لقاء نيجرفان بارزاني والشرع يكشف جهودا لإدماج سوريا في محيطها

اللقاء في تركيا تناول مكافحة داعش والملف الكردي والعمل على فتح المجال أمام شراكات أوسع في المجالين الأمني والسياسي.
برزاني يثمن سعي أحمد الشرع لحفظ حقوق الأقليات في سوريا

أنقرة - عقد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني لقاءً هامًا مع الرئيس السوري أحمد الشرع، على هامش فعاليات "منتدى أنطاليا الدبلوماسي" امس الجمعة. اللقاء، الذي وصف بـ"الإيجابي والمثمر"، حمل في طياته رسائل سياسية متعددة، أبرزها التركيز على مستقبل سوريا، وتحديات مكافحة الإرهاب، وضرورة تسوية الملف الكردي ضمن رؤية شاملة لمستقبل البلاد.
وأولى الرسائل التي برزت من هذا اللقاء كانت التأكيد المشترك من الطرفين على استمرار التعاون في محاربة تنظيم "داعش"، الذي لا يزال يشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن والاستقرار في كل من العراق وسوريا. وفي هذا السياق، قال بارزاني عبر حسابه على منصة "إكس" (تويتر سابقًا): "تم التأكيد على الالتزام المشترك بمحاربة داعش"، مثنيًا على ما وصفه بـ"التزام الرئيس الشرع الصادق بتحقيق السلام والأمن الإقليمي".
وهذا التوجه يعكس رغبة الطرفين في بناء أرضية أمنية صلبة لمستقبل المنطقة، خاصة في ظل عودة نشاط بعض الخلايا الإرهابية في البادية السورية وأطراف الموصل. ومن شأن هذا التعاون أن يفتح المجال أمام شراكات أوسع في المجالين الأمني والسياسي، بين دمشق وأربيل، مرورًا ببغداد.
وتمثل الجانب الأبرز في اللقاء في المقاربة التي طرحها الشرع بشأن الملف الكردي، إذ أكد وفق بيان صادر عن مكتب رئاسة إقليم كردستان، "سعيه إلى أن تكون سوريا دولة جامعة لمواطنيها ومكوناتها، مع ضمان حماية الدستور لحقوقهم".

وتُعد هذه الإشارة تطورًا لافتًا في الخطاب الرسمي السوري، خصوصًا فيما يتعلق بالأكراد، الذين لعبوا دورًا محوريًا في مكافحة داعش داخل الأراضي السورية. فبعد سنوات من التوتر والقطيعة، يُظهر لقاء الشرع وبارزاني بداية تحول نحو تسوية شاملة، تستوعب الأكراد ضمن مشروع وطني جامع، يُنهي التهميش ويكرّس حقوق المواطنة المتساوية. وقد عقدت الحكومة السورية الجديدة اتفاقا مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد".

وأعطى المسؤولون في اقليم كردستان مؤشرات ايجابية للتعاون مع سوريا الجديدة منذ سيطرة قوات الشرع على العاصمة دمشق.
وفي السياق ذاته، أكد بارزاني أن "السلام في سوريا لا يمكن أن يتحقق دون حلول سياسية تُنصف جميع المكونات، وخاصةً الشعب الكردي"، مشيرًا إلى أهمية "دعم رؤية الرئيس الشرع في بناء دولة جديدة تحفظ الحقوق وتضمن الأمن للجميع".
واللقاء لم يقتصر على الملفات الثنائية، بل شمل أيضًا بحث مستقبل العلاقات بين سوريا والعراق، ولا سيما إقليم كردستان، حيث تم التركيز على تعزيز حسن الجوار والمصالح المشتركة. وتُعد هذه الخطوة جزءًا من رؤية أوسع يسعى من خلالها الرئيس الشرع إلى إعادة دمج سوريا في محيطها العربي والإقليمي بعد سنوات من العزلة.
ويبدو أن الشرع، الذي استلم مهام الرئاسة في مرحلة بالغة التعقيد، يحاول من خلال انفتاحه على الأطراف الفاعلة، كأربيل، أن يبعث برسائل مفادها أن "سوريا الجديدة" ستكون دولة للجميع، ومنفتحة على محيطها، وقادرة على طي صفحة الحرب والدمار.
يرى مراقبون أن هذا اللقاء يحمل دلالات أعمق من مجرد لقاء بروتوكولي على هامش مؤتمر. فهو يشير إلى إمكانية قيام محور جديد في المنطقة يقوم على الواقعية السياسية والتعاون الأمني والاعتراف بالتعددية. كما يُرسل رسالة واضحة إلى القوى الدولية بأن اللاعبين المحليين قادرون على بناء تفاهماتهم دون وصاية خارجية.
وفي ظل تعقيد المشهد السوري، فإن أي تحرك نحو تسوية شاملة تتضمن الأكراد وتكافح الإرهاب وتعيد بناء العلاقات مع الجوار، قد يشكل بداية حقيقية لخارطة طريق تُخرج البلاد من نفق الأزمة.
لقاء بارزاني والشرع لم يكن فقط مناسبة للحديث عن تحديات الحاضر، بل كان أيضًا خطوة نحو صياغة مستقبل مختلف لسوريا، تقوم فيه الدولة على الشراكة والتعددية، بعيدًا عن الإقصاء، وفي إطار إقليمي داعم للاستقرار.