لقاء بين ماكرون وسعيّد بباريس لاستكمال تطويق أردوغان في ليبيا

الرئيس التونسي قيس سعيد يتوجه إلى فرنسا الاثنين المقبل لبحث الملف الليبي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي كثف جهوده لقطع الطريق أمام التواجد العسكري التركي في ليبيا لما يمثله من تهديد خطير على أمن المنطقة.

باريس - كثفت فرنسا هذا الأسبوع تحركاتها الدبلوماسية لتطويق التدخل التركي في ليبيا ووضع حد لتجاوزات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شرق المتوسط، وآخر هذه المساعي دعوة رسمية وجهتها للرئيس التونسي قيس سعيد لزيارة باريس الاثنين المقبل، في ثاني زيارة عمل له خارج البلاد منذ دخوله قرطاج في أكتوبر الماضي.

وأكدت الرئاسة التونسية اليوم الأربعاء أن الرئيس قيس سعيّد سيتوجه الاثنين إلى فرنسا في وقت تنشغل فيه بلاده العضو غير الدائم بمجلس الأمن الدولي بتطور الأوضاع في جارتها ليبيا.

وقالت الرئاسة التونسية في بيان "بدعوة من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يتحول رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم الاثنين 22 حزيران/يونيو إلى فرنسا لأداء زيارة عمل وصداقة".

وستمثل الزيارة التي تم التنسيق لها منذ مدة وقبل أزمة جائحة كوفيد-19 "مناسبة لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وتطويرها كما سيبحث رئيس الدولة مع نظيره الفرنسي عددا من القضايا ذات الاهتمام المشترك"، وفقا لنصّ البيان الذي نشرته الرئاسة التونسية على الصفحة الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

وأفادت الرئاسة التونسية أن زيارة سعيّد الرسمية لباريس هي الثانية له بعد زيارة الجزائر في شباط/فبراير الفائت، وكان وعد بهاتين الزيارتين وفقا "للأعراف الدبلوماسية" التونسية.

وسعيّد أستاذ القانون الدستوري السابق في الجامعة التونسية تم انتخابه بأكثر من سبعين في المئة من الأصوات، ولكن وجهت له العديد من الانتقادات وبالأخص لسياسته الخارجية وهي من صلاحياته الدستورية حصرا.

وظهرت مؤشرات متناقضة في سياسة تونس تجاه الصراع الدائر بين طرفي النزاع في ليبيا. وغابت تونس عن القمم الدولية التي نظمت للخروج بحلّ للأزمة، كما ظهر خلاف في الفترة السابقة بين رئاسة الجمهورية التي تؤكد على مبدأ "الحياد" ورئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي، الذي تعرض لانتقادات واسعة في البلاد لبعد اتهامه بوظيفه مؤسسات الدولة لدعم سياسة خارجية "موازية" وحليفة لتركيا ولحكومة الوفاق التي يسيطر عليها الإسلاميون في طرابلس.

ومنذ أكثر من عام اشتدت الأزمة في ليبيا بين طرفي النزاع، حكومة الوفاق التي يترأسها فايز السراج وتتخذ من طرابلس مقرا لها، والجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر والبرلمان الذي يدعمه في شرق البلاد.

وفي يناير الماضي أجج تدخل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عسكريا في ليبيا لدعم جماعة الإخوان التي تيسيطر على حكومة الوفاق والميليشيات التباعة لها، الصراع في البلاد التي تعيش فوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011 عززها إرسال تركيا للمرتزقة والسلاح في الأشهر الأخيرة.

ومنذ تكثيف تدخلها في ليبيا حاولت تركيا استمالة تونس والجزائر لدعم حكومة الوفاق، لكن الجارتين اللتين تربطهما حدود كبيرة مع ليبيا أكدتا حيادهما ودعمهما لحل سلمي للأزمة عبر حوار ليبي-ليبي ورفض أي تدخل أجنبي فيها.

وتسعى فرنسا حاليا لبلورة موقف موحد مع عدة دول أخرى مثل روسيا والجزائر ومصر وتونس ضد التدخل الخطير الذي أصبحت تمارسه تركيا في ليبيا وفي شرق المتوسك ما يهدد أمن تلك البلدان والمنطقة ككل خصوصا بعد إرسالها لعدد كبير من المرتزقة والإرهابيين للقتال في ليبيا وتعزيز قوتهم بالسلاح.

واليوم الأربعاء جددت فرنسا تنديدها بالانتهاكات التي تمادت تركيا في ممارستها في ليبيا مستنكرة العمل "العدواني" لسفن تركية مؤخرا في البحر المتوسط.

وأعلنت وزارة الجيوش الفرنسية أن سفينة فرنسية تشارك في مهمة للحلف الأطلسي في البحر المتوسط تعرضت مؤخرا لعمل "عدواني للغاية" من قبل زوارق تركية، منددة بمسألة "بالغة الخطورة" مع شريك في حلف شمال الأطلسي.

وطرحت فرنسا اليوم خلال اجتماع للناتو في بروسكل التجاوزات التي تقوم بها أنقرة من خلال استغلال عضويتها في الحلف الأطلسي.

ويعد بيان الدفاع الفرنسية الثاني للبلد الأوروبي ضد تركيا في أقل من 24 ساعة بعد بيان شديد اللهجة أصدرته الرئاسة الفرنسية الثلاثاء ضد التدخلات التركية في ليبيا ووصفها بغير المقبولة.

ويبدو أن فرنسا لن تسمح لتركيا بالتمادي أكثر في تدخلها في ليبيا خصوصا بعد رفضها القبول بوقف إطلاق النار الذي دعت له قوى دولية وإقليمية آخرها المبادرة المصرية التي لاقت دعما دوليا كبيرا، لكن حكومة الوفاق ومن ورائها أنقرة رفضتها أملا في احراز تقدم عسكري في مدينة سرت الغنية بالنفط يمكنّها من فرض الشروط التركية قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

وفشلت دعوات العودة للح السياسي قبل المبادرة المصرية قدمتها الجزائر وتونس ودول أخرى فضلا عن مؤتمر برلين الذي توقف مسار التسوية السياسية التي اتفقت عليا الدول المعنية بالصراع، وذلك بسبب التدخل التركي المتسارع حيث رجحت الأسلحة والطائرات المسيرة التركية والمرتزقة الذين أرسلهم أردوغان كفة حكومة الوفاق ومكنتها استعادت جزء من المناطق الغربية لطرابلس من بينها قاعدة الوطية الواقعة قرب الحدود التونسية والتي كانت تحت سيطرة قوات حفتر.

وأثارت أطماع أردوغان المتزايدة في ليبيا خلافات مع روسيا أيضا التي كانت أنقرة تسعى لعقد صفقة معها لتقاسم النفوذ على غرار ما حصل في سوريا، لكن خلافات في الرؤية والمصالح جعل موسكو ترفض الشروط التركية وتميل إلى خنق الرئيس لتركي عبر مساندة موقف فرنسا.

ال
تونس أكبر المتضررين من التدخل العسكري التركي في ليبيا

وتأتي زيارة سعيّد إلى باريس ضمن هذا التوجه حيث من المنتظر ان يبحث ماكرون عن موقف تونسي يتناغم مع هذا التوجه لمنع تركيا من زعزعة استقرار منطقة البحر المتوسط وتثبيت تواجد عسكري لها دائم في ليبيا.

يذكر ان تونس من أكثر البلدان المتضررة من التدخل التركي في ليبيا، حيث يهدد الإرهابيون حدودها وتمثل الأطماع التركية في ثورات ليبيا بالإضافة إلى مساعيها إلى إعادة الإعمار في البلاد ضربة قوية للاقتصاد التونسي الذي يعاني أصلا أزمة منذ سنوات. 

وقوض دخول تركيا على خط الأزمة الليبية مساعي تونس لتصدير منتجاتها في سوق أكبر شريك تجاري لها منذ عقود قبل اندلاع شرارة الثورة بالبلدين في 2011 وذلك بفضل العلاقات الإستراتيجية والتاريخية المتجذرة.

وظهرت تلك المؤشرات مؤخرا خلال دابير الإغلاق بسبب وباء كورونا، والتي أدت مع الاضطرابات على الحدود الجنوبية الشرقية لتونس، إلى توقف الحركة التجارية على أهم معبرين للبلاد وهما رأس جدير وذهيبة-وازن، ما أضر بالصادرات التونسية.

وجدد الرئيس التونسي مطلع حزيران/يونيو التأكيد على حياد بلاده بالنسبة إلى الأزمة في ليبيا المجاورة، وذلك خلال مكالمة هاتفية مع ماكرون، وفق بيان صادر عن الرئاسة التونسية آنذاك.

كما تأتي زيارة سعيد بعد أسبوعين من رفض البرلمان التونسي بالتصويت مذكّرة تطالب فرنسا بتقديم اعتذار رسمي إلى تونس عن مرحلة الاستعمار وما بعدها تقدّم بها حزب ائتلاف الكرامة حليف حركة النهضة الإسلامية.

وأثارت المذكرة جدلاً حاداً بين النوّاب ونشطاء الذين قال بعضهم إن حركة النهضة سعت للدفع بها في البرلمان قبل رفضها لاحقا، وذلك لإيصال رسالة إلى باريس مفادها أنها هي من يسيطر على الوضع في تونس وليس الرئيس قيس سعيد.

وفي ختام مناقشات استمرّت أكثر من 15 ساعة، صوّت 77 نائباً لمصلحة المذكّرة في حين صوّت ضدّها خمسة نواب، وكان يتطلّب إقرارها 109 أصوات على الأقل.

وتحدثت وسائل إعلام فرنسية عن تدخل السفير الفرنسي في تونس أوليفيي بوافر دارفور لحث نواب الحزب الإسلامي لعدم التصويت على المذكرة "خلافا لقناعاتهم الطبيعية" وذلك خلال "عشاء حاسم" مع راشد الغنوشي في تونس.