كورونا يتربص بشمال سوريا وسط نقص الإمدادات الطبية

تسع سنوات من الحرب استنزفت المنظومة الصحية في أنحاء سوريا مع دمار المستشفيات ونقص الكوادر الطبية، لكن الوضع يبدو أكثر هشاشة في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة.
بيدرسن يدعو إلى هدنة في سوريا لمكافحة كورونا
لا مخابر للتحاليل الطبية إلا في دمشق
ماذا لو انتشر كورونا في مخيمات النازحين بشمال شرق سوريا
منظمات تحذر من كارثة إذا تفشى كورونا في شمال شرق سوريا

القامشلي (سوريا) - تواجه منطقة شمال شرق سوريا التي تعاني أساسا من نقص طبي حاد ومن توقّف المساعدات عبر الحدود، تهديدا جديدا يفرضه فيروس كورونا المستجد، فيما تحذّر منظمات ومسؤولون أكراد من العجز عن احتواء انتشار المرض.

ورغم أنّه لم تسجّل أي إصابة في المنطقة المكتظة بالسكان وحيث يقيم أكثر من مئة ألف نازح في 11 مخيما، إلا أن إعلان الحكومة السورية الأحد عن أول إصابة، دفع الإدارة الذاتية الكردية ومنظمات إنسانية إلى دقّ ناقوس الخطر في ظل عدم توفّر الفحوص المخبرية للكشف عن فيروس كوفيد-19 سوى في دمشق.

ويقول مدير هيئة الصحة في الإدارة الذاتية جوان مصطفى "قبل فيروس كورونا كانت مطالبنا كبيرة والآن في هذا الظرف نحتاج إلى دعم أكبر" من المجتمع الدولي.

واستنزفت تسع سنوات من الحرب المنظومة الصحية في أنحاء سوريا مع دمار المستشفيات ونقص الكوادر الطبية، إلا أن الوضع يبدو أكثر هشاشة في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، خصوصا في مناطق سيطرة الأكراد وإدلب (شمال غرب).

وبخلاف إدلب التي تدخلها مساعدات الأمم المتحدة عبر الحدود من تركيا المجاورة، بات إيصال المساعدات وغالبيتها طبية، إلى مناطق نفوذ الأكراد يتطلب موافقة مسبقة من دمشق.

واستثنى مجلس الأمن مطلع العام وبضغط روسي معبرين لإيصال المساعدات، مبقيا على دمشق التي لم تبد تعاونا بعد وتمارس ضغوطا على الإدارة الذاتية الكردية لاستعادة مناطق سيطرتها.

وحذّرت لجنة الإنقاذ الدولية في بيان الاثنين من أنه "مع عدم تمكّن الأمم المتحدة من توفير الإمدادات الطبية عبر الحدود، فإن قدرة العديد من المنظمات الإنسانية على تلبية حاجات الرعاية الصحية لمن هم في المخيمات كالهول مثلا مهددة أساسا".

ويعيش عشرات الآلاف من النازحين، بينهم أفراد من عائلات المقاتلين الأجانب في تنظيم الدولة الإسلامية، وسط ظروف إنسانية سيئة للغاية في مخيم الهول.

وتمّ تحديد تسعة مراكز للحجر الصحي وفق مصطفى في شمال شرق سوريا، بينما ذكرت لجنة الإنقاذ الدولية أن اثنين من أصل ثلاثة مستشفيات مخصصة لذلك ليسا مجهزين بالكامل. وأوضحت اللجنة أنّ 28 سريرا فقط متوفرين في وحدات العناية الفائقة في المستشفيات وتم تدريب طبيبين فقط على كيفية التعامل مع أجهزة التنفّس.

وحذّرت هيئة الصحة في بيان الثلاثاء من نقص حاد في التجهيزات الأساسية والأدوية لعلاج المصابين، بينها الفحوص المخبرية للكشف عن الفيروس، وفق ما قال مدير الهيئة، موضحا أن "كل فحوص سي بي آر تحصل في دمشق".

دمشق اتخذت اجراءات احترازية مع تسجيل أول حالة اصابة بفيروس كورونا
دمشق اتخذت اجراءات احترازية مع تسجيل أول حالة اصابة بفيروس كورونا

ونتيجة ذلك، تُرسل عينات الفحوص إلى مختبرات في دمشق لتحليلها وهو ما يجعل الإدارة الذاتية تعتمد على الحكومة السورية التي باشرت مفاوضات مع الأكراد بشأن مستقبل مناطق سيطرتهم، لم تثمر بعد بسبب رفضهم التخلي عن مكتسبات ومؤسسات بنوها خلال سنوات الحرب التسع.

في موازاة ذلك تبقى المخيمات هاجس الإدارة الذاتية الأكبر، إذ لا يمكن تطبيق الإجراءات الوقائية المتبعة في أنحاء العالم كمنع الاختلاط والحفاظ على مسافة معينة بين الأشخاص.

ويقول مصطفى "المخيم هو نفسه تجمع للناس وهذا بحدّ ذاته مشكلة"، موضحا أنهّ "تم منع الدخول والخروج من المخيمات إلا في الحالات الضرورية والقصوى"، مضيفا "في حال انتشر المرض، سيتمّ تخصيص خيمة كبيرة للحجر الصحي في كل مخيم وما عدا ذلك لا إمكانية لدينا".

وفي إطار الإجراءات الاحترازية، فرضت الإدارة الذاتية حظر تجول بدأ الاثنين ويستمر لأسبوعين، بينما حذّر القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي من أنّ "خطر انتشار الفيروس لدينا وارد جدا".

وفي خضم ذلك، يعاني مئات الآلاف من سكان مناطق شمال شرق سوريا من انقطاع إمدادات المياه بشكل متكرر، ما يزيد وفق منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، من مخاطر الإصابة بالفيروس.

ومنذ عدة أيام، أوقفت محطة مياه علوك الواقعة قرب مدينة رأس العين الحدودية مع تركيا ضخّ المياه للمرة الثانية هذا الشهر إلى نحو 460 ألف نسمة.

وقالت ممثلة المنظمة في سوريا فران إيكويزا في بيان الاثنين "إن تعطيل محطة المياه في خضّم الجهود الحالية لاحتواء انتشار فيروس كورونا يضع الأطفال وأسرهم في خطر غير مقبول".

وندّدت باستخدام محطات المياه "لتحقيق مكاسب عسكرية أو سياسية، لأن الأطفال سيكونون أكثر المتضررين وفي مقدمة من سيعانون".

وتقع المحطة في منطقة تحت سيطرة القوات التركية وفصائل موالية لها. ويتهم الأكراد والإعلام السوري الرسمي تركيا بتعمد قطع المياه، في خطوة تهدف وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى الضغط على الأكراد من أجل زيادة تغذية المنطقة بالكهرباء.

وحذّرت إيكويزا من خطر لجوء العائلات إلى "مصادر مياه غير مأمونة"، مضيفة "تنقذ المياه النظيفة وغسل اليدين الأرواح".

ودعا مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن الثلاثاء إلى وقف شامل لإطلاق النار على المستوى الوطني، لإفساح المجال لتركيز الجهود على مكافحة فيروس كورونا المستجد، بعد يومين من تسجيل دمشق أول إصابة.

ويثير احتمال تفشي الفيروس في سوريا بعد تسع سنوات من الحرب المدمرة التي استنزفت القطاعات كافة بينها قطاع الصحة، قلقا كبيرا خصوصا في المناطق الخارجة عن سيطرة القوات الحكومية في إدلب (شمال غرب) ومناطق سيطرة القوات الكردية (شمال شرق).

وقال بيدرسن في بيان "أدعو بشكل محدد إلى وقف كامل وفوري لإطلاق النار على المستوى الوطني في سوريا لتمكين القيام بجهد شامل للقضاء على فيروس كوفيد-19".

وأضاف "السوريون بشكل خاص هم الأكثر ضعفا في مواجهة الفيروس بينما المنشآت الطبية دُمرت أو تدهورت. وهناك نقص في المواد الطبية الأساسية والكوادر الطبية".

وشدد على أن الفيروس "لا يفرق بين من يعيشون في مناطق تحت سيطرة الحكومة أو في مناطق أخرى". ومن أجل "مواجهة هذا الخطر، يحتاج الشعب السوري الذي عانى طويلا بشكل عاجل إلى فترة هدوء متصلة في كافة أنحاء البلد تلتزم بها كافة الأطراف".

وتشهد مناطق في إدلب ومحيطها والخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) وفصائل معارضة أقل نفوذا وتؤوي نحو ثلاثة ملايين شخص، وقفا هشا لإطلاق النار بدأ تنفيذه في السادس من الشهر الحالي بموجب اتفاق روسي تركي.

وجاء الاتفاق بعد هجوم واسع شنّته قوات النظام بدعم روسي ودفع نحو مليون شخص إلى الفرار من منازلهم خلال ثلاثة أشهر.

ورأى بيدرسن أن اتفاقيات وقف إطلاق النار المبرمة حديثا ساهمت في خفض العنف، لكنها تبقى "هشة وهناك إمكانية لتجدد العنف في أي وقت".

ودعا إلى "الإفراج عن أعداد كبيرة من المعتقلين والمختطفين والسماح بشكل فوري لأسباب إنسانية للمنظمات الإنسانية بزيارة مراكز الاعتقال وضمان توفير الرعاية الصحية والإجراءات الوقائية في كل أماكن الاحتجاز".

وناشد المانحين الدوليين "مساندة الجهود الإنسانية بشكل كامل والاستجابة لنداءات الأمم المتحدة والقيام بما يلزم لضمان حصول كافة السوريين في كل أنحاء سوريا على المعدات والموارد المطلوبة من أجل مكافحة الفيروس ومعالجة المصابين".