لبنان والانزلاق نحو المجهول

هل ثمة اتفاق غير معلن على عدم تشكيل حكومة فيما تبقى من الولاية الرئاسية بسبب تقاطع المصالح للوصول الى الفراغ الرئاسي باعتباره فرصة؟
المظهر الأشد خطورة هو الإضراب العام المفتوح في لبنان
النظام السياسي انتج تفاهمات غريبة عجيبة بعد الانتخابات ولم يخرج من الدوامة

ثمة مجموعة من المعطيات والوقائع تشي بمضي لبنان وبخطى ثابتة نحو المجهول، فالوضع السياسي الى مزيد من التأزم، كما المؤشرات المالية والاقتصادية باتت بحكم الانهيار الشامل، علاوة على الانقسام العامودي الحاد المتصل برؤى الحلول الممكنة.
فبالنسبة لتشكيل الحكومة، لا مؤشرات جدية تسهم في قرب التوصل الى حكومة جديدة، بل ثمة  كلام حول تعثر المساعي واتفاق غير معلن على عدم تشكيل حكومة فيما تبقى من الولاية الرئاسية، ذلك لتقاطع مصالح معظم الأطراف الفاعلة للوصول الى الفراغ الرئاسي باعتباره فرصة باتجاه الاستثمار في غير اتجاه وصولا الى إمكانية التوصل الى بيئة تمهد لعقد نظام سياسي اجتماعي جديد اقله منبثق من بيئة اتفاق الطائف مع بعض التعديلات، وهو ما سيحدد صورة وطبيعة الرئيس القادم. وثمة من يقول  ان هذه الصورة مشروطة الوصول اليها عبر فراغ رئاسي واذا استلزم الامر أيضا نوع من الانفلات الأمني كوسيلة لممارسة الضغوط بهدف الاجبار على القبول بالحلول المقترحة، وثمة من يؤكد  على ذلك كصورة نمطية عما جرى في العام 1988 بعد انتهاء ولاية الرئيس امين الجميل وتعيين قائد الجيش آنذاك الرئيس الحالي ميشال عون رئيسا للحكومة. 
وثمة من يعتبر ان هذا الخيار هو افضل الممكن، باعتباره يبقي الحكومة الحالية بحكم واقع تصريف الاعمال، وفي نفس الوقت هي من ستستلم صلاحيات رئيس الجمهورية في حال قرر مغادرة القصر في الواحد والثلاثين من شهر أكتوبر /تشرين الأول القادم. اما اذا لم يغادر الرئيس الحالي القصر الجمهوري على قاعدة عدم  وجود حكومة اصيلة  تحكم في حال الفراغ الرئاسي، وهو امر سيترك تداعيات خطرة على الواقع المأزوم أصلا.
في الجانب الاقتصادي الاجتماعي لا يبدو الامر بأفضل حال، ثمة مزيد من تدهور العملة الوطنية امام  العملات الأجنبية والى مستويات غير مسبوقة، معطوفة على تنامي مظاهر العوز والفقر الذي تجاوز التسعين بالمئة، في وقت ازدادت مظاهر الهجرة الجماعية للبنانيين ما يهدد بشكل أساسي طبيعة التركيبة الاجتماعية والديموغرافية للواقع اللبناني. 
والمظهر الاخر الاشد قسوة وخطورة الاضراب العام المفتوح الذي ينظمه موظفو القطاع العام منذ ستة أسابيع في وقت لم تتمكن الحكومة من التوصل الى حلول ترضي مواطنيها، كما أثر اضراب هذا القطاع على معظم القطاعات الاخرى حتى بدت جميع القطاعات العامة والخاصة في شلل تام.  
ان تركيبة النظام القائم حاليا بعد الانتخابات النيابية الأخيرة لم تنتج جديدا قادرا على اخراج لبنان وشعبه من هذه الدوامة، بل انتج تفاهمات غريبة عجيبة قادرة على إعادة التحكم بالكثير من مفاصل الحكم، وكأن اتفاقا ما قد تم بين هذه القوى على ان تكون دائمة بحاجة لبعضها دون تمكن بعضها  من الاستفراد بحل يرتأيه منفردا، بحيث تبقى بحاجة دائمة لبعضها البعض.
يمر لبنان اليوم بأسوأ ازماته على الاطلاق، وهو ينزلق الى هاوية لا قعر لها، وفي وقت ينشغل العالم بأزماته التي لا حصر لها. ويبدو ان اللبنانيين لم يعودوا قادرين وحدهم على تحديد مستقبلهم ومصيرهم، ما يصعب الامر عليهم ويجعلهم فريسة سهلة في وقت باتوا بحاجة لكل شيء.صحيح ان لبنان كان عرضة وبشكل دائم لأزمات ممتدة في في تاريخه السياسي الحديث والمعاصر، وكان دائما تتوفر له الظروف لـتجاوز ازماته، لكن الامر هذه    المرة مختلف تماما، بل ثمة ظروف إقليمية ودولية معقدة جدا، ومن الممكن ان يشهد لبنان انهيارات قاسية يصعب عليه تجاوزها للأسف.