لبنان يحتاج قبلة الحياة لا ترنيمة الموت

تتنازل إيران لوكلائها بنيل الشهادة بينما تترك لنفسها حصة الثواب والأجر من دعهم.

على وقع طبول الحرب التي تقرع بصوت خافت في الجنوب، يسير لبنان اليوم فوق حبل مشدود على ارتفاع شاهق، السقوط منه يعني الاكتواء بلهيب حرب غزة، ولكي يحافظ على توازنه يستوجب عليه عدم النظر الى الأسفل لتجنب الوقوع في الفخ. لعل هذا هو التوصيف الدقيق للمرحلة الحساسة التي يمر بها لبنان اليوم.

شاء القدر أن يعيش لبنان لعنة السياسة التي وضعته بين فكي لصوص تركوه "على الحديدة"، ولعنة الجغرافيا التي أوقعته في منطقة نشطة ببراكين تقذف حمما ايرانية وإسرائيلية. واليوم وبعد كل الدروس التي قدمتها ويلات الحروب وحمام الدم الذي عاش فيه اللبنانيون، يبدي تجار الموت وصناع الخراب استعدادا لتكرار العبث ولتكرار حماقات دفع لبنان ثمنها ويدفع الى حد اليوم وتتجلى نتائجها في عزلته الاقليمية وظروفه الاقتصادية الصعبة.

يتابع اللبنانيون عن كثب احداث الحرب في غزة وتطورات الوضع المتوتر جنوب البلاد، وسط مخاوف من محاولات توسيع نطاق الحرب واقحامهم فيها، وهو ما من شأنه أن يزيد ثقل الأوزار التي يحملونها جراء ما حصل من انهيار اقتصادي أذاقهم عتمة ليل غزة عندما انقطع الكهرباء كليا عن البلاد، وأخرج بنوكهم عن الخدمة عندما عجزت عن صرف مستحقات الناس، وأفرغ صيدلياتهم من الأدوية عندما عجزت الحكومة عن توفيرها، وهجر الناس الى خارج لبنان دون حرب أو قصف.

وعلى الرغم من تباين الآراء ووجهات النظر اللبنانية حول وصف ما حصل في 7 أكتوبر، الا أن هنالك اجماعا من الأوساط الشعبية والطبقة السياسية حول ضرورة النأي بالنفس عن كل ما يمكن أن يجر البلاد لمواجهة جديدة مع اسرائيل تعيد تكرار تجربة حرب 2006 لكنها ستكون أسوأ مما سبق ولأن لبنان اليوم أضعف بكثير عن لبنان ذلك الوقت. يكفي فقط أن نرى عجز الحكومة عن تلبية متطلبات ادارة شؤون البلاد والعباد في زمن السلم فما بالك في زمن الحرب.

اللبنانيون يعرفون طعم الحرب ورائحة دخانها الأسود، وسبق لهم أن نامو على أصوات هدير الطائرات الحربية واستيقظوا على مشاهد الدمار والجثث والضحايا العالقين تحت الانقاض، وتسمموا من الجرعة الزائدة لخطاب التضامن والدعم العربي ووعود الاعمار، أكتسبوا الخبرة من أهوال الحروب وحصنهم ذلك من أكاذيب الملايين ومن مفعول بروباغندا الحزبلاويين، جربوا كل شيء وتيقنوا من أن لا خير يأتي من حرب تدار بالوكالة على أراضيهم، ولا مصلحة من مواجهة تعيد لبنان الى الوراء وتضعفه عوض أن تقويه. لهذا يرفض العقلاء من اللبنانيين وما أكثرهم أن توقد ايران حربها مع اسرائيل بحطب لبنان.

بينما يبحث البسطاء من أبناء الوطن عن معجزة سياسية واقتصادية تأتي لتخلص لبنان وتمنحه قبلة الحياة، يحشد حزب الله للحرب ولإشراك اللبنانيين فيها من دون ان تكون لديه القدرة على تحمل فاتورتها الاقتصادية او الامكانيات المادية واللوجستية لاحتواء المعاناة والأزمة الانسانية التي ستنجر عنها، ولا لخطورة انزلاق لبنان في مستنقع الانقسام والاقتتال الداخلي، والذي وان حصل فانه لن يكتفي فقط باعادة لبنان 40 سنة الى الوراء، بل لاعادة تشكيله وفق حدود جديدة يستحود فيها تجار الحرب عن الحصة الأكبر فيه.

تملك ايران بحسب ما ينشره اعلامها صاروخا باليستيا سمي بـ "خرمشهر4" يبلغ مداه 2000 كم وآخر سمي "خيبر شكن" بمدى 1450 كم، هذا يعني أنها تمتلك القدرة العسكرية التي تمكنها من ضرب عمق اسرائيل انطلاقا من أراضيها، ولها من القواعد العسكرية في سوريا ما يمكن الحرس الثوري من خوص معركة برية وجها لوجه مع العدو. لكنها تتنازل عن الدخول في مواجهة مباشرة، ربما ايثارا منها لينال وكلاؤها وحدهم فقط شرف الشهادة. أما هي فتكتفي بالحصول على الثواب والأجر بدعمها لمحور المقاومة.