لديهم.. ما يكفي ليكونوا سعداء


لا تكتفي مفاهيم السعادة بالطعام والشراب والسكن، هناك ما هو أهم، فلا أحد يستطيع شراء الكرامة من الحكومات، عمود السعادة في البلدان ألّا تهدر الكرامات في الطرقات.
عمود السعادة في البلدان ألّا تهدر الكرامات في الطرقات

على الأغلب أشاهد أسبوعيا أكياس التبرعات موضوعة أمام المنازل، بانتظار شاحنة الجمعيات الخيرية لجمعها، هذا سبب يجعل الناس سعداء، التبرع هو إحدى أهم قيم المروءة لدى الشعوب السعيدة.

لذلك ثمة ما يكفي لدى البريطانيين ليكونوا سعداء، حيث ارتفع مؤشر السعادة أربع درجات لديهم ووصل إلى المرتبة الـ15 في تصنيف الدول السعيدة هذا العام.

لا تكتفي مفاهيم السعادة بالطعام والشراب والسكن، هناك ما هو أهم، فلا أحد يستطيع شراء الكرامة من الحكومات، عمود السعادة في البلدان ألّا تهدر الكرامات في الطرقات، وذلك أحد أهم أسباب تفاعل الشعوب مع حكوماتها.

لقد خالفت بريطانيا الاتجاه العالمي المتمثل في انخفاض مستويات السعادة وهي واحدة من الدول القليلة التي تحسنت فيها الرفاهية على مدى السنوات الثلاث الماضية. بالرغم من الظروف السياسية المتعلقة بخروجها من الاتحاد الأوروبي.

رفعت بريطانيا مؤشر السعادة من 19 في العام الماضي إلى 15، مخالفة الاتجاه العالمي المتمثل في انخفاض مستويات السعادة. ويمكن قياس ذلك من ارتفاع منسوب دعم القضايا الخيرية وانخفاض مستويات الفساد.

يقول جان إيمانويل دي نيف، الأستاذ بجامعة أكسفورد والمشارك في إعداد تقرير مؤشر السعادة “عادة ما يتم التعامل مع مستويات السعادة كنتيجة للقرارات السياسية، لكن يمكن أن تؤثر رفاهية سكان البلد على تفاعلهم مع النظام السياسي وتؤدي إلى دفع التفاعل السياسي”.

لدى العالم ما يكفي من الأسباب لجعل المشاعر السلبية تتصاعد عند الناس، لكن هناك ما يكفي من التفاؤل أيضا ليبقي منسوب المشاعر الإيجابية ثابتا.

تقرير السعادة السنوي الذي تعدّه الأمم المتحدة منذ عام 2012، يأخذ بنظر الاعتبار تأثير السعادة على سلوك التصويت في الانتخابات ودور الشعوبية في الأحداث السياسية مثل انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة واستفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016. إضافة إلى المعايير المعتادة بما في ذلك الوصول إلى شبكات الدعم الأسري والاجتماعي، وكرم المواطنين، والعمر الافتراضي للحياة الصحية، وواقع الفساد وحرية انتقاء الخيارات في الحياة، فضلا عن دخل الفرد.

عزا مؤشر السعادة لهذا العام، والذي صدر الأسبوع الماضي، الانخفاض في السعادة العالمية إلى الاضطرابات السياسية أو الارتفاع الحادّ في المشاعر السلبية في أكبر دول العالم. بينما ارتفع مستوى الرفاهية في دول محدودة، وصنفت فنلندا والدنمارك والنرويج وأيسلندا وهولندا، في مقدمة الدول السعيدة “هل بقي من يدافع عن مزاعم أن الطقس البارد يسبب الكآبة؟”.

بينما تذيّل جنوب السودان قائمة الدول الكئيبة، وأحزنني أنني لم أجد دولا مخطوفة من قبل الميليشيات في أيّ خانة من مؤشر السعادة، لأنها تؤمن بأن الطائفية والقومية والعشائرية وصفة للتفاخر الأجوف بالسعادة!

لقد هبط تقييم الناس لسعادتهم في تلك البلدان إلى مستويات تشعرهم بالمرارة والألم، لأنهم لم يعودوا يطالبون بالسعادة بقدر حاجتهم إلى وطن يحنو عليهم بحبور كأم رؤوم.