كُتّاب ونُقّاد يستعرضون مسيرة سلطان العويس في أبوظبي للكتاب

الاحتفاء برائد الثقافة الإماراتي يأتي ليعيد تسليط الضوء على رجل جسّد في حياته معنى الكرم الثقافي فكان شاعرًا وصاحب رؤية ورجل أعمال لم يتاجر بالشعر بل استثمر في إدامة حضوره في قلوب الناس وعلى صفحات الأدب العربي.

أضاء معرض أبوظبي للكتاب في دورته الـ 34 على مسيرة الشاعر ورجل الثقافة الإماراتي سلطان العويس، عبر إقامة ندوة حملت عنوان "100عام على ولادة سلطان العويس – اشعاع ثقافي عربي"، نظّمتها مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، شارك فيها نخبة من الكتّاب، والمثقفين الذين عايشوا العويس أو تتبعوا أثره الثقافي.

ففي احتفاء خاص جرى عبر إقامة ندوة حملت عنوان "100عام على ولادة سلطان العويس – اشعاع ثقافي عربي"، ونظّمتها مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، ووسط حضور عالمي، تحدّث معالي محمد المر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، والكاتب محمد رضا نصر الله، والدكتورة حنين عمر، والشاعر ناجي بيضون، عن مسيرة "العويس" الثقافية وإبداعه الشعري.

وعبّر الكاتب عبدالحميد أحمد، الأمين العام لمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، الذي أدار الجلسة عن اعتزازه بهذه الشخصية التي تجاوزت محيطها المحلي إلى حضورٍ عربي وعالمي، مشيراً إلى أن مئوية العويس ستُقام رسمياً في سبتمبر المقبل بمقر منظمة اليونسكو، بعد أن خصصت المنظمة العام 2025 للاحتفال بإرثه الشعري والثقافي.

وفي مستهل الندوة، استعاد محمد المر علاقته الشخصية الطويلة مع الشاعر الراحل، والتي امتدت لأكثر من ثلاثين عامًا، متحدثًا عن تأثير العويس العميق عليه، حتى أنه جعله يحب دمشق التي كانت إحدى محطات إقامة العويس، حيث كان يعقد فيها جلسات أدبية مسائية تضم نخبة من المثقفين السوريين واللبنانيين. وأشار المر إلى تلك الجلسات بوصفها ملتقيات للقراءة والنقاش، إذ كان العويس يطلب من الحضور قراءة نصوص من كتب التراث مثل مؤلفات أبي حيّان التوحيدي، ويناقشها نقديًا وبعين المتسائل.

وتحدّث المر عن نشأة مؤسسة العويس الثقافية، التي رأى فيها مشروعًا استثنائيًا يعكس رقي صاحبه، سواء من حيث سخاء الجائزة المالية، أو من حيث الاستقلالية، والنزاهة في آلية التحكيم، مؤكدًا أن العويس أصر أن تكون المؤسسة بعيدة عن الانحيازات السياسية والفكرية، وأن تُكرّم رموز الإبداع العربي، حتى من لا يخضعون لمنطق التنافس، مثل الشاعر الكبير نزار قباني. وختم المرّ كلمته بالإشارة إلى أن العويس، خصص وقفًا ماليًا لضمان ديمومة المؤسسة بعد وفاته، مستلهمًا بذلك تقاليد العمل الثقافي المؤسسي في الغرب.

راعي الثقافة

وتحدث الكاتب محمد رضا نصر الله عن بدايات العويس العملية، مشيرًا إلى أنه رافق والده في مهنة الطواشة، ثم سافر في سن مبكرة إلى الهند، حيث استقر في حيدر آباد وانخرط في الحياة التجارية. وهناك – كما نقل عن العويس – وُلدت فكرة الجائزة، ليبدأ معها التحول من رجل أعمال إلى راعٍ للثقافة والتعليم.

وأشار إلى إسهامات العويس المبكرة في بناء مجتمع المعرفة، من خلال دعمه إنشاء المدارس، وابتعاث الطلاب للدراسة في القاهرة وبيروت، في وقت كانت فيه هذه المبادرات تشكّل طموحًا نخبويًا سابقًا لعصره.

أما الدكتورة حنين عمر، فتناولت قصيدة "الوردة" التي اعتبرها العويس بوابة اعترافه الذاتي كشاعر، على الرغم من أنه كتب الشعر قبلها بـ 25 عامًا. وأوضحت أن القصيدة، التي نُشرت في بيروت في العام 1970، تحمل طابعًا فلسفيًا وجوديًا، وتتماهى مع رمزية الأساطير وفكرة التكوين، ما يجعلها نصًا مركزيًا في قراءة تجربة العويس الشعرية. ورأت عمر أن "الوردة" لم تكن مجرد قصيدة حب أو وصف جمالي، بل تأملا شعريا عميقا في المعنى، والفناء، والجمال الزائل، وهي لحظة مفصلية أعلنت ميلاد صوت شعري جديد تجاوز التقليد.

العويس الصديق والإنسان

وفي مداخلة وجدانية، استعاد الشاعر ناجي بيضون علاقته مع سلطان العويس، التي بدأت في بيروت في العام 1973 واستمرت في دبي، واصفًا إياه بالصديق والإنسان البسيط، المتواضع، الذي لم تغيّره الثروة ولا المكانة. واختتم بيضون مداخلته بقراءة مجموعة من قصائد العويس، منها قصيدة  "بيروت " التي غناها الفنان الكبير وديع الصافي، مؤكدًا أن صوت العويس لا يزال حيًا في الذاكرة العربية بما كتبه وما تركه من أثر لا يُمحى.

ويحرص معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025 ، الذي ينظمه مركز أبوظبي للغة العربية، على تكريم الرموز الثقافية الإماراتية والعربية، التي شكلت علامات مضيئة في مسيرة الإبداع والنهضة الفكرية.

ويأتي الاحتفاء بسلطان العويس ليعيد تسليط الضوء على رجل جسّد في حياته معنى الكرم الثقافي، فكان شاعرًا وصاحب رؤية، ورجل أعمال لم يتاجر بالشعر، بل استثمر في إدامة حضوره في قلوب الناس وعلى صفحات الأدب العربي.