لبنان يتقلب بين عنف حزب الله وانسداد سياسي واقتصادي

اعتداءات أنصار حزب الله وحركة أمل على المتظاهرين في بيروت تفاقم التوتر في الشارع اللبناني وتدفع حلّ الأزمة السياسية والمأزق الاقتصادي إلى أجل غير مسمى.

اعتداءات حزب الله تُمكن الجيش من فتح طرقات أغلقها المحتجون
لا مؤشرات على نهاية قريبة لأزمات لبنان
اعتداءات حزب الله على المتظاهرين رسائل ترهيب لتفكيك الاحتجاجات
مجلس الأمن الدولي يدعو بالاجماع إلى الحفاظ على الطابع السلمي لاحتجاجت لبنان

بيروت - يتقلب الوضع العام في لبنان بين شدّ وجذب منغمسا أكثر في دائرة عنف تنذر بتعقيد حلّ الأزمة التي لا مؤشرات حتى الآن على قرب نهايتها مع اعتداءات شنّها أنصار حزب الله وحركة أمل على المتظاهرين في ساحة بيروت في هجمات لم تكون الأولى ولن تكون الأخيرة على أرجح التقديرات.

وفاقمت اعتداءات أنصار الجماعتين الشيعيتين (حزب الله وأمل) التوتر في الشارع اللبناني مع انسداد أفق الحلّ السياسي واتجاه الوضع الاقتصادي إلى الصفر.

وفتح الجيش اللبناني وقوى الأمن بالقوة طرقا أغلقها المتظاهرون صباح الاثنين غداة اعتداءات نفذها مئات الشبان من أنصار حزب الله وحركة أمل على تجمعات من المحتجين في بيروت، استخدموا فيها الحجارة وتخللتها عمليات تخريب طالت ممتلكات وسيارات.

ودعا مجلس الأمن الدولي الاثنين في بيان إلى الحفاظ على "الطابع السلمي للاحتجاجات" في لبنان بعد هجمات لأنصار حزب الله وحركة أمل الشيعية الليلة الماضية.

وتابع البيان الذي وافق عليه المجلس بالإجماع خلال اجتماع عادي حول لبنان أن الدول الأعضاء "تطلب من جميع الأطراف الفاعلة إجراء حوار وطني مكثف والحفاظ على الطابع السلمي للتظاهرات عن طريق تجنب العنف واحترام الحق في الاحتجاج من خلال التجمع بشكل سلمي".

ودخلت الاحتجاجات غير المسبوقة في لبنان الاثنين يومها الأربعين، فيما ترواح الأزمة السياسية مكانها وسط كباش بين القوى الرئيسية على وقع انهيار اقتصادي ومالي رغم تحذيرات المجتمع الدولي ودعوته للإسراع بتشكيل حكومة تحظى بثقة اللبنانيين.

وسبق لأنصار حزب الله أن هاجموا خلال الأسابيع الماضية المتظاهرين في وسط العاصمة، لكنها المرة الأولى التي تحصل فيها مواجهة بهذا الحجم.

وبدا واضحا أن الحوادث الليلية تركت أثرها على حركة التظاهر التي بدت خجولة رغم الدعوة لإضراب عام وعلى رد فعل الأجهزة الأمنية التي بدت مصممة على فتح الطرق.

وكان داني عياش (21 عاما) في عداد المتظاهرين الذين قطعوا جسر الرينغ المؤدي إلى وسط بيروت ليلا لدى تعرض المتظاهرين لهجوم.

وعاد صباح الاثنين ليقطع مع عشرات الشبان المدخل الرئيسي لمنطقة الحمراء في غرب بيروت، قبل أن تفرقهم قوات الأمن.

وقال داني إن هدف هجوم أمس (الأحد) كان "إخافتنا كأشخاص لمنعنا من المضي قدما والبقاء في منازلنا"، مشيرا إلى أن "هذا ما حصل. إذ ثمة أشخاص لازموا منازلهم اليوم".

الوضع في لبنان يزداد قتامة
الوضع في لبنان يزداد قتامة

ووصل قبل منتصف الليلة الماضية عشرات الشبان إلى جسر الرينغ حيث كان متظاهرون يقطعون الطريق، مطلقين هتافات مؤيدة للأمين العام للحزب حسن نصرالله وحليفه رئيس حركة أمل ورئيس البرلمان نبيه بري.

ورد المتظاهرون بهتافاتهم المعتادة "ثورة" و"سلمية"، وأنشدوا النشيد الوطني، لكن التوتر تصاعد عندما بدأ القادمون يطلقون الشتائم ويهددون المتظاهرين أمام كاميرات محطات تلفزيونية محلية بقيت في بث مباشر على مدى أكثر من ثلاث ساعات.

وتعرّضت عشرات السيارات والمحال التجارية للتكسير والتخريب، وفق ما أظهرت تقارير إعلامية، متحدثة عن أن المهاجمين حطموها.

وشكلت وحدات من الجيش وقوى الأمن درعا بشريا للفصل بين الطرفين، لكن الاستفزازات من الجانبين تصاعدت. وألقى المهاجمون الحجارة على العسكريين والمتظاهرين والإعلاميين في المكان، فيما أفاد الدفاع المدني عن نقل عشرة جرحى إلى مستشفيات المنطقة.

وتم تفريق المتجمعين فجرا بعد إطلاق الغاز المسيل للدموع، فيما باشرت الأجهزة القضائية والأمنية الاثنين تحقيقاتها بعدما كلفها النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات بـ"الاستماع إلى إفادات المصابين من مدنيين وعسكريين".

كما تم ضبط كاميرات المراقبة المثبتة في المباني القريبة "للاطلاع عليها وتحديد هويات المعتدين وتوقيفهم".

وقطع متظاهرون الاثنين طرقا عدة خصوصا في منطقتي البقاع (شرق) وفي طرابلس وعكار شمالا وفي بيروت ومناطق شرقها قبل أن يعيد الجيش فتح عدد منها.

وأعلن الجيش توقيف 13 شخصا في منطقتي جل الديب والذوق شرق بيروت لقطعهم الطرق وقيامهم بأعمال شغب قبل أن يتم إخلاء سبيل 12 منهم.

وانتقد متظاهرون عدم تدخل قوات الأمن والجيش بشكل حاسم لوقف المظاهر الاستفزازية لمناصري حزب الله وحركة أمل. ولم يصدر أي تعليق رسمي عن حزب الله بينما دعا بري القوى الأمنية والجيش إلى "التشدد بإبقاء أوصال الوطن سالكة أمام اللبنانيين".

وقال متظاهر يدعى إيلي "عندما كانوا يرمون الحجارة علينا ويشتمون الأمن لم يواجههم أحد".

وكتبت وزيرة الداخلية ريا الحسن للعسكريين ورجال الأمن على تويتر "مهما قالوا أو عاتبوا (...) تبقون الضمانة الحقيقية لحماية البلد".

وحض المنسق الخاص للأمم المتحدة يان كوبيتش عبر تويتر "كافة القوى السياسية على السيطرة على مؤيديها لتجنب استخدام التظاهرات الوطنية لتحقيق أجنداتها السياسية".

ويشهد لبنان منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول تظاهرات غير مسبوقة بدأت على خلفية مطالب معيشية. ويتمسك المحتجون بمطلب رحيل الطبقة السياسية بلا استثناء لاتهامها بالفساد ونهب الأموال العامة ويفخرون بأن حراكهم سلمي وعابر للطوائف والمناطق.

وتحت ضغط الشارع، قدم رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته في 29 أكتوبر/تشرين الأول، لكن لم يحدد الرئيس اللبناني ميشال عون حتى الآن موعدا للاستشارات النيابية لتسمية رئيس حكومة جديد.

ويثير هذا التأخير غضب المتظاهرين الذين يحملون على القوى السياسية محاولتها الالتفاف على مطالبهم وإضاعة الوقت في ظل انهيار اقتصادي ومالي، وصل معه سعر صرف الدولار إلى ألفي ليرة لدى محال الصيرفة بعدما كان مثبتا منذ عقود على 1507 ليرات. وتفرض المصارف قيودا على سحب الأموال خصوصا بالدولار، بينما تعجز مؤسسات وشركات عن دفع مستحقاتها ورواتب موظفيها.

كما يثير التأخير مخاوف المجتمع الدولي والجهات المانحة التي كررت في الأسابيع الأخيرة دعوة القادة السياسيين إلى تشكيل حكومة سريعا تحظى بثقة الشارع.

وأكد المدير العام للشؤون السياسية في وزارة الخارجية البريطانية ريتشارد مور "الحاجة الملحة لتشكيل حكومة بسرعة لتتمكن من تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي ستساعد لبنان على استعادة الاستقرار على المدى الطويل وتحقيق نمو أكثر شمولا".

وأبدى في بيان وزعته السفارة البريطانية على هامش زيارة بدأها في بيروت بلقاء عون في القصر الرئاسي، استعداد بلاده وشركائها في المجتمع الدولي "لمواصلة دعم" لبنان.

وأوضح في الوقت ذاته أن "مسألة اختيار القادة والحكومة هي مسألة داخلية للبنانيين".

وهي الزيارة الثانية لمسؤول أوروبي إلى بيروت منذ انطلاق الاحتجاجات بعد زيارة أجراها مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف فارنو قبل نحو أسبوعين.