كوكب المريخ أمل الأباطرة

الشواهد تنذر بإقامة مستعمرات نظيفة على كواكب أخرى في المستقبل القريب. أما سكانها فبالطبع لن يكونوا من غير القادرين، بل من الأثرياء.
الرؤية المستقبلية لمصير البشر وكوكب الأرض صارت ضبابية
الموضوع قد يبدو عبثيًا لأول وهلة

يتردد في الأذهان مع نهاية هذا العام التساؤل عما إذا الكوكب قد ضاق بتواجدنا على ظهره؟ كنا نسمع عن غضب الطبيعة، وكيف ستنتقم لنفسها ممن يخربونها، ويلوثون جوها، ومن ثمَّ، هل سيكون انتقام الطبيعة هو الفتك بكل من أضروا بها وعلى رأسهم البشر؟ أم سيكون هذا الانتقام في شكل طرد الإنسان المخرب من على ظهر كوكب الأرض؟
ومع نهاية العام تتزايد حالة الترقب والانتظار المصاحبة لمحاولة تقييم حصاد عام غريب كان الحدث فيه سيد الموقف. والنظرة الشاملة تنبئ بمدى غضب البشر؛ بسبب انقضاء عام كامل من العمر شبه خالٍ من الأحداث والإنجازات، لكنه مفعمٌ بالفقد؛ حيث فقد الكثير العديد من ذويهم، ورافق الكثير أحباءَهم في رحلة العلاج ضد الكورونا. وحتى مع نهاية عام 2020 المشؤوم، لم نفلت من ظهور فيروس جديد ليزيد من عائلة الكورونا، الكوفيد-20، والذي يهدد ظهوره أمل البعض في التخلص من خطر الفيروس بواسطة اللقاح المستحدث.

ناقوس الخطر يدق في كل لحظة يفضل فيها البشر العيش في عالم افتراضي، ويسحب فيها المستثمرون أموالهم من الصناعات التقليدية؛ لتوجيهها لصناعات تكنولوجيا الفضاء

وفي ظل هذه المخاوف، ومع الكثير من أطماع أباطرة العالم الرقمي الذي أتاح لهم الفيروس تصدي المشهد، تعالت الأصوات مرة أخرى التي تنادي بنقل الحياة وجميع مظاهرها من على كوكب الأرض المتهالك إلى كواكب أخرى قد تصير في مستقبلٍ ليس بالبعيد، أرضا خصبة لإنشاء مستعمرات جديدة شابة يستفيد منها القادرون ماديًأ، بغض النظر عما قد يحل بسكان هذا الكوكب المتهالك الذي بدأ في الانتقام مما يدمرونه. وفي ذلك المناح، نذكر الأصوات التي تتعالى مؤخرًا - وبشكل ملح - لنقل مظاهر الحياة إلى كوكب المريخ، ويترأس تلك الحركة إيلون ماسك Elon Musk الذي يستهدف استعمار الأراضي الجديدة للاستفادة من مواردها وثرواتها البكر، ويؤمن بصحة منطقه لأن دعوته تطابق ما فعله بارثولوميو جوزنولد Bartholomew Gosnold في بداية القرن السابع عشر وتحديدا عام 1602 الذي دعا للسفر للعالم الجديد، وحينها لم يؤمن بفكرته أحد. 
ويذكر أن إيلون ماسك يعتقد في إمكانية تحويل كوكب المريخ من صورته الموحشة المحاطة بهالة من الأبخرة والغازات السامة إلى كوكب يشابه غلافه الجوي غلاف الكرة الأرضية في شكلها البكر الذي كانت عليه منذ آلاف السنين. 
ويعود إيلون ماسك لتحقيق فكرته من خلال الترويج لصناعة المنتجات والتكنولوجيات المستخدمة في الفضاء، علماً بأن القفزات التكنولوجية المهمة في مجال الإتصالات والطب كانت بسبب التوجه لصناعات تخدم تكنولوجيا للفضاء، والتي بدأت بالفعل في سحب رؤوس الأموال من مشروعات تخدم الصناعات التقليدية، وبلغ حاليًا حجم الاستثمار في تكنولوجيا الفضاء ما يربو على 450 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل إلى ما يفوق 1.5 تريليون دولار في غضون السنوات القليلة المقبلة. 
ومن الشواهد على ذلك، أن بعد أزمة الكورونا والاعتماد المتزايد على البرمجيات، قفزت معدلات الاستثمارات في شركة سبيس إكس Space X عام 2016 للضعف، ثم تضاعفت مرة أخرى عام 2018. أما قفزتها الهائلة كانت خلال الشهرين الماضيين؛ حيث تضاعف حجم الاستثمارات فيها من 50 مليار دولار ليصبح 100 مليار دولار، مع وجود استثمارات من الصعب تعقبها، لكن جميعها تنصب حول حماسة رجال الأعمال للاستثمار في كوكب المريخ الذي يبدو خالي تمامًا من مظاهر الحياة، وتنقصه عوامل كثيرة تساعد البشر للعيش فوق ظهره، وإن كان أكبر عائق في الوقت الحالي يكمن في إمكانية السفر له؛ حيث تستغرق الرحلة بالصواريخ المعروفة حاليًا ستة أشهر. 
قد يبدو هذا الموضوع عبثيًا لأول وهلة، لكن الثروات والموارد الطائلة المتواجدة على ظهر ذاك الكوكب - والتي جميعها تخدم صناعة البرمجيات والصناعات المتعلقة بالفضاء تعطي الضوء الأخضر لإجراء المزيد من الأبحاث لتسريع عملية نقل المشروعات إلى المريخ. ولما كان الغلاف الجوي، ومعدلات الضغط، ونسبة الأوكسجين في المريخ المشبع بغاز ثاني أوكسيد الكربون يجعل إقامة حياة للعنصر البشري مستحيلة، كان لابد من البدء في إصلاح هذا الكوكب أولًا. 

ويجد المستثمرون في كوكب المريخ ميزة إضافية؛ فإصلاح غلافه الجوي ومجاله المغناطيسي يعتمد أساسًا على تنفيذ جميع ما لجأ إليه البشر لتدمير كوكب الأرض؛ مثل إقامة صناعات تطلق انبعاثات ضارة مشبعة بغاز ثاني أوكسيد الكربون المدمر للغلاف الجوي لكوكب الأرض، والاحتباس الحراري، والصناعات النووية. ودون أدنى شك، بدء صناعات أدت إلى تلوث الغلاف الجوي لكوكب الأرض سوف تصير عملًا خيريًا على كوكب المريخ؛ لأنها سوف تؤدي إلى إصلاح الغلاف الجوي للمريخ، وإعادته لصورته الأولى منذ 500 مليون سنة، حينما كان كوكبًا ذو غلاف جوي يشابه ذاك الخاص بكوكب الأرض في صورته البكر.
ولما كان نقل العنصر البشري لهذا الكوكب مكلفًا للغاية، إن لم يكن شبه مستحيل، صار الحل يكمن في استخدام الروبوت؛ أي أنه من المخطط أن يتبوأ الروبوت مستقبلًا مرتبة تعلو على العنصر البشري، مما يجعل من البشر أتباعا للروبوت طالما لا تتوافر لديهم ميزات الروبوت النسبية، ومن أهمها الذكاء الذي لا يحتمل الخطأ، وإمكانية العيش في أماكن لا يمكن أن يأهلها الإنسان. ولكي ينافس البشر الروبوت - حتى ولو في القليل من مميزاته – فإنه يتوجب عليه التخلي عن جزء من آدميته، وأسهل الطرق لذلك وضع شريحة إيلون ماسك كي تفتح له آفاقا أخرى واسعة من الذكاء والتفكير.
وقد يعتقد البعض أن مشروع إيلون ماسك الخاص بكوكب المريخ حلمًا بعيدًا؛ لأنه تعوزه سنوات طويلة للوصول لتكنولوجيات تخدم مشروعه. لكن حطم هذه الفكرة إتجاه جيف بيزوس Jeff Bezos - مالك شركة أمازون Amazon - لجذب المستثمرين نحو كوكب المشترى والذي لا يبعد كثيرًا عن الأرض ومملوء بثروات تفيد الصناعات التكنولوجية لدرجة قد تغيِّر أوجه الصناعات التكنولوجية لما يتمتع به ذاك الكوكب من موارد لا حصر لها.
الرؤية المستقبلية لمصير البشر وكوكب الأرض صارت ضبابية مثل الحالة التي وصل لها العالم حاليًا بعد تفشي فيروس الكورونا وتحوره، ودخول البشرية في دوامة هائلة من تساؤلات جعلتها تعبر من بوابة الإطار البشري لتصل إلى آفاقا تكنولوجية تعتمد عليها بشكل أساسي. وناقوس الخطر يدق في كل لحظة يفضل فيها البشر العيش في عالم افتراضي، ويسحب فيها المستثمرون أموالهم من الصناعات التقليدية؛ لتوجيهها لصناعات تكنولوجيا الفضاء، ويدق ناقوس الخطر أيضًا كلما ازدادت المشكلات البيئية على كوكب الأرض. 
جميع الشواهد تنذر بإقامة مستعمرات نظيفة على كواكب أخرى في المستقبل القريب. أما سكانها فبالطبع لن يكونوا من غير القادرين، بل من الأثرياء.