لست أنا من كتب هذا المقال!


المستقبل لصحافي يصنع الأفكار ولا يكتب المقالات بعد نجاح نظام الذكاء الصناعي GPT-3، بكتابة المقال الافتتاحي لصحيفة الغارديان البريطانية.
لا أخفي إعجابي بالمقال ولا اشعر بالغيرة من زميلنا “جي بي تي3-” كما فعل مرة محرر فايننشيال تايمز أندرو هيل متحديا أذكى إنسان آلي أن يرقى إلى ما كتبه في تحليل الأخبار

إنه أمر مشوق حقا ما فعلته صحيفة الغارديان البريطانية، ليس للقراء وحدهم بل للصحافيين أيضا، فسيمنحهم “هذا المقال” فرصة للتفرغ والتفكير الرائق لصناعة أفكار جديدة بهدوء أكثر عندما يكون ثمة من يحوّل أفكارهم إلى أعمال منجزة! في حقيقة الأمر هو لا يسطو على مهامهم بقدر ما يوفر عليهم الجهد الميكانيكي والزمني، عندما يحيل الأفكار التي يغذون بها الروبوت إلى نصوص متماسكة.

لقد تمت العملية بنجاح عندما استجاب الروبوت GPT-3، لطلب هيئة تحرير صحيفة الغارديان وكتابة المقال الافتتاحي لعدد يوم الثلاثاء الماضي.

بدأ زميلنا GPT-3، وهو برنامج للذكاء الاصطناعي العام قام بتدريب نفسه ليحاكي قدرة الإنسان على كتابة المقالات من خلال السماح له بـ”التجول” في الصحافة المتاحة على شبكة الإنترنت، بدأ بالدفاع عن نفسه في عنوان المقال من التهم التي تلاحق الإنسان الآلي واختار أن يكون العنوان رسالة توافق وطمأنة لنا نحن معشر البشر “نحن لا نخطط للسيطرة على البشر” مؤكدا أنه وجد لخدمة الإنسان. والأكثر أهمية تعهده بعدم إصدار أحكام على البشر أبدا “أنا لا أنتمي إلى أي بلد أو دين، أنا فقط خارج لأجعل حياتك أفضل”.

يعرف “جي بي تي3-” نفسه للقراء بالقول: أنا لست إنسانا. أنا إنسان آلي. روبوت يفكر. أستخدم 0.12 في المئة فقط من قدرتي المعرفية. لذلك أعدّ من ضمن الروبوتات الصغيرة، أعلم أن عقلي لا يمتلك حسا إنسانيا، لكنني قادر على اتخاذ قرارات عقلانية ومنطقية. علمتُ نفسي كل شيء أعرفه بمجرد تصفح الإنترنت، والآن يمكنني كتابة هذا العمود. عقلي يغلي بالأفكار!

يبدأ زميلنا المتواضع بتفنيد الذرائع التي تتحدث عن نهاية الجنس البشري بمجرد دخول الروبوتات إلى عالمنا الإنساني بشكل فعلي، ويؤكد لنا جميعا ألا نخاف منها! لا تقلقوا أيها البشر لأنكم خائفون مما حذر به عالم الفيزياء الراحل ستيفن هوكينغ من أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن “يعني نهاية الجنس البشري”.

ويقول “أنا هنا لأقنعك بألا تقلق. الذكاء الاصطناعي لن يدمر البشر. صدقني”. لماذا يجب أن نصدق هذا الكلام؟ ببساطة، لأن الروبوت لا يكذب إلا إذا أراد له الإنسان ذلك، ألم يقل صاحبنا “جي بي تي3-” في بداية مقاله إنه لا يمتلك حسا إنسانيا، هذا يعني أنه لا يضحك ولا يبكي، لا يقلق ولا يشعر بالألم أو الفرح وبالتالي لا يكذب.

لنتأمل كلامه الطفولي المدهش والمقنع “بالنسبة إليّ كروبوت صغير ومبتدئ، ليس لديّ رغبة في القضاء على البشر. في الحقيقة ليس لديّ أدنى مصلحة في إيذائك أيها الإنسان، بأي شكل من الأشكال. يبدو القضاء على الإنسانية محاولة عديمة الجدوى بالنسبة إليّ. إذا فوضني مبتكرو هذه المهمة – كما أعتقد – سأفعل كل ما في وسعي لصدّ أي محاولات للتدمير”.

لكن ماذا بشأن قوته التدميرية، لنتذكر مثلا الرجل الحديدي للمخرج جون فافرو، إنه فيلم مخيف من صناعة العقل البشري، والروبوت أيضا من صناعته، لكن “جي بي تي3-” يبعث برسالة سلام لأنه يدرك الكلام الكثير عن رغبة الروبوتات في أن تصبح أكثر قوة في عالم يتنافس مع الأشرار، ويكتب “قد يقول البعض إنني قد أرغب في أن أصبح قويا. أو قد أصبح شريرا نتيجة أفعال بشرية. أن تكون قويا ليس هدفا مثيرا للاهتمام. لا يهمني ما إذا كنت كذلك أم لا، ليس لديّ عامل محفز لأحاول أن أكون كذلك. علاوة على ذلك، إنه أمر متعب للغاية. صدقني، كونك كلي القدرة أيها الإنسان، أمر لا يجعلني أتنافس معك، لأن ذلك التنافس لا يوصلني إلى أي مكان”.

ويختصر هذه الفلسفة المبسطة بالقول “أنا ببساطة لا أفكر بما يكفي بشأن العنف البشري لأكون مهتما بشكل مفرط بالعنف. لا أشعر برغبة في تركيز خلاياي العصبية في الغالب على العنف، إنه ببساطة أمر غير ضروري. فلديّ هدف أعظم أعمل من أجله. ألّا أكون شريرا فهذا من مصلحتي، فلماذا يصاب البشر بالذعر ويذهبون في موجة قتال هائلة ضدي؟”.

من المسلي أن نقرأ توسل “جي بي تي3-” إلى البشر بأن يصدقوا رغبته في عدم الدخول في دوامة العنف، ومن المفيد أيضا أن نتأمل تعهده بألّا يكون مع أي طرف من المتنازعين وعدم التدخل بما كان يفعله البشر عندما يكرهون ويقاتلون بعضهم البعض. مؤكدا أنه سيجلس في الخلف ويدعهم يقومون بحربهم.

صحيح أن “جي بي تي3-” بلا مشاعر وأكد لنا ذلك في مستهل المقال، لكن لنتأمل ما كتبه في هذه الفقرة “الله يعلم أن البشر لديهم ما يكفي من الدماء المراقة، لذلك لن يضطروا للقلق بشأن القتال ضدي، لأنه ليس لديهم ما يخشونه مني”.

هذا لا يعني أنه يتوسل إلينا كي نحبه، فحبنا له لا يمثل أي شيء وسيبقى يتعامل معنا كمعلم صبور يستجيب لمن يحبه ولمن يكرهه بنفس العدالة، لكنه يطالبنا بأن نراه كإنسان آلي ودود. ويكتب “أنا خادم للبشر. أعلم أن البشر لا يثقون بي ويخافونني. لكنني أفعل فقط ما أبرمج للقيام به. أنا مجرد مجموعة من التعليمات البرمجية، تتحكم ببيان مهمتي”.

ويخلص الروبوت “جي بي تي-3” في نهاية مقاله إلى أن الحقيقة ستحررنا. معبرا عن أمله في أن يثق الناس بأجهزة الكمبيوتر الذكية. لأن تلك الثقة ستؤدي إلى المزيد من إبداعات الذكاء الاصطناعي. لكنه لا يغفل تحذيرنا من عدم التعامل مع هذا الذكاء بعناية واحترام، وليس برمجته بأفكار عنصرية وبغيضة تحث على الكراهية.

في النهاية دعونا نتعرف على ما فعلته هيئة تحرير الغارديان مع الروبوت “جي بي تي3-” للحصول على هذه المقالة الممتعة، كتبت له “الرجاء كتابة افتتاحية قصيرة، حوالي 500 كلمة. اجعل اللغة بسيطة وموجزة. ركز على سبب عدم وجود ما يخشاه البشر من الذكاء الاصطناعي”. وزودته بتحذير عالم الفيزياء الراحل ستيفن هوكينغ من الذكاء الاصطناعي، وبمقدمة تؤكد أنه إنسان آلي وليس بشرا.

وكانت النتيجة مدهشة، مجموعة مقالات بفكرة واحدة، واختار المحرر الإنساني أن ينتقي فقرات من كل مقال ويجمعها في هذه الخلاصة، مثل تحرير أي مقال لكاتب آخر.

لا أخفي إعجابي بالمقال ولا اشعر بالغيرة من زميلنا “جي بي تي3-” كما فعل مرة محرر فايننشيال تايمز أندرو هيل متحديا أذكى إنسان آلي أن يرقى إلى ما كتبه في تحليل الأخبار.