لا رغبة للحريري في تشكيل حكومة على مقاس حزب الله وحلفائه

رئيس الوزراء اللبناني المستقيل يردّ على اتهامات عون وصهره باسيل، منتقدا قوى سياسية تحاول اختزال الأزمة السياسية في شخصه.

الحريري ردا على باسيل: متمسك بقاعدة ليس أنا بل أحد آخر لتشكيل حكومة
الحريري ينفي أن يكون مترددا في تشكيل الحكومة على خلاف تصريحات عون
الحريري يريد قطع الطريق على جرّ لبنان لمربع العنف

بيروت - يقف لبنان على حافة انهيار اقتصادي وسياسي في ظل تجاذبات وخلافات لا تهدأ بين القوى السياسية عطّلت جهود تشكيل حكومة تكنوقراط يطالب بها المحتجون للقطع مع منظومة الحكم القائمة على المحاصصات الطائفية.

وفي الوقت الذي يزداد فيه الوضع قتامة ويتجه فيه الاقتصاد إلى الصفر، تستمر القوى السياسية في تبادل الاتهامات بتعطيل الحلّ السياسي ما دفع رئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري إلى إعلان عدم رغبته في تولي تشكيل الحكومة.

وقال الحريري الثلاثاء إنه لا يرغب بتولي رئاسة الحكومة المقبلة على وقع توتر حاد بين القوى السياسية في لبنان الذي يشهد منذ أكثر من شهر احتجاجات شعبية تدعو لرحيل الطبقة السياسية مجتمعة.

وقدم الحريري الذي يرأس تيار المستقبل استقالته في 29 أكتوبر/تشرين الأول تحت ضغط الشارع. ولم يحدد الرئيس اللبناني ميشال عون حتى الآن موعدا للاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس جديد للوزراء في وقت يطالب فيه المتظاهرون بحكومة مؤلفة من اختصاصيين من خارج الطبقة السياسية.

وقال الحريري في بيان نشر على حسابه بتويتر إنه إزاء "الممارسات عديمة المسؤولية من القوى السياسية وحالة الإنكار المزمن لمطالب المتظاهرين، أُعلن للبنانيات واللبنانيين أنني متمسك بقاعدة ليس أنا، بل أحد آخر لتشكيل حكومة تحاكي طموحات الشباب والشابات".

وانتقد الحريري أطرافا لم يسمها "بأنهم ما زالوا يتحججون تجاه الرأي العام بأنهم ينتظرون قرارا من سعد الحريري المتردد لتحميلي زورا وبهتانا مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة الجديدة".

ووصف عون في مقابلة تلفزيونية في 12 نوفمبر/تشرين الثاني الحريري بأنه "متردد". وبعد أيام، اتهم التيار الوطني الحر الذي يرأسه وزير الخارجية جبران باسيل صهر عون، في بيان الحريري بإتباع "سياسة أنا ولا أحد غيري في الحكومة بدليل إصراره على أن يترأس هو حكومة الاختصاصيين (حكومة كفاءات)".

والتيار الوطني الحرّ من أبرز حلفاء حزب الله الذي أعلن مرارا أنه يدعم تولي الحريري تشكيل الحكومة الجديدة.

وليس واضحا من إذا كان حزب الله على خلاف مع حلفائه حول تولي سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة أو أن الأمر يتعلق بمناورة سياسية من قبل الجماعة الشيعية المدعومة من إيران وحليفيها عون وباسيل لدفع تشكيل حكومة تكنوقراط وكفاءات إلى متاهة التعطيل.

تجاذبات بين الحريري وعون تدفع مشاورات تشكيل الحكومة إلى أجل غير مسمى
تجاذبات بين الحريري وعون تدفع مشاورات تشكيل الحكومة إلى أجل غير مسمى

وبموجب الدستور، يتوجب على الرئيس اللبناني بعد استقالة الحكومة أن يحدد موعدا لاستشارات ملزمة يجريها مع الكتل النيابية لتسمية رئيس يُكلف بتشكيل حكومة جديدة، إلا أنه في بلد يقوم على المحاصصة الطائفية، غالبا ما يتم التوافق على اسم رئيس الحكومة قبل إجراء الاستشارات التي تأتي شكلية.

وقال عون في تصريح الثلاثاء الماضي إنه سيحدد "موعدا للاستشارات النيابية الملزمة فور انتهاء المشاورات" التي يجريها مع "القيادات السياسية المعنية بتشكيل الحكومة".

ويثير هذا التأخير غضب المتظاهرين الذين يحملون على القوى السياسية محاولتها الالتفاف على مطالبهم وإضاعة الوقت.

ويشهد لبنان منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول تظاهرات شعبية غير مسبوقة بدأت على خلفية مطالب معيشية في حراك بدا عابرا للطوائف والمناطق ومتمسكا بمطلب رحيل الطبقة السياسية بلا استثناء، على وقع أزمة اقتصادية ومالية خانقة

ويطالب المتظاهرون بتشكيل حكومة تضم اختصاصيين ومستقلين عن الطبقة السياسية والأحزاب التقليدية، تكون قادرة على بلورة حلول للأزمات الاقتصادية والمالية الملحة.

واقترح عون في وقت سابق تشكيل حكومة مؤلفة مناصفة من سياسيين وتكنوقراط، قبل أن يبدي الأسبوع الماضي استعداده لأن تضم كذلك ممثلين عن الحراك الشعبي.

وعبر الحريري عن أمله في أن يبادر عون بعد قراره "فورا إلى الدعوة للاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس جديد بتشكيل حكومة جديدة".

وتشير تصريحات الحريري وانتقاده لقوى سياسية لم يسمها إلى وجود خلافات عميقة من شأنها أن تعطل تشكيل حكومة تكنوقراط.

الجيش اللبناني يفتح طرقات بالقوة في بيروت كان قد أغلقها المحتجون
وضع يزداد سوء في لبنان وسط معركة لي أذرع بين الحراك والسلطة

كما يسلط تعثر تشكيل الحكومة الضوء على عقدة المحاصصة الطائفية إذ أنها تشكل أساس النظام السياسي منذ اتفاق الطائف.

ويخشى حزب الله وحلفاءه أن يفقدوا الغالبية النيابية التي حصلوا عليها في انتخابات مايو/ايار من العام الماضي والتي أنهت أشهرا من الانسداد السياسي وعجّلت بصفقة بين عون والحريري تولي بموجبها الأول رئاسة الجمهورية والثاني رئاسة الوزراء

وتأتي تصريحات الحريري في توقيت حساس حيث يخيم على لبنان توتر لم يهدأ بعد أن اعتدى أنصار حزب الله وحركة أمل التي يقودها رئيس البرلمان نبيه بري، على محتجين وسط بيروت.

وأنذرت اعتداءات أنصار حزب الله وأمل على المتظاهرين للمرة الثانية على التوالي وتهديدات مبطنة أطلقها أمين عام حزب الله، بجرّ لبنان إلى مربع العنف.

ويبدو أن الحريري اختار هذا التوقيت لقطع الطريق على أي تحركات قد تقودها الجماعة الشيعية ضدّ المتظاهرين. وأراد أيضا على أرجح التقديرات أن يعيد الكرة إلى ملعب الرئيس اللبناني حليف حزب الله.

ولم تتضح الطبخة السياسية التي يعدّها حزب الله وحلفاؤه، لكن تصريحات الحريري تشير بالفعل إلى أن الوضع يتجه للمزيد من التصعيد والتأزيم.