كيف تتعامل إيران مع شركائها في غزة

حماس لا تريد أن تصبح الخيار الأقل حظوة لإيران في غزة وأن يتقدم عليها الجهاد الإسلامي.

أعاد التصعيد الأخير بين إسرائيل والجهاد الاسلامي في قطاع غزة إحياء دور إيران في الشرق الأوسط، كما طرح العديد من التساؤلات حول طريقة تعامل حماس مع التصعيد والذي أصبح يتخذ نهجا مغايرا عما مضى ويتسم بنوع من ضبط النفس وعدم الاندفاع في مواجهة مباشرة مع الاحتلال مع السماح أن تكون حركة الجهاد في طليعة المواجهة العسكرية.

نشرت وكالة إيران الدولية نقلا عن مصادر مطلعة أن إيران حثت حماس على الانضمام إلى حركة الجهاد الإسلامي في جولة جديدة من الهجمات ضد إسرائيل في أعقاب مقتل ثلاثة مسلحين في غزة، وربطت ذلك بتصريح رئيس الأركان العامة الإيرانية محمد باقري الذي أكد، إن إيران "ستساعد فلسطين بكل قوتها"، بحسب وكالة أنباء تسنيم التابعة للحرس الثوري. كما أشارت الوكالة إن ضغط طهران عمّق الخلافات السياسية القائمة بين قادة حماس بين رافض لتنفيذ أجندة ايران التي تدفع الى المزيد من التصعيد دون مراعاة أن تحديات المرحلة العصيبة التي يمر بها قطاع غزة تحتاج الى هدوء يأتي بمنافع تقلص من عبء الحصار وتضمن استمرار تصاريح العمل وضمان بقاء المعابر التجارية مفتوحة. وربما قد يتم توظيف ورقة الهدنة التي تريدها إسرائيل لمساومتها في ملف تبادل الأسرى الذي يعرف شللا تاما منذ مدة طويلة. بينما يرى الطرف المقابل أنه من مصلحة الحركة الحرص على يكون لحماس دور في محور المقاومة الذي تتبناه ايران حتى وان كانت الفاتورة مكلفة الا أنه وفي النهاية ليس من مصلحة حماس خسارة ايران أو ترك المجال للجهاد الإسلامي للعزف منفردا وتصدر مشهد المقاومة وهو ما سيكون على حساب رصيد حماس الشعبي.

أظهرت إيران خلال العام الماضي المزيد من التقرب للجهاد الإسلامي وحظيت الزيارة التي قام بها الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة بزخم اعلامي كبير، وزادها النظام الإيراني وزنا عندما وضع النخالة في ثوب القائد الكبير كما خصص له لقاء مع مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي أكبر ولايتي في طهران في أغسطس 2022 والذي حث على توثيق العلاقات، وفي نفس تلك الزيارة التقى نخالة مع كمال خرازي، رئيس المجلس الاستراتيجي الإيراني للعلاقات الخارجية. وقد تضمنت التصريحات التي أطلقها كبار المسؤولين في ايران محاولة لجس نبض ولردة فعل حماس لكنها تلقت ردا من إسرائيل التي شنت هجوما على غزة في الخامس من أغسطس أي بعد يومين من تلك الزيارة، وفي الوقت الذي كانت تشير كل المؤشرات تشير الى انضمام حماس الى تلك المواجهة اختارت حماس النأي بالنفس ولم تتعدى ردة فعلها عن العدوان سوى اطلاق تصريحات نارية محذرة للاحتلال في الوقت الذي كان الجميع يترقب منها الدخول في المواجهة المباشرة، مما فتح الباب على فيض من التساؤلات والقراءات حول الأسباب والدوافع الحقيقة التي جعلت من حماس المعروفة باندفاعها حتى عندما يتعلق الأمر بالأحداث في الضفة الغربية وليس في غزة فحسب الى عدم اقحام نفسها في مواجهة تضر أكثر مما تنفع، وتشوش على علاقتها الجديدة مع مصر التي سعت الى هدنة سابقة وجب على حماس أن تؤكد فيها على حسن النوايا بعد إعادة العلاقات. ويمكن ربط ردة فعل حماس أيضا بموقفها من تلك الزيارة التي أجراها النخالة لطهران وذلك الأسلوب الإيراني في اظهار النخالة كقائد محور المقاومة في غزة، وأن حماس لا تتلقى أوامر أو تنفذ أجندة من طهران أو غيرها للدخول في مواجهة مع الاحتلال.

محاولة إيران ان تجعل من دعمها وتركيزها على الجهاد وحثها على الدخول في مواجهة عسكرية مع الاحتلال هو في نفس الوقت عامل محفز لحماس يدفعها لتقديم خدمات أكبر للمشروع الإيراني من أجل قطع الطريق على حركة الجهاد التي أصبحت ترى في نفسها قوة موازية لحماس داخليا وخارجيا وهو ما يظهر عندما تكثف وفودها الجولات الخارجية بداية من إيران الى مصر الى العراق الى سوريا ولبنان. ولكن ايران استدركت ردة فعل حماس من محاولة تقزيم دورها أمام الجهاد وحاولت تصحيح ما حدث من خلال دعوة إسماعيل هنية لزيارة رسمية الى طهران في أبريل الماضي والتي تتجه الى التأجيل بعد التصعيد الأخير.

وحتى وان أصبحت حركة الجهاد الأقرب لطهران وتتواجد دائما على أهبة الاستعداد للرد على التصعيد العسكري ولإزعاج إسرائيل، فان دعم طهران لحماس لا يمكن أن يتوقف ذلك لأن فيه ميزتين استراتيجيتين رئيسيتين. فمن ناحية، وجود حماس سيبقى يشكل توترا دائما للاحتلال على جبهة قطاع غزة وجنوب لبنان ومخيمات الفلسطينيين في سوريا، ومن جهة أخرى سيكون لإيران دائما سلطة موازية لسلطة رام الله في غزة تستمر في اسقاط أي مشروع لتسوية سياسية مع دولة الاحتلال الأمر الذي يضمن استمرار الصراع في الشرق الأوسط ووجود إيران طرفا في المعادلة من خلال شركائها.