لاءات مليونية في الجزائر ضد 'حيلة' المادة 102

المتظاهرون في العاصمة الجزائرية يهتفون "بوتفليقة وانت رايح، خوذ قايد صالح معاك"، رافضين رفضا قاطعا دعوة قائد أركان الجيش لعزل الرئيس دستوريا، رافعين سقف مطالبهم برحيل كل رموز النظام.

الرئيس الجزائري الأسبق اليامين زروال ينضم للحراك الشعبي
الشرطة الجزائرية تطلق الغاز المسيل للدموع على المحتجين
الجزائريون يطالبون برحيل رموز النظام شرطا للتفاوض
"102، هذا الرقم ليس في الخدمة يرجى الاتصال بالشعب"

الجزائر - بدا الجزائريون الذين تظاهروا بكثافة الجمعة رافضين اقتراح رئيس أركان الجيش بتنحية الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بتطبيق المادة 102 من الدستور والتي كانت آخر محاولة من النظام لتهدئة احتجاجات متواصلة منذ أكثر من شهر في البلاد.

وفي العاصمة الجزائرية كان الهتاف الأبرز "الشعب يريد أن ترحلوا جميعا"، في استمرار لتظاهرات بدأت في 22 فبراير/شباط الماضي.

كما تظاهر الجزائريون في سادس جمعة تعبئة، بكثافة في باقي مناطق البلاد، بحسب مشاهد بثها التلفزيون الجزائري وشبكات التواصل الاجتماعي.

ومع صعوبة تحديد عدد المحتجين في غياب أرقام رسمية، بدت التعبئة كبيرة جدا خصوصا في العاصمة وشبيهة تقريبا بالأسابيع الثلاثة الماضية التي كان محللون وخبراء اعتبروها تعبئة استثنائية ووصفوها بالمليونية.

لكن السلطات الجزائرية نفت أن تكون المظاهرة ضد بوتفليقة في العاصمة الجزائر قد اجتذبت نحو مليون محتج اليوم الجمعة.

وقال مصدر مسؤول "الشرطة الجزائرية لم تتحدث أو تبلغ أي أرقام تتعلق بالاحتجاجات لأي صحفيين أجانب"، مضيفا أنه دونما إسهاب "الرقم الذي نشرته رويترز غير صحيح".

وكانت وكالة رويترز ذكرت في وقت سابق أن عدد المحتجين يقدر بنحو مليون شخص.

وقال شهود إن الشرطة الجزائرية أطلقت الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع على محتجين في العاصمة الجزائر اليوم الجمعة بينما احتشد نحو مليون شخص للمطالبة بتنحي الرئيس بوتفليقة.

احتجاجات لا تهدأ في الجزائر
احتجاجات لا تهدأ في الجزائر

وكان رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح الشخصية المحورية في النظام، اقترح الثلاثاء تطبيق آليات دستورية لتنحية رئيس الدولة الذي كان أحد أشد المخلصين له منذ أن عينه قائدا لأركان الجيش في 2004.

لكن المتظاهرين قالوا إنهم يريدون رحيل مجمل النظام وليس فقط الرئيس، مع أن رحيل هذا الأخير لم يصبح بعد من باب تحصيل الحاصل.

وهتف المتظاهرون في العاصمة "بوتفليقة وانت رايح، خوذ قايد صالح معاك" أو "افالان (اختصار للأحرف الأولى لجبهة التحرير الوطني بالفرنسية) ارحل". ويهيمن حزب جبهة التحرير على الحياة السياسية في الجزائر منذ استقلالها عن فرنسا في 1962.

كما ركز بعض المتظاهرين على رئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح الرجل الثاني في النظام والذي سيدعى لتولي الرئاسة بالوكالة إذا تنحى بوتفليقة ورفع بعضهم صورة له كتب عليها "ارحل".

وقال أمين (45 عاما) الذي وصل إلى الجزائر من بجاية (على بعد 180 كلم شرق العاصمة) "نحن هنا لتوجيه نداء أخير لهذا النظام : خذ حقائبك وارحل".

كما قال سمير (بيطري-40 عاما) الذي كان إلى جانبه إن المسؤولين الجزائريين "يعتقدون أننا أغبياء وبعد كل تظاهرة يعرضون شيئا لتهدئتنا، لكننا نريد أن يرحلوا جميعهم ولن نقبل بغير ذلك".

وردد المشاركون في التجمع الاحتجاجي الذي تنتشر فيه ككل جمعة الأعلام الوطنية الجزائرية، النشيد الوطني. كما رددوا أغنية راب عن "الحرية".

وبدا بوتفليقة (82 عاما) الذي يحكم البلاد منذ عشرين عاما وهو رقم قياسي منذ الاستقلال، الجمعة معزولا جدا حتى وان كان لا يزال يتولى مهامه، في الوقت الذي أيدت فيه غالبية حلفائه المقربين، مقترح الجيش لتنحية رئيس الدولة.

وخلال الأسبوع تخلى أحمد أويحيى الذي كان حتى قبل أقل من شهر رئيسا للوزراء وحزبه التجمع الوطني الديمقراطي عماد الأغلبية مع حزب جبهة التحرير، عن بوتفليقة.

كما أعلن الأمين العام للاتّحاد العام للعمّال الجزائريين عبدالمجيد سيدي السعيد، أحدى أكثر الشخصيات وفاء للرئيس، أنّه يدعم اقتراح الجيش بتنحيته.

ودون أن يعلن تخليه عن الرئيس، أعلن رئيس منتدى رجال الأعمال في الجزائر علي حداد المعروف أيضا بقربه من بوتفليقة، استقالته مساء الخميس من منصبه. وكان منتدى رجال الأعمال تحوّل خلال السنوات الماضية إلى أداة دعم سياسي صلبة للرئيس.

وكان حزبا جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي ومنظمتا الاتحاد العام لعمال الجزائر ومنتدى رجال الأعمال، جميعها تدعم بقوة إعادة ترشح بوتفليقة لولاية خامسة.

ووحده حزب جبهة التحرير لا يزال يدعم بوتفليقة ولو أن أصواتا معارضة بدأت تسمع داخله.

ورفضت عدة جهات بارزة في الحراك الشعبي، مثل المحامي مصطفى بوشاشي والرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، تفعيل المادة 102 من الدستور كما اقترح رئيس الأركان.

وأوضحت رابطة حقوق الإنسان أنّ المهل قصيرة جدا لضمان تنظيم انتخابات رئاسيّة حرّة ونزيهة خلال الفترة الانتقالية في حال تنحي بوتفليقة، مندّدة بـ"آخر حيل" السلطة "للإبقاء على النظام الذي لفظه الشعب".

وفي ساحة البريد الكبرى بالعاصمة، رفعت الجمعة لافتة كتب عليها "102، هذا الرقم ليس في الخدمة يرجى الاتصال بالشعب" في ترجمة لروح الدعابة والسخرية بين أوساط المحتجين.

وكتب على لافتة أخرى "نطالب بتطبيق المادة 2019 : يتنحاو قاع وهي عبارة باللهجة المحلية وتعني "ارحلوا جميعا".

وخرج الرئيس الجزائري السابق اليامين زروال الجمعة لتحية المتظاهرين وسط مدينة باتنة (شرق)، ملازما الصمت حيال دعوات لتوليه زمام المرحلة الانتقالية.

وأظهرت فيديوهات نشرت على منصات التواصل الاجتماعي وبثت عبر إعلام محلي، زروال (حكم من 1995 إلى 1999) وهو يحيي المتظاهرين أمام منزله العائلي بباتنة.

وأظهر مقطع فيديو الرئيس الجزائري السابق يبتسم ويحيي المتظاهرين الذين ردوا بدورهم بترديد شعار "جيش شعب معاك يا زروال".

ومنذ أسابيع، تتوالى دعوات من نشطاء وحتى سياسيين لتولي زروال، زمام المرحلة الانتقالية بعد رحيل الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، معتبرين أنه شخصية توافقية تلقى قبولا شعبيا واسعا.

وحتى الآن، قابل زروال هذه الدعوات بصمت، ما عدا تصريح أدلى به قبل أيام، أحد مستشاريه لموقع محلي، أكد فيه أن الرئيس الجزائري السابق لم يفوض أحدا للحديث باسمه، في رد جاء تعقيبا على ما تم تداوله بوجود اتصالات رسمية معه للإشراف على مرحلة انتقالية.

وفي مظاهرات الجمعة السادسة من الحراك العشبي الرافض لاستمرار بوتفليقة في الحكم، برزت صورا عملاقة لزروال بساحة البريد المركزي وكذلك بساحة موريس أدوان بقلب العاصمة.

وزروال لواء متقاعد من الجيش الجزائري، تقلد وزارة الدفاع من 1993 إلى 1995، ثم رئيسا للبلاد وزيرا للدفاع من 1995 إلى أبريل/نيسان 1999.

وفي سبتمبر/أيلول 1998، أعلن زروال تقليص ولايته الرئاسية التي كان من المفروض أن تنتهي في عام 2000، وأشرف على تنظيم انتخابات مبكرة في 1999 وكان هو من سلم السلطة للرئيس الحالي بوتفليقة بعد انتخابه رئيسا في أبريل/نيسان من نفس العام.

ودعا الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين الجزائريين الجمعة، إلى تشكيل مجلس رئاسي من شخصيات وطنية مقبولة لقيادة مرحلة انتقالية قصيرة المدة.

وطرح الاتحاد خارطة طريق للخروج من الأزمة التي تعرفها الجزائر منذ 22 فبراير/شباط الماضي، حين خرج ملايين المواطنين للمطالبة برحيل الرئيس المريض عن الحكم ورموز نظامه.

كما دعا مجلس الاتحاد في بيان إلى تأسيس مرحلة انتقالية "قصيرة المدى"، دون أن يحدد الآجال الزمنية لها.

واقترح تعليق العمل بالدستور الحالي للبلاد "الذي يعيق تنظيم انتخابات رئاسية ذات مصداقية"، وإصدار إعلان دستوري لتسيير المرحلة الانتقالية.

والسبت الماضي، دعت أحزاب وشخصيات من المعارضة إلى تنصيب هيئة رئاسية من شخصيات ذات كفاءة ومصداقية ونزاهة، تشرف على مرحلة انتقالية مدتها 6 أشهر.

وأضاف الاتحاد، أن خارطة الطريق هذه توصي بتعيين حكومة كفاءات لتصريف الشأن العام وتنظيم انتخابات شفافة ونزيهة إلى جانب إنشاء هيئة مستقلة للإشراف وتنظيم الاستحقاقات.

وطالب المحامون المنضوون تحت لواء الاتحاد من الادعاء العام (القضاء) بفتح تحقيقات عاجلة في قضايا الفساد واتخاذ الإجراءات التحفظية.

كان لافتا أيضا قيام التلفزيون الرسمي الجزائري بنقل مباشر للمظاهرات المناهضة لنظام الرئيس بوتفليقة في خطوة غير مسبوقة منذ بداية الحراك الشعبي قبل أكثر من شهر.

وفي خطوة مفاجئة، قررت إدارة التلفزيون الرسمي بقنواته الثلاث القناة الأرضية والقناة الناطقة بالفرنسية والقناة الثالثة، نقل مظاهرات الجمعة السادسة للحراك عبر عدة مدن بالبلاد، مع استوديو استضاف محللين للحديث عن الأزمة الراهنة.

وتأتي هذه الخطوة بعد أيام من إقالة المدير العام للتلفزيون توفيق خلادي وتعيين المدير السابق للأخبار بنفس المؤسسة لطفي بوشريط خلفا له.

وخلال الأيام الماضية، شهدت تغطية التلفزيون الرسمي للحراك الشعبي المناهض لنظام بوتفليقة تطورا مضطردا، فبعد تجاهل المظاهرات في أيامها الأولى، أصبحت تخصص حيزا كبيرا لها في الأيام الأخيرة مع نقل شعارات المتظاهرين المطالبة بالتغيير.

وشهدت مؤسستا التلفزيون والإذاعة الحكوميين بالتزامن مع الحراك وقفات احتجاجية للصحفيين والتقنيين تطالب بالتعامل بمهنية مع الأزمة ورفع القيود عن تغطية فعاليات الحراك.