لا بد أن تنهض الشعوب

آن الأوان أن يفيق الشعب العراقي الذي علم الناس الأبجديات والأدب والفلك والعمران والحضارة.

إن حرق القنصلية الايرانية في البصرة من قبل السنة والشيعة هي ثورة على الجهل وليست ثورة على ايران، وهي صرخة للناس "أفيقوا من هذا الجهل الذي دمركم". هل يعقل أن يقتل الناس بعضهم لأنهم من طوائف مختلفة في زمن وصلت فيه الشعوب إلى أعالي السماء واكتشفت أن ما يضيء الليل ليس مصابيح وأن الأجرام ليست رجوما للشياطين؟ هل يعقل أن يسرق العملاء قوت الناس لأنهم خلفاء الله على الأرض؟

لقد عانى العراق مثلما لم يعانِ أحد من قبل، وتشرد الناس وتفككت الأسر، وآن الأوان أن يفيق هذا الشعب الذي علم الناس الأبجديات والأدب والفلك والعمران والحضارة. ولا يمكن له أن يستمر بالغرق بلا نهاية، هذا الشعب ليس كبقية الشعوب، والجهل الذي دخل فجأة بعد الغزو الأميركي للعراق دخيل عليه ولا يمكن أن يقيم فيه. وها هو الشعب يجتثه ويعود لروحه الصافية النقية من شوائب تخاريف السنة والشيعة وغير ذلك من الأديان والهلوسات، وعلى من يحب العراق أن يؤازره ويحارب هؤلاء الذين لا يجدون سوى الأديان ليتكئوا عليها في ملحمة الرعب والدمار ونشر العذاب في الأرض. على من يحب العراق أن يرفض لقب سني وشيعي وسائر الأديان، فالإنسان وجد لكي يعيش لا لكي يحارب باسم قوى غيبية أدخلت الناس في جحيم وجعلت الحياة موتا والاستقرار تشردا والأمن خوفا ورعبا.

الحضارة تعني ضبط الأمور والتحكم بها بقوانين عادلة ومنصفة للجميع ومطبقة على الجميع بصرف النظر الهلوسات والتخاريف، لأن كل فرد له هلوسات تختلف عن الآخر ولا سبيل للتوفيق بينها، فكيف تكون تلك الهلوسات أساسا لتنظيم الحياة وضبطها؟ ألم ير هؤلاء كيف كانت الأديان ثغرة لتدمير الأوطان وكيف استغلت لبث الفوضى والتخلف؟ ألم يروا كيف استتر خلفها القتلة واللصوص لينبهوا ويدمروا؟ ألم يروا كيف استغل الأعداء هذا التخلف لإنشاء جماعات مسلحة انتشرت كالسرطان وقتلت الأبرياء ونشرت الفوضى والظلم والجهل وارتكبت أبشع الجرائم؟ ألم يروا كيف أصبح العرب دمية بيد ايران وأميركا وانقسموا إلى فصيلين متحاربين دمروا كل شيء وزرعوا الكراهية والعداء بين أفراد الشعب الواحد الذي كان يتقاسم الطعام والشراب والأرض والهواء؟ ألم يروا كيف يفر هؤلاء الجبناء عندما تأتيهم الغارات الجوية من الطائرات الأميركية؟ إنهم جبناء ولا يستقوون إلا على الأبرياء.

على أبطال العراق أن يستمروا وعلى العرب مؤازرتهم وإغاثتهم لكي يصمدوا أمام ثيران طهران المندفعة لتدوس العراق وأهله وتجعله ساحة لها تصنع بها ما تشاء. وعلى العرب استئصال شأفة المتأسلمين من ديارهم، وهم لا يجهلون التاريخ وصدامات السنة والشيعة عبر القرون. فهم ليسوا سوى همجيين وجبناء وينسحبون عندما تصبح المعركة يديرها العقل والتقدم التقني، فهم لا يعرفون هذا المستوى من القتال، هم فقط يعرفون كيف يسبون النساء ويعدمون الأطفال ويدمرون البيوت ويحرقون الزرع، وهذا زمن العلم والتعقيد التقني لا يحتاج إلى لحى وعضلات، بل يكفي أن تكون امرأة مؤهلة في العلوم العسكرية لتجلس خلف مكتب نظيف وتدير المعارك من موقعها.

لماذا يصرون على اعتماد الأديان كأساس لتنظيم الحياة ونحن نرى بأم أعيننا أن الدول المتقدمة هي علمانية سواء كانت مسلمة أو غير ذلك؟ إنهم يرون بأم أعينهم أن الأديان لا تصلح لحكم البلاد لأنها متضاربة ومتناقضة وتحث على القتال والقهر؟ لماذا لا يريدون أن يفهموا أن القانون العادل المطبق على الجميع هو الذي ينهض بالبلاد؟ لماذا لا يعترفون أن الأديان ستار للفاسدين واللصوص الذين ينهبون المال العام وهم في منجى من العقاب لأن شعار المسلمين هو "طاعة ولي الأمر"؟ وولي الأمر هذا متغلغل في شتى نواحي الحياة فهو الأب والأخ والزوج والحاكم ورجل الدين، حتى يكاد الإنسان أن يختنق لشدة التضييق. وولي الأمر هذا إنسان له هواه وميوله وأطماعه وانحرافه ونزقه وتجبره، ولا يمكن ردعه إلا بقانون يحاسبه ويعاقبه.