كورونا وإرث التلاصق البشري في الأحياء العشوائية

صلاح شعير يؤكد أن تفريغ القاهرة  الكبرى من السكان استراتيجية أمنية واقتصادية واجبة التنفيذ.
الكتاب يحمل الكثير من الأفكار القابلة للتطبيق، وخاصة فيما يتعلق بتنمية المدن الجديدة
التكدس العمراني من عوامل إجهاض الطب الوقائي

القاهرة ـ صدر عن مركز الحضارة العربية بالقاهرة،  كتاب "النهوض الاقتصادي وتنمية المدن الجديدة" للكاتب والأديب خبير الدراسات الاقتصادية والاستراتيجية؛  د. صلاح شعير.
والكتاب يحمل الكثير من الأفكار القابلة للتطبيق، وخاصة فيما يتعلق بتنمية المدن الجديدة، وعلى رأسها شبه جزيرة سيناء، ومحور قناة السويس، علاوة على الكثير من  الأمور، المتعلقة بمجالات التنمية العمرانية، والصناعية، والطاقة، والتعليم، والثقافة، وغيرها من الخدمات  الصحية، أو خدمات النقل، حيث تمثل الأفكار التي وردت بالكتاب؛ دعوة  صريحة لتحقيق النهضة المنشودة، ودعمًا للجهود المبذولة في تحديث مصر.
ونظرًا لاتساع مساحة الأفكار المعروضة في الكتاب؛ قد يكون من المناسب التركيز على  القاهرة الكبرى، والتي تحيط بها بعض المدن المصرية الجديدة، شيدت على مراحل؛ منذ أكثر من أربعة عقود.
ويرى المؤلف أن ثمة أخطأ في التخطيط الاستراتيجي؛ فقد صاحب سياسة التنمية العمرانية بمصر مشاكل جمة، فعلى سبيل المثال؛ تم  وضع ما يعادل 25 % من سكان مصر؛ في محيط دائرة قطرها 100 كيلو متر تقريبًا، وذلك بالقاهرة الكوبرى بين  مدينتي العاشر من رمضان، 6 أكتوبر، وقد أسفر ذلك عن:
تعثر السيولة المرورية: يوجد بالقاهرة نحو 1,4 مليون سيارة، ويدخلها من 16 منفذا  نحو 1,2 مليون سيارة يوميا. وهذا يشير إلي أن مجمل عدد السيارات المتحركة بالقاهرة الكبرى نحو 6 ,2 مليون سيارة يوميا. في حين أن الشوارع بالقاهرة لا تتحمل أكثر من نصف مليون سيارة.      
وهذا العدد يمثل 48% من عدد المركبات علي مستوى الجمهورية، وأنه من المنتظر أن يصل عدد رحلات النقل داخل القاهرة الكبرى في عام 2022 إلي 25 مليون رحلة راكب يوميا.  
وتبرز المشكلة الأكبر في بطء الحركة؛  فقد أشارت  بعض الدراسات إلى أن متوسط سرعة المركبة في القاهرة الكبرى تقدر بنحو 6.11 كيلو متر في الساعة، وسوف يصل إلى كيلو متر واحد فقط في عام 2022 على الطرق الرئيسية داخل القاهرة الكبرى؛ إذا بقيت الأوضاع على ما هي عليه، وهذا يرفع درجة الصعوبة عند التعامل مع الكوارث مثل: الحرائق، أو تتبع الجرائم العادية، أو جرائم الإرهاب، أو نقل المرضي.
تكمن المشكلة في عدم سيولة انتقال البضائع والعمالة؛  وهذا بدوره سوف يعطل القوة العاملة والإنتاج؛ علاوة على ملايين الأطنان من الكربون المنبعث؛ نتيجة لاحتراق  الوقود؛ الذي  يصحب تصاعده زيادة نسبة التلوث البيئي؛ وهذا بدوره يعني زيادة انتشار الأمراض، وعلى رأسها الأمراض الصدرية، وهذا يؤكد أن المجتمعات العمرانية قد أخفقت في التخطيط نتيجة عدم اعتماد مسافات كافية بين المدن الجديدة  والقديمة. 
 الخطر الأمني: ورغم أن القيادات السياسية تحاول صنع السلام؛ لم يذكر التاريخ أن بلداً ما عاش في مأمن عن الحرب.

وربما يفرض على أي دولة ومنها مصر خطر التعرض لنزاع عسكري، مع أي دولة كبرى أو صغرى، ولك أن تتصور أن رأساً نووية؛ أو كيماوية سوف تسقط على القاهرة الكبرى؛ كم سيبقي من 25 مليون نسمة، وكم سيعيش مشوهاً.
 إن نسبة النجاة في ظل الحروب الحديثة حتى داخل المجتمع المدني سوف تتضاءل من اليوم فصاعداً، وأن آخر الحروب القذرة في المنطقة العربية بالعراق كانت صورة مصغرة لما يمكن حدوثه.  
فعندما تعرض العراق للغزو الأميركي عام 2003؛ استخدام الحلفاء في غزوها نحو 142 ألف طن من المتفجرات، هذه الكمية تعادل حجم الدمار الناجم عن إلقاء سبع قنابل ذرية مشابهة؛ لتلك التي أسقطت على مدينتي "هيروشيما وناجازاكي"؛ أبان الحرب العالمية الثانية، كما أن القذائف المخصبة باليورانيوم بلغت 1750 طن، وهو ما أدى إلى انبعاث غبار اليورانيوم المشع؛ بنسبة تفوق عدد 250 ألف قنبلة مثل التي ألقيت علي ناجازاكي. والسؤال هل القاهرة تحتمل مثل هذا الأسلحة في حال نشوب صراع مسلح؟
تتصف الحروب الحديثة التي تساندها القوي الغاشمة؛ بعدم وجود أي اعتبار للحياة المدنية؛ فعلي الرغم من القوانين والمعاهدات الدولية التي تحرم قصف المدنيين؛ والمستشفيات، والمنشآت الاقتصادية، تبدأ الدول المعتدية بتلك المحرمات.
عدم وجود ملاجئ عسكرية لحماية المدنيين: ومن الملاحظ عدم وجود ملاجئ؛ سواء كانت تقليدية؛ أو متطورة ضد أسلحة الدمار الشامل. وخلو المدن الجديدة نفسها من مثل هذه المرافق المهمة مشكلة، علاوة على عدم وجود مخططات مستقبلية، تراعي تلك الاحتياجات الأمنية، وهذا يحتاج إلي مراجعة.  
• إهمال التطورات المستقبلية: فعلي سبيل المثال في مدينة 6 أكتوبر هناك الكثير من الطرق الرئيسية غير مؤهلة لاستيعاب الكثافة المرورية، ومنها طريق الحي السادس الجنوبي بجوار محطة الكهرباء، كذلك تلاصق الأحياء ببعضها البعض،   وهذا ينقل مشاكل المدن القديمة إلى الجديدة.
• عشوائية إقامة المرافق العامة ونقاط الخدمات: لم يراع المخطط أن تكون هذه المرافق على محاور المواصلات الأساسية وبالشوارع الرئيسية، كذلك أساليب مد الخدمات والمرافق تتم بنفس الفكر القديم؛ في مد خطوط الكهرباء أو التليفون، أو المياه، أو الغاز، وعملية الحفر تتم  وفقاً لمنهج عشوائي؛ مما يعد إهداراً للوقت، والجهد، والمال. ولا يوجد تنسيق بين الجهات التي تقوم بإنشاء هذه الخدمات وبين بعضها البعض. 
كذلك تحديد المواقف العامة للسيارات، وتحديد خطوط السير للمركبات؛ فقد كانت تفرض كعرف؛ نتيجة للسلوك العشوائي.  
• بروز الطاقة العاطلة: يرى الاقتصاديون أن أهم المظاهر السلبية؛ هي بروز الطاقات المعطلة؛ في مجالات الإسكان، ورأس المال العقاري؛ نتيجة لعدم إشغال الوحدات السكنية  لفترات طويلة، أو ارتفاع الأسعار بالإسكان الفاخر والسياحي؛ مما جعل العديد من هذه المشروعات شاغرة، وأكبر من حاجات السوق الفعلية.

القاهرة الكبرى
الغش في التشطيبات

كذلك كانت الطاقات المحروقة بالنسبة للإنسان، والمتمثلة في الوقت الضائع في التنقل من المدن الجديدة للعمل داخل المدن القديمة، في حين أن التخطيط  كان يجب أن ينصب علي اقتران السكن بفرص العمل، وهذا حوّل العديد من مركبات النقل إلي طاقات محروقة، نتيجة لزيادة معدلات تحركها من وإلى هذه المدن وخاصة مدينة 6 أكتوبر؛ إضافة إلى العشوائيات في مجال الإسكان العام والخاص وعدم التوازن بين التكامل الصناعي والسكنى والخدمي. 
• الفساد في تنفيذ البنية الأساسية والتخطيط: نفذت مشروعات عديدة في ظل استراتيجيات ضعيفة للغاية، وذلك أثّر بالسلب علي مراحل التنفيذ في مجالات البنية الأساسية التي تعاني من أخطاء جسيمة في التنفيذ، وخاصة في مجالات الصرف الصحي، وشبكات المياه والطرق.
• الغش في التشطيبات: وهذا الأمر في منتهى السوء، فقد كانت بعض النماذج المعدة عشوائية، وفي حالات كثيرة لم تراع ضغط النفقات، وكان بها إسراف، وبعضها لا يطابق المواصفات، كما أن تشطيب العمارات من الخارج لم يكن مناسبًا في الكثير من الحالات، أما التشطيبات الداخلية للوحدات السكنية، في أعمال  المحارة، والنقاشة، والبلاط والكهرباء، وأعمال السباكة، كانت سيئة، وربما كلفت عمليات الإحلال والتجديد الاقتصاد القومي مليارات من الجنيهات، وأرهقت المستفيدين أو المشترين للوحدات السكنية؛ وكانت نفقات مهدرة تكررت مرة بكل وحدة سكنية؛ بسبب سوء التشطيبات. 
الحل في تفريغ القاهر الكبرى: يجب وضع خطة لتفريغ القاهرة  الكبرى من السكان،  وأن تتغير السياسة العمرانية المتبعة حالياً، فمشكلة ارتفاع الكثافة السكنية تتضح أكثر في حالات الكوارث والحرائق، لأن القيام بعمليات الإنقاذ يكون صعبًا، لا توجد إمكانية حتى للهروب الجماعي في أوقات الخطورة وسوف يكون التدافع البشرى سبباً في إزهاق الأرواح. كما أن مشكلة فيروس كورونا الحالي؛ تؤكد أن إرث التلاصق البشري في الأحياء العشوائية، والتكدس العمراني؛ من عوامل إجهاض الطب الوقائي. 
وتلك هي واحدة من الكثير من القضايا التي طرحها كتاب "النهوض الاقتصادي وتنمية المدن الجديدة" والذي يتميز بطرح تصورًا للحل؛  لأي مشكلة يتم عرضها.