لا أحد يثق بلبنان
لا يحتاج لبنان إلى حكومة بل يحتاج إلى الأموال. من غير تلك الأموال لا معنى لقيام حكومة جديدة سيكون الفشل المؤكد مصيرها.
تآكل لبنان من الداخل عبر الزمن. لم يعد في إمكانه أن يوقف انهياراته على الأصعدة كافة. فهو بلد تصريف أعمال مثل حكومته الحالية.
الطبقة السياسية فيه لم تعد تخجل من الصفات السيئة والمهينة التي تُطلق عليها وبالأخص في ما يتعلق بفسادها.
ولأن تلك الطبقة مطمئنة إلى بقائها فقد صارت تنظر إلى الشعب من ثقب ضيق ولم يعد أفرادها في حاجة إلى أن يهرعوا إلى الشرفات إذا ما سمعوا دوي صوت ذلك الشعب المفجوع الذي صار هو الآخر على يقين من أن حراكه الثوري لن يؤدي إلى إسقاط النظام السياسي العائم.
وبالرغم من أن دولة لبنان صارت تُدار من مكان سري في بيروت فإن رموز النظام السياسي اللبناني التي يُفترض بها أن تكون أعمدته التقليدية تظل صامتة ولا تحتج ولا تعلن انسحابها من حياة سياسية صارت أشبه بالوحل.
لا يزال زعماء الطوائف يساهمون في إدارة ماكنة الفساد مستعينين بما يتيحه لهم نظام المحاصصة من مكاسب مجانية كانت هي وسيلتهم في التهام المال العام وتدمير الاقتصاد اللبناني.
لقد سمعنا الكثير من الخطابات النارية التي تندد بالسلاح غير الشرعي وتطالب بنزعه فورا وتأسى لانحسار هيبة الدولة وانهيار الاقتصاد اللبناني ولكن لم يحدث أن أعلن طرف طائفي محتج عن تعففه في المشاركة في التشكيلة الحكومية التي لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم غير أنها تستعمل حاسة الشم واللمس في الوصول إلى الأموال من أجل نهبها.
وإذا وضعنا كل ذلك خلف ظهورنا واكتفينا بلبنان الذي يفكر سعد الحريري باعتباره مكلفا بتشكيل حكومة جديدة بإنقاذه فلابد أن نُصدم بعقبة المال.
من أجل أن تكون هناك حكومة مؤهلة لإنقاذ بلد متهالك كان دائما في طريقه إلى الهاوية ووصل أخيرا إليها لابد من أن يكون هناك مال.
من أين يأتي ذلك المال؟
حزب الله له اقتصاد مجاور وهو إن كان قد سطا على الاقتصاد اللبناني في مرحلة ما فإنه لن يكون معنيا بإنقاذه. اما إيران، الدولة التي أُلحق بها لبنان سياسيا وعبر في غير محفل عربي عن التزامه بتلك التبعية المخزية فإنها ليست مستعدة لإعانته ماديا. أولا لأنها ليست معروفة بمثل هذه المواقف الكريمة وثانيا لأن ضائقتها المالية جعلتها تعتمد على ما يسرقه حزب الله من المصارف اللبنانية.
كانت أزمة إيران بسبب العقوبات المفروضة عليها أحد أسباب الانهيار المالي في لبنان.
من أين يأتي المال إذاً؟
ولكن قبل ذلك السؤال هناك سؤال أهم هو "مَن يثق بلبنان لكي يده بالمال هبة أو قرضا؟"
باختصار ومن غير دوران أقول "لا أحد يثق بلبنان".
لم تكن تجارب السنوات الماضية مشجعة. على سبيل المثال فإن كل المساعدات المالية التي قدمتها دول الخليج العربي عبر سنوات طويلة تم التصرف بها من قبل زعماء الطوائف كما لو أنها هبات شخصية. لم تبن بها مستشفى أو جامعة أو مختبر علمي ولم يتم استثمار تلك الأموال في مجالات صناعية أو زراعية. كان من الصعب أن تدخل تلك الاموال بنزاهة في مجال تنموي، لا لشيء إلا لأن لبنان الطوائف هو الذي يتحكم بدولة لبنان التي صارت أصغر من أن تُرى وأضعف من أن تفرض شيئا.
هذا على المستوى العربي أما على المستوى العالمي فإن أي مؤسسة مالية عالمية ليست مستعدة لإقراض لبنان أي مبلغ مهما كان صغيرا بسبب التجارب المريرة التي مرت بها تلك المؤسسات من جهة تعاملها مع تشظي القرار اللبناني وضعف الدولة مقابل قوة الميليشيا.
كل الأبواب مغلقة أمام لبنان. فهل تنفع حكومة يقودها سعد الحريري في انقاذه؟ تلك حكومة مفلسة على مستويات عدة.
لن يتمكن الحريري من تأليف حكومة مستقلة تضع ضمن خططها بناء بلد حر في خياراته السياسية والعودة به إلى سيادته. فالحريري لن يكون سوى شبح ولن تكون حكومته سوى مجمع دمى منتفعة.
ومن المستبعد أن يعلن الحريري عن فشله. فهو يفكر بالطريقة التي يفكر من خلالها زعماء الطوائف الآخرون. تلك الطريقة التي تحث على البقاء في الواجهة بغض النظر عما يشوب تلك الواجهة من عيوب تدعو إلى السخرية من جهة والرثاء من جهة اخرى.
فزعماء لبنان يعرفون أن لا أحد يثق بهم ولا أحد ينظر إليهم باحترام ولا أحد يناقشهم في شؤون البلد المنكوب إلا مضطرا ومع ذلك فلا أحد منهم على استعداد للنظر في مرآة الحقيقة ليرى كم هو ضئيل ولا قيمة له ويكف عن اضفاء الشرعية على نظام فقد شرعيته.