.
وإن كانت كثيرات منهن نجمات لامعات من قبل في عالم التياترو.
هي تتحدث عن: مفيدة غنيم التي عرفناها باسم: "عزيزة أمير"، وبنت الذوات بهيجة حافظ التي برعت في هذه المجالات مجتمعة: تمثيل، وإخراج، وإنتاج، ومونتاج، وتصميم الملابس، فضلًا عن المؤثرات والموسيقى. وقد تسبب إندماجها في الوسط السينمائي في تقبل عائلتها العزاء فيها!
فضلًا عن فاطمة رشدي التي اكتشفها سيد درويش التي كانت إحدى سيدات المسرح المصري ونجمة لامعة قبل أن تصبح نجمة سينمائية. والأمثلة كثيرة. 

عوالمل السينما
انطلاق فنون التشخيص والرقص والتصوير 

ويشار إلى هذا الزخم الذي تحفل به المجلة من نوادر الصور التي تعود إلى زمن بدايات هذا الفن الساحر.
وفي الافتتاحية التي حررَّتها ياسمين الضرغامي بالإنجليزية تبوح بسر علاقتها بالسينما وسبب عشقها للأفلام "الأبيض والأسود"، لدرجة أن بعض من يعرفونها وصفوها بأنها "قادمة من خمسينيات القرن الماضي".
وتشير الضرغامي إلى أن أمها، وكذلك عشقها للسينما كانتا الضمانة التي حفظت علاقتها بتراث الثقافة المصرية، لا سيما وانها تعلَّمت الإنجليزية واليابانية قبل أن تتعلم العربية! 
وهي تُصَنِف مجلتها "الراوي" في خانة "المجلة التاريخية"، وربما تقصد المجلة المعنية بجانب من جوانب تراث الثقافة المصرية.
وهذا ما يؤكده قولها إنها تسعى بهذه المجلة إلى إنقاذ ما أوشك على الاندثار أو التلف من تاريخ السينما المصرية ومكوناته من نوادر الصور واللقطات. 
وقد تأثرتُ كثيرًا وأنا أقرأ شهادتها وتباكيها على كثير من الصور النادرة، بل والأشرطة السينمائية التي تُشكل جزءًا من تاريخ الفن السينمائي المصري قد تبددت أو أوشكت على أن تذوي.
ومما أثر فيَّ كثيرًا إشارتها إلى أنها تهدي هذا العدد من "الراوي" إلى روح أحمد يوسف الذي رحل في يوليو/تموز ٢٠١٨، بعد أن كتب مادته لهذا العدد حول السينما بعد الحرب العالمية الثانية الذي حمل عنوان: "سنوات البوتقة".