لم يبق من ضجيج زيارة اردوغان لألمانيا إلا الفشل

الرئيس التركي يفشل في تهدئة التوتر مع ألمانيا في زيارة لم يبق من آثارها إلا أجواء من عدم الثقة وأكوام من الخلافات لم يخفها المسؤولون الألمان بسبب سجل تركيا في قمع الحريات وانتهاك حقوق الإنسان.

زيارة اردوغان لألمانيا تؤكد بقاء الأزمة رغم بوادر التهدئة
اردوغان خلّف وراءه أكواما من الخلافات مع ألمانيا
انجاز اردوغان الوحيد هو أنه زار ألمانيا

وقالت الموت مولر من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن النتيجة كانت "بعيدة كل البعد عن الانفراج" لأن تدهور حكم القانون وحقوق الإنسان في تركيا لا يزال يشكل "مصدر قلق كبير في برلين".

اسطنبول - أثناء زيارته البالغة الحساسية إلى ألمانيا بدا الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أكثر تصالحية، إلا أن الاختلافات لا تزال ماثلة ما يشكل مهمة صعبة للطرفين وخصوصا إعادة بناء الثقة بينهما بعد أن تضررت بسبب خلافات متتالية.

وجاءت زيارة اردوغان الرسمية بعد شهر ونصف الشهر من أزمة العملة التي شهدتها تركيا حيث انهارت الليرة وفقدت نحو 40 بالمئة من قيمتها في خلاف مع الولايات المتحدة سلط الضوء على أهمية العلاقات الاقتصادية بين تركيا وأوروبا.

وتدهورت العلاقات بين تركيا وألمانيا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي الرئيسية إلى مستويات تاريخية عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة حيث انتقدت برلين حملة القمع الواسعة التي شملت أيضا مواطنين ألمان.

وتباينت التفسيرات للزيارة المثيرة للجدل بشكل كبير في تركيا وألمانيا، حيث أكد اردوغان أن الزيارة كانت ناجحة بشكل كبير، لكن الصحافة الألمانية المحافظة قالت أن المعاملة الجيدة التي تلقاها اردوغان لم تكن سوى إهدارا للمال.

وافتتح اردوغان السبت في كولونيا مسجدا جديدا اعتبر رمزا لاندماج ثلاثة ملايين شخص من أصل تركي في ألمانيا، رغم غياب كبار المسؤولين الألمان.

وقال الرئيس التركي "في هذه الفترة الحساسة، قمنا بزيارة مثمرة كثيرا وناجحة للغاية".

وقد عقد مؤتمرا صحافيا مع المستشارة الألمانية انغيلا ميركل كان يمكن أن يكون شائكا، إلا أنه جرى دون استفزاز كبير. وابتسم اردوغان عندما أخرج رجال الأمن صحافيا كان يرتدي قميصا كتب عليه "الحرية للصحافيين".

وقالت ايلكي تويغور المحللة في معهد الكانو رويال في مدريد إن "الجانبين مستعدان للمضي قدما للخروج من المأزق".

وقالت إن تركيا حريصة بشكل خاص على "إصلاح الضرر" بعد دخول العلاقات بين أنقرة وواشنطن في أزمة خلال الصيف، لكن ألمانيا وأوروبا تريدان "خطوات ملموسة" لتهدئة التوتر.

اردوغان عاد من ألمانيا بيد فارغة وأخرى لا شيء فيه ولم يسمع من برلين إلا تقريعا حول انتهاك تركيا لحقوق الانسان وقمع الحريات

ورغم عدم بحث مسألة استئناف مفاوضات عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي إلا أن بعض التحسينات يمكن أن تتم بعد انتخابات البرلمان الأوروبي في مايو/أيار 2019 وبينها تحديث الاتحاد الجمركي، بحسب تويغور.

كما أعلنت ميركل أنها تخطط للمشاركة في وقت لاحق في أكتوبر/تشرين الأول في قمة اسطنبول التي يستضيفها اردوغان لبحث الأزمة في سوريا والتي قد تضم كذلك الرئيسين الفرنسي ايمانويل ماكرون والروسي فلاديمير بوتين.

وقال مارك بيريني من كارنيغي أوروبا وسفير الاتحاد الأوروبي السابق لدى تركي إن "أول إنجاز لهذه الزيارة هو أنها حدثت. ولذا، فإنها مؤشر إلى بداية الطريق نحو الانفراج".

ولكن التغلب على أشهر من التوترات لا يزال يتطلب الكثير. وقد ظهر حجم التحدي في الخطاب الصريح للرئيس الألماني فرانك-والتر شتاينماير أثناء استقباله اردوغان على عشاء رسمي في وقت متأخر الخميس.

وتخلى الرئيس الألماني عن المجاملات الدبلوماسية المعتادة وأعرب عن قلقه بشأن الألمان ونشطاء النقابات والمحامين والصحافيين والسياسيين المعتقلين في السجون التركية وقال لأردوغان "لا يمكننا تخطي هذه المسألة بكل بساطة".

وأضاف أن "العواطف القوية" التي أثارتها الزيارة في ألمانيا تعكس التوترات التي لا يزال علينا التغلب عليها، محذّرا من أن "زيارة واحدة لا تكفي لعودة الأمور إلى طبيعتها".

ورد اردوغان على شتاينماير في الإعلام التركي قائلا إن تصريحاته "لم تكن مناسبة مطلقا"، مضيفا أن تركيا لم تكن لتتصرف بنفس الطريقة مع "الضيوف".

وقالت الموت مولر من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن النتيجة كانت "بعيدة كل البعد عن الانفراج" لأن تدهور حكم القانون وحقوق الإنسان في تركيا لا يزال يشكل "مصدر قلق كبير في برلين".

إلا أنها أضافت أن "ألمانيا ليست لها أي مصلحة في خسارة تركيا كشريك تعمل معه" وتريد أن ترى أنقرة تتغلب على صعوباتها الاقتصادية.

وقال بيريني إن الزيارة "أوضحت الخلافات الحادة حول حكم القانون خصوصا حرية التعبير وحرية المعارضة"، مضيفا "ستكون الطريق طويلة وشاقة".

وبالنسبة للعديدين في ألمانيا، فإن افتتاح المسجد في كولونيا كان فرصة ضائعة حيث فضل الرئيس التركي فرصة تسليط الأضواء عليه بدلا من الدعوة إلى الانسجام بين جميع طوائف المجتمع.

وقال غوكاي سوفو اغلو رئيس الجالية التركية في ألمانيا إن افتتاح المسجد "ترك وراءه أكواما من الشظايا في العلاقات الألمانية التركية التي لا يمكن تنظيفها إلا بالكثير من الجهود"، معربا في الوقت ذاته عن ارتياحه لأن "الجانبين قاما بمحاولات حذرة للتقارب".