كيف أصبح القانون درعا للفاسدين؟

هل كانوا يريدون الرئيس قيس سعيد أن يجلس متفرجا لا حول له ولا قوة فيما يموت شعبه أمام ناظريه؟

إن ما قام به الرئيس التونسي قيس سعيد كان يجب أن يحدث قبل اليوم بكثير. فعندما يتعرض الوطن للكوارث، على الحاكم أن يعلن الأحكام العرفية، ويتعامل مع الموقف بقبضة من حديد، سواء كان ذلك مخالفا للدستور أم لا، فنحن شعوب لا نعرف من يجب علينا أن ننتخب وفور سماعنا للخطاب الديني نستسلم ونفترض أن الخطيب كفؤ وسوف يستأصل الفقر من جذوره.

لم تكن حرب الرئيس ضد الإسلاميين وحدهم، ولكن ضد الفساد والفشل برمته، فالشعب التونسي عانى الويلات جراء الفقر ونقص الأمن الغذائي والعلاج طوال عشر سنوات كان حزب النهضة يتسلم فيها زمام الأمور، وآن له أن يتنحى ويخلي الطريق لغيره كي يحاولوا إخراج الناس من حالة الاختناق.

إن التمترس خلف القوانين والدستور يفسح المجال واسعا للوحوش التي تفترس كل ما في طريقها دون حساب، فنحن لم نصل بعد الى مستوى حضاري رفيع يضمن لنا العيش بأمان ويضرب على أيدي الفاسدين، وقد صبر الرئيس سعيد حتى مله الصبر، وأي إنسان لديه القليل من المشاعر الانسانية سوف يفعل أكثر مما فعله الرئيس. إلى متى يصبر الناس وهم يرون الحيتان تنهب الأموال ويرون الإسلاميين عاجزين عن حماية الحقوق العامة؟ ما فعله الرئيس هو عين العقل وكان يجب أن يحدث قبل أن تتفاقم الأمور وينهار القطاع الصحي وتنتشر جثث الموتى.

عندما تخرج الأمور عن السيطرة، فيجب إعلان حالة الطوارئ وتعطيل القوانين وليس هناك أخطر من الفساد الذي يحرم الناس لقمتهم ودواءهم، ويجب التعامل بقوة الجيش والشرطة لأن هناك أشباه بشر بلا أخلاق ولا مشاعر إنسانية، يأكلون مال الناس ولو قيض لهم لأكلوا الناس أنفسهم.

ما الفرق بين العرب وبقية الشعوب؟ نحن شعوب بيننا وبين الحضارة سنوات ضوئية، ونخاف أن نأخذ حقوقنا وكل ما نفعله هو الثغاء كالأغنام، ونرتجف رعبا من صاحب السطوة الذي يأكل حقوق الناس ويتوعد بتصفيتهم اذا اعترضوا، ولم نصل بعد الى مستوى تفضيل الموت على الحياة في ظل الحاجة والعوز. ألم يقل أبو بكر الصديق "إحرص على الموت توهب لك الحياة؟” لماذا لا نأخذ من الاسلام الجوانب التي ترتقي بنا وتجعلنا شعوبا كريمة ومتحضرة؟ كلما سمعنا خطابا دينيا، لا بد وأن يكون حول المرأة أو طاعة ولي الأمر، وهذا قول مأثور يوزن بماء الذهب، وأهم من طاعة ولي الأمر وفتاوى الحيض والنفاس.

إن كل فاسد وفاشل يحتمي خلف القانون ويمد ساقيه وينام ملء جفنيه، لأنه يعرف كم تأخذ القضايا من الجهد والوقت في جمع الأدلة والتحقيقات، والعدالة البطيئة هي شكل من أشكال الظلم وهي تعني موت المظلوم من الجوع والقهر، ولا بد من التصرف السريع لإنقاذ الأرواح، ولا بد من استخدام العصا والهراوات بل والرصاص اذا تحدى الفاسدون سلطة الدولة. وهل يتوقع الناس أن ناهب المال العام سيترك خلفه أثرا؟ إنهم كالأشباح تراهم ولا تمسك لهم. ولا بد من ضبطهم سريعا دون قانون ولا دستور واسترجاع ما نهبوه.

تحضرني حكاية قرأتها ذات مرة حول مدرسة ثانوية في الولايات المتحدة حيث كانت تفرض أساليب التربية الحديثة وتنظر الى الطلاب على أنهم أطفال ويجب مراعاتهم وإرشادهم ويمنع منعا باتا توبيخهم أو ضربهم، حتى وصل الأمر الى درجة عدم قدرة المعلم على شرح الدرس بسبب الفوضى والشغب والشقاوة وتعرض بعض المعلمين للضرب، الى أن جاء مدير فهم الوضع جيدا وقرر أن يعيد المدرسة الى مكان للتعليم والتربية، فتعامل بالحزم الشديد وصار يقضي وقته متجولا بين الصفوف ليرى انضباط الطلاب بنفسه، وعندما تعرض للضرب من قبل أحد الطلاب، تعارك معه جسديا حتى تغلب عليه، واستمر على هذا الحال الى أن أصبحت المدرسة مثالية في الانضباط والتحصيل الدراسي.

هل كانوا يريدون الرئيس سعيد أن يجلس متفرجا لا حول له ولا قوة فيما يموت شعبه أمام ناظريه؟ إن الانسان الايجابي لا يصبر طويلا ويتعامل مع مسؤولياته بحزم وقوة، سواء كان ذلك قانونيا أم غير قانوني، ولا يترك الأمور بهذه الفوضى إلا الحاكم الذي لا تهمه شؤون رعيته فيترك الناس يأكلون بعضهم البعض، فإذا كان هو حاصلا على ما يريد، فلماذا يتعب نفسه وليذهب الجميع الى الجحيم.