لا خيارات كثيرة لدى الغرب لردع هجمات الحوثيين في البحر الأحمر

التحالف البحري الذي شكلته واشنطن لردع الحوثيين يعتبر "أفضل الخيارات السيئة في هذه المرحلة".
واشنطن تُبقي على الخيار العسكري في مواجهة تهديدات الحوثيين
أي هجمات أميركية على الحوثيين قد تغرق واشنطن في صراع جديد
لماذا يتردد الوسيط العماني في دعوة الحوثيين لوقف هجماتهم في البحر الأحمر؟
زعيم الحوثيين ينصح الدول الآسيوية والأوروبية بعدم التورط مع الأميركيين

واشنطن - يُشير تعاطي الولايات المتحدة وحلفائها مع التهديدات التي يشكلها الحوثيون على الملاحة والتجارة البحرية في البحر الأحمر، إلى تردد في استخدام القوة خوفا من أن يؤدي ذلك إلى نتائج عكسية تنتهي بتوسيع المخاطر في الممرات المائية الحيوية لإمدادات العالم من الطاقة والسلع، بدلا من احتوائها.

ولا يبدو في تقدير عدد من المحللين أن واشنطن ولندن تمتلكان حلا سحريا لهذه الأزمة وأن الغرب عموما عالق في مأزق بين خيار الرد العسكري الذي قد يفضي لتوسيع المخاطر وبين محاولات للتهدئة يقودها الوسيط العماني عبر نقل رسائل غربية للحوثيين.

ومع تصاعد التوتر على طريق الشحن البحري الأسرع والأقلّ كلفةً بين آسيا وأوروبا، تبدو خيارات الغرب للردّ على هجمات المتمردين اليمنيين في البحر الأحمر، محدودة، وفق الخبراء.

وعقب نشر بوارج أميركية وبريطانية وفرنسية في المنطقة، سارعت الولايات المتحدة إلى تشكيل تحالف بحري يضمّ أكثر من 20 بلدا لحماية حركة الملاحة، فيما كثّفت دول غربية تحذيراتها للمتمرّدين اليمنيين المدعومين من إيران، من دون تحديد طبيعة خطواتها المحتملة.

ويعتبر الأستاذ المشارك في جامعة أوتاوا الكندية للشؤون العامة والدولية توماس جونو أن التحالف البحري "أفضل الخيارات السيئة في هذه المرحلة".

ويرى مدير قسم شؤون شبه الجزيرة العربية في معهد الشرق الأوسط جيرالد فايرستاين أن "الخيار الأفضل هو مواصلة العمليات الدفاعية... حتى انتهاء النزاع في غزة".

وبحسب البنتاغون، أسقطت القوات الأميركية والبريطانية 18 طائرة مسيّرة مفخّخة وصاروخين مجنّحين وصاروخا بالستيا أطلقها مساء الثلاثاء الحوثيون، في هجوم اعتبرت بريطانيا أنه "الأكبر" الذي ينفّذه المتمرّدون في المنطقة.

وأدى الاشتباك الأعنف مع الحوثيين في 31 ديسمبر/كانون لأول، إلى إغراق الجيش الأميركي ثلاثة زوارق حوثية وقتل أفراد طواقمها، بعد أن هاجمت سفينة.

وعلى مدى الأسابيع السبعة الماضية، شنّ الحوثيون أكثر من 25 عملية استهداف لسفن تجارية يشتبهون بأنها مرتبطة بإسرائيل أو متّجهة إلى موانئ إسرائيلية، قرب مضيق باب المندب الاستراتيجي عند الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، تضامنا مع قطاع غزة الذي يشهد حربا مع إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

وتعيق هجمات الحوثيين حركة الملاحة في البحر الأحمر الذي تمرّ عبره 12 في المئة من التجارة العالمية، بحسب غرفة الشحن الدولية. وقد تسبّبت بمضاعفة كلفة النقل، نتيجة تغيير 18 شركة شحن على الأقلّ، مسار سفنها حول جنوب إفريقيا، وفق الأمم المتحدة.

وحذّرت 12 دولة على رأسها الولايات المتحدة الأسبوع الماضي الحوثيين من "عواقب" لم تحدّد طبيعتها. ووصف مسؤول أميركي كبير التحذير بأنه الأخير. وأكدت بريطانيا استعدادها لاتخاذ "إجراءات مباشرة" ضد الحوثيين. وفتح تشديد اللهجة حيال الحوثيين المجال أمام تكهّنات بإمكانية شنّ ضربات ضدّهم.

إلا أنّ الباحث فايرستاين وهو سفير أميركي سابق لدى اليمن، يرى أن "عمليات عسكرية هجومية في اليمن ستؤدي إلى نتائج عكسية"، لافتا إلى أن الحوثيين "يعتقدون أن صراعا مفتوحا مع الولايات المتحدة دعما للفلسطينيين، سيُكسبهم دعما داخليا وسيعزّز صورتهم كعنصر أساسي في محور المقاومة" الذي تقوده إيران في المنطقة.

ويوافقه جونو الرأي، موضحا أن ضربات جوية محدودة ضد مواقع عسكرية حوثية "لن تُحدث أضرارا كبيرة" إنما "ستدعم بشكل كبير خطاب الحوثيين عن مقاومة" الولايات المتحدة وإسرائيل.

أما عن إمكانية شنّ ضربات واسعة النطاق، فيرى جونو أن "من شأنها أن تسبب ضررا أكبر لكنّها قد تُغرق الولايات المتحدة في صراع جديد مكلف".

ويرى الباحث اليمني غير المقيم في معهد "تشاتام هاوس" فارع المسلمي أن ضربة عسكرية على الحوثيين لن تكون "مجدية"، مشيرا إلى أن "اليمن ضخمٌ جغرافيا" والحوثيين يتمتعون بـ"قدرات عسكرية قوية نوعا ما".

وفي السعودية، طرح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مسألة هجمات الحوثيين خلال لقائه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الاثنين. وقال إن واشنطن تريد أن يتلقى الحوثيون رسالة مفادها أن "هذا الأمر يجب أن يتوقف".

ويكتسي الموضوع حساسية خاصّة بالنسبة للسعودية التي تجري مفاوضات متقطّعة مع الحوثيين منذ أشهر لوضع حرب اليمن على سكّة الحلّ.

واندلع النزاع في اليمن في 2014. وسيطر الحوثيون على مناطق شاسعة في شمال البلاد بينها العاصمة صنعاء. في العام التالي، تدخّلت السعودية على رأس تحالف عسكري دعما للحكومة، ما فاقم النزاع الذي خلّف مئات آلاف القتلى.

والتزمت السعودية وهي من بين الدول المطلة على البحر الأحمر، الصمت حيال هجمات الحوثيين على السفن ولم تنضمّ إلى التحالف البحري بقيادة واشنطن.

ويقول فايرستاين إن السعوديين لا يريدون أن يتسبب اتخاذهم موقفا عدائيا حيال الهجمات بـ"تقويض محادثاتهم مع الحوثيين" أو دفعهم إلى شنّ "جولة جديدة من الهجمات ضد أهداف سعودية".

وبين 2019 و2022، تعرضت منشآت نفطية في السعودية، أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، لهجمات تبنّاها الحوثيون وأدّى أكبرها إلى نسف نصف إنتاج المملكة لأيام. وتوقفت تلك الهجمات مع تراجع حدّة المعارك في اليمن عقب إعلان هدنة في أبريل/نيسان 2022 رغم انتهاء مفاعيلها بعد ستة أشهر.

ويرى فايرستاين أن واشنطن "تتفهّم الموقف السعودي ولن تتوقع انضمام" الرياض للتحالف البحري.

ويعتبر أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القديس يوسف في بيروت كريم بيطار أن الخيار العسكري سيبقى مطروحا "كوسيلة أخيرة"، مشيرا إلى أن الأميركيين يستخدمون في هذه الأثناء لردع الحوثيين "قنوات التواصل عبر قوى إقليمية أخرى، وتحديدا سلطنة عُمان" التي تؤدي دور الوسيط في النزاع اليمني.

ويؤكد فايرستاين أن العُمانيين "مترددون في الضغط على الحوثيين حاليا، لأنهم لا يريدون أن يُنظر إليهم على أنهم يدعمون العمليات الإسرائيلية في غزة"، لكنّ بيطار يرى أن "الحقيقة المُرّة هي أن تهديد حرية الملاحة والتجارة الدولية في البحر الأحمر هو بالنسبة للمجتمع الدولي، أكثر أهمية من مقتل أكثر من 20 ألف شخص في غزة".

وتوعد زعيم جماعة الحوثيين اليمنية عبدالملك الحوثي كل من يخاطر عسكريا ضد بلاده بـ"دفع الثمن"، مشددا على أن أي اعتداء أميريكي "لن يبقى أبدا دون رد".
وقال الحوثي في كلمة متلفزة بثتها قناة "المسيرة" الناطقة باسم الجماعة إن رد جماعته على أي اعتداء من الولايات المتحدة "لن يكون بمستوى العملية التي نفذتها الجماعة الثلاثاء بل أكبر من ذلك".
وخلال الكلمة، أشار الحوثي إلى أن "من يريد أن يتورط أو يعتدي على أبناء شعبنا، فهو يخاطر عسكريا بالدخول في مواجهة سيدفع ثمنها"، مضيفا "نفَسنا طويل وشعبنا قادر على تحمل المواجهات الكبيرة والطويلة"، متهما "الولايات المتحدة وبريطانيا ببذل جهود لتوريط دول أخرى معهما، في المواجهة مع الشعب اليمني".

وأردف "أنصح الدول الآسيوية والأوروبية بعدم التورط مع الأميركيين قفوا متفرجين ولا مشكلة في أن تتورط بريطانيا مع الولايات المتحدة".