لا تلوموا مصر

عانت مصر من الفقر مر العناء، واليوم جاءها قائد يبذل قصارى جهده لإخراجها من محنة الفقر، وصادف أن اكتشفت حقول الغاز في المياه الإقليمية في البحر المتوسط، ولا مناص لها إلا بالتعاون مع إسرائيل، ففعلت ذلك، وعلى العرب أن يفهموا موقفها، فاتركوها تبحث عن رزقها. وسواء وافقت أم لم توافق على صفقة القرن، فالقرار يبقى فلسطينيا، ولن يسمح الفلسطينيون بالتنازل عن قضيتهم، وربما يدفعون ثمنا باهظا من أرواحهم، وهذا ما يسمى في أدبيات الشعوب "القدر".

ولنفترض أن مصر رفضت وتمسكت بحق الفلسطينيين في وطنهم، وهي غارقة بمشاكل اقتصادية وفساد لا حدود له، فكيف ستساعد الفلسطينيين؟ هل يمكن للجائع أن يحارب؟ اتركوها تسعى لمصالحها، وإذا كان فيها خير، فسوف تقوم بدورها القومي، وإذا لم يكن فيها خير، فسوف تضحي بالفلسطينيين، ولكن اعطوها فرصة للنهوض واستعادة قوتها، ومن ثم احكموا عليها. ولا يغيب عن بال أحد أن من المصريين أناسا كالذهب الصافي، لا تغيرهم النوائب والصروف، وهم فلسطينيون أكثر من الفلسطينيين، فدعوها تبحث عن رزقها عند إسرائيل وعند الشيطان الرجيم إلى أن تتعافى.

إن من أبجديات الأخلاق التي تعلمناها هي الصمود وعدم التنازل عن الحق، ولا أحلى من ذلك ولا أرقى ولا أسمى. ولكن عندما تصبح الحياة جحيما لا يطاق، فلا يبقى أمام الإنسان سوى أن يتحايل على الموقف أو ينتحر، ولا أحد يريد لمصر أن تنتحر، وهناك مؤشرات قوية على أن الخير آت لمصر، من خلال حقول الغاز والمشاريع التي تم تنفيذها ولم تؤت أكلها بعد، وربما تتغير الأحوال، فيصبح الشعب المصري ثريا وقادرا، فلماذا نفترض أنها ستنسى دورها القيادي وهي التي قدمت من الشهداء الكثير وهي أكثر دولة تعرضت للحروب والعدوان، وبذرة الخير موجودة لديها.

إن من الحكمة أن لا يخسر الفلسطينيون حلفاءهم، ومن غير الحكمة أن يناصبوا العرب العداء من خلال وسائل الإعلام، وجدير بهم أن يفكروا كيف يبنون قدراتهم، ويستعدون لمواجهة المستقبل. وغني عن القول أن بعض الفلسطينيين أساءوا كثيرا لقضيتهم، وبات الكارهون لهم أكثر من المحبين. وأكثر الناس يلقبونهم باللغة الشعبية الدارجة بـ "أبو فلص"، فكيف تحول الفلسطيني من أيقونة للنضال إلى مجرد كائن فائض عن الحاجة والكل يضيق به ذرعا؟

هناك انقسام فلسطيني وهناك إعلاميون فلسطينيون يشتمون المخالفين لهم، وهناك أثرياء فلسطينيون لا يوظفون أموالهم لخدمة قضيتهم، وهناك متأمركون فلسطينيون تبنوا وجهة النظر الأميركية بشأن القضية الفلسطينية، وهناك فلسطينيون عاديون اكتسبوا صيتا سيئا من حيث معايير الأمانة والإخلاص والصدق وشرف العلم والعمل وسمو النفس، وربما جعلتهم الظروف بهذه الصفات، ولكن عليهم أن يتنبهوا ويصححوا هذه الفكرة العامة عن الشخصية الفلسطينية. وهذا الواقع لا يخدم القضية الفلسطينية.

إذا ساءت الظروف إلى درجة غير قابلة للإصلاح، فلا بأس من الهدوء إلى أن ينهض الناس من كبواتهم. إن العرب اليوم محاصرون بخطر إيراني وطمع تركي وانتهازية صهيونية وفقر ودمار، والإنسان لا يستطيع القتال على كافة الجبهات، فكفوا اللوم ودعوا الناس يواجهون مخاطرهم دون تشويش، فهذا التشويش يستفزهم، فيردوا ردا عنيفا، ويتهمون الفلسطينيين بالخيانة والجبن والتقاعس وبيع الأراضي وإلقاء العبء على الدول العربية. فقليل من الانضباط والصمت لكي لا تفقدوا كل شيء.