لم يعد أمام أردوغان سوى طهران للتوسط مع الأسد

وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يبحث مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو مستجدات الوضع في سوريا خلال مؤتمر ميونخ للأمن، قبل إجتماع مرتقب بين وفد تركي ومسؤولين روس في موسكو.

دمشق -  وصل رئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني علي لاريجاني صباح اليوم الأحد إلى العاصمة السورية دمشق، بعد يوم من لقاء جمع وزيري خارجية تركيا وإيران في مونيخ في ظل التصعيد التركي شمال سوريا.

وقالت مصادر دبلوماسية إيرانية في دمشق إن "لاريجاني والوفد المرافق له سيلتقون اليوم مع الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس مجلس الشعب السوري حموده الصباغ ".

وأكدت مصادر مطلعة إن زيارة الوفد الإيراني إلى دمشق تأتي في ظل التصعيد بين سورية وتركيا وقد دفعت التطورات الميدانية خلال الأسبوع المنقضي إلى البحث عن وساطة غير معلنة لخفض التصعيد تقودها طهران بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والنظام السوري.

ونقلت وكالة "إرنا" الإيرانية عن لاريجاني قوله في تصريح للصحفيين من مطار مهراباد "كانت هناك دعوة للسفر إلى سوريا لفترة من الوقت، ولكن بسبب كثرة الأعمال والأحداث المختلفة، التي واجهناها خلال هذا الوقت أدى إلى تأخير الزيارة".
وأوضح لاريجاني "سوريا دولة صديقة ومن محور المقاومة"، مضيفا أن التطورات في سوريا والتطورات في المنطقة تتطلب مشاورات وثيقة بين الدول التي تعمل معا.

وتابع رئيس البرلمان الإيراني أن "التطورات في المنطقة مهمة، ومن ناحية أخرى، فإن سوريا أظهرت خلال هذا الوقت أنها تسعى لتحقيق أهداف طيبة بمركزية المقاومة".

وقبل زيارة لاريجاني والوفد المرافق له إلى سوريا، التقى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أمس السبت، نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، على هامش مؤتمر ميونخ للأمن المنعقد في ألمانيا.

وقالت "إرنا" إن ظريف وأوغلو بحثا "العلاقات الثنائية والتطورات في الساحة السورية والإجراءات الأميركية في العراق والمنطقة".

وعرضت طهران الأسبوع الماضي وساطتها بين انقرة ودمشق على لسان نائب وزير الخارجية علي أصغر حجي، خلال استقباله المندوب الخاص لأمين عام الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن في طهران.

وتدخلت إيران بشكل مباشر في الحرب السورية منذ العام 2013، حيث أشرف قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني السابق قاسم سليماني بنفسه على إرسال قوات إيرانية من فيلق القدس وميليشيات عراقية ولبنانية للقتال في سوريا فضلا عن تجنيد المئات من العناصر الشيعية من باكستان وأفغانستان للقتال لصالح الأسد.

إيران هددت إسرائيل بالرد على أي استهداف لنوفذها في سوريا بعد ان ظهرت ميليشياتها بعد فترة من التخفي على إثر مقتل سليماني، في معارك إدلب لدعم قوات الأسد ضد الفصائل السورية المسلحة المدعومة من تركيا 

لكن مقتل سليماني في 3 يناير الماضي بضربة جوية أميركية في بغداد بعد زيارته لدمشق، أربك طهران وأثر بشكل كبير على مشروعها في سوريا، حيث أمرت الميليشيات الموالية لها على إخلاء مقراتها ومواقعها وتحديدا في محافظة دير الزور المحاذية للعراق والتغلغل داخل الأحياء السكنية، تحسبا لأي تصعيد مع واشنطن.

وهذا الشهر بدأ التصعيد التركي شمال سوريا يأخذ منحى غير مسبوق بين الجيش التركي وقوات النظام السوري التي تقدمت بشكل كبير بدعم من القوات الروسية وميليشيات إيرانية في آخر معقل للمعارضة المسلحة في إدلب والمناطق المجاورة لها، كما سيطرت على مدينتي معرّة النعمان وسراقب واستعادت للمرة الأولى منذ العام 2012 على كامل طريق حلب - دمشق الدولي.

ومطلع الشهر الجاري، كشفت تقارير عن عودة لافتة لميليشيات إيران في التقدم الميداني الذي أحرزته قوات الأسد، حيث تداول نشطاء سوريون وثائق عناصر الميليشيات الإيرانية عقب كمائن نصبتها الفصائل السورية المدعومة من تركيا في ريف حلب الغربي.

ونشرت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية تقريرًا يحتوي على اتصالات إذاعية مسربة من مقاتلين أفغان تدعمهم إيران والمعروفين باسم "لواء فاطميون" تُظهر تورطهم في المعارك المستمرة في إدلب.

وشكلت الضغوطات الأميركية المتزايدة على إيران وتصعيد الضربات الإسرائيلية على ميليشياتها في سوريا مؤخرا، سببا رئيسيا في محاولة إيران تغيير استراتيجية نفوذها في المناطق الجنوبية لسوريا، عبر إرسال بعض قواتها إلى مناطق أخرى شمالا منها إدلب، حتى تتيح لقوات الأسد التفرغ والتركيز فيما بعد على تحرير المناطق الواقعة شرق نهر الفرات، حيث التمركز الرئيسي للقوات الأميركية وهي منطقة خاضع لسيطرة القوات الديمقراطية السورية.

وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي، الأسبوع الماضي ردا على تصريحات مسؤولين إسرائيليين، إن التواجد الإيراني في سوريا تم بدعوة من الحكومة السورية، وبالاتفاق معها "لمحاربة الجماعات الإرهابية المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل".

وأضاف موسوي أن طهران "لن تتوانى أو تتسامح في الدفاع عن تواجدها في سوريا وعن أمنها القومي ومصالحها في المنطقة"، مشددا على أن بلاده "سترد بحزم وبشكل ساحق ضد أي اعتداء أو إجراء أحمق من قبل إسرائيل".

والاثنين الماضي، شنت قوات الأسد هجوما على نقطة مراقبة تركية في إدلب أسفر عن مقتل خمسة جنود أتراك وإصابة خمسة آخرين، وذلك بعد مرور أسبوع فقط على تبادل لإطلاق النار بين الجيش التركي وقوات النطام في المحافظة التي كانت تسيطر على جزء كبير منها المعارضة المسلحة المدعومة من أنقرة، ما أوقع ثمانية قتلى أتراك آخرين بينهم خمسة عسكريين.

وردا على ذلك شن أردوغان هجوما إعلاميا على قوات الأسد مهددا بتصعيد أكبر تزامن مع إرسال أنقرة لتعزيزات عسكرية كبيرة إلى إدلب التي سلمت جزءا كبيرا منها لهيئة تحرير الشام ('جبهة النصرة التابعة سابقا لتنظيم القاعدة').

وقالت أنقرة إنها ستستخدم القوة العسكرية لطرد القوات السورية إذا لم تنسحب بنهاية فبراير الجاري.

وكانت موسكو وتركيا متفقتان في الملف السوري على مر السنوات الماضية حيث راعت موسكو قلق أنقرة تجاه المسألة الكردية، وقامت بالمساهمة في معالجة ما يسمى بالتهديد الكردي، وإبعاد الفصائل الكردية عن الحدود التركية ورعت العديد من الاتفاقيات مع أنقرة أهمها اتفاق سوتشي الموقع في سبتمبر 2018.

لكن أنقرة وجدت نفسها محاصرة على أكثر من جبهة في الأسابيع الماضية، حيث اضطرت بعد فشلها في نقل الأزمة السورية إلى ليبيا عبر إرسال مرتزقة ومقاتلي الفصائل السورية إلى ليبيا دعما لحكومة الوفاق، إلى التصعيد في إدلب للضغط على روسيا واستغلال المسلحين المدعومين من قبلها في مساومات سياسية ضدها.

hgt
تركيا تسلح المرتزقة لاستخدامهم كورقة سياسية في المفاوضات الرسمية مع الدول

ويقول مراقبون للشأن السوري إن أنقرة تسعى من خلال هذا التصعيد إلى مقايضة الجهاديين في إدلب بدور أكبر في المناطق الكردية بعد أن حاصرت قوات الأسد مؤخرا نقاط التفتيش التابعة للجيش التركي فيها.

وأثارت تصريحات المسؤولين الأتراك غضب موسكو التي حذرت من أنقرة من مواصلة استفزازاتها ودعم المجموعات الإرهابية.

وأكد الكرملين أن تركيا لا تلتزم بالاتفاقيات التي أبرمتها مع روسيا "لتحييد" الإرهابيين، مضيفاً أن الهجمات على الجيش السوري، والقوات الروسية مستمرة في المنطقة.

ونقلت قناة 'روسيا اليوم' عن مصدر دبلوماسي عسكري روسي قوله، إن "تركيا أدخلت إلى إدلب أكثر من 70 دبابة ونحو 200 مدرعة و80 مدفعا، مشيرا إلى أن جزءا كبيرا من المعدات يجري تسليمه لمسلحي تنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي.

وعلى الرغم من اللغة الخطابية الاستعراضية لأردوغان، يجري المسؤولون الأتراك محادثات خلف الكواليس حيث عقدوا محادثات في أنقرة أمس السبت مع الروس وقال جاويش أوغلو إن وفدا تركيا سيتوجه إلى موسكو غدا الاثنين لإجراء محادثات.

كما أجرى جاويش أوغلو محادثات مع نظيره الروسي سيرجي لافروف في ميونيخ وذلك في أول لقاء بين البلدين على مستوى الوزراء منذ تفاقم العنف في إدلب.

وقال جاويش أوغلو على تويتر إنه عقد "اجتماعا إيجابيا" مع لافروف لكن تركيا لن تجري "تقييما" إلا بعد محادثات يوم الاثنين في موسكو.

وتحدثت وسائل الإعلام الرسمية أيضا عن تقدم الجيش السوري باتجاه بلدة الأتارب التي تبعد نحو 24 كيلومترا إلى الغرب من حلب وثلاث بلدات إلى الشمال الغربي منها.

واليوم الأحد، بدأت فصائل المعارضة السورية المدعومة تركيا هجوماً كبيراً يستهدف مناطق سيطرة القوات الحكومية في ريف حلب الغربي.

وقال قائد عسكري في الجبهة الوطنية للتحرير التابعة للجيش السوري الحر "بدأت فصائل المعارضة هجوماً واسعاً على محاور بلدة كفر حلب وقرية ميزناز والفوج 46 بريف حلب الغربي"، مشيرا إلى أن معارك عنيفة تجرى حاليا على أطراف قرية ميزناز بعد استهداف تجمع للقوات الحكومية بسيارتين مفخختين في ميزناز وكفر حلب قتل خلالها أكثر من 20 عنصراً من قوات النظام التي انسحبت لعدة نقاط بعد تفجير السيارة المفخخة في قرية ميزناز ".

وأضاف القائد العسكري الذي طلب عدم ذكر اسمه "تقوم القوات الحكومية المدعومة بمقاتلين روس وإيرانيين بهجومين على محور بلدة عنجارة وقبتان الجبل وآخر باتجاه بلدة كفرحمرة لقطع بلدات حريتان وعندنان بيانون عن مناطق سيطرة فصائل المعارضة".

وأوضح أن الطائرات الحربية الروسية نفذت سبع غارات على بلدات كفرحمرة وحريتان وعندان .

وقال إن "القوات الحكومية فتحت اليوم جبهة على محاور بلدات وقرى دامس والركايا وكفر سجنة وتل النار شمال غرب غرب مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي، وتجري معارك عنيفة جداً في تلك المنطقة دمرت خلالها فصائل المعارضة عدة آليات"، مشيرا إلى أن الطائرات الروسية والسورية شنت أكثر من تسع غارات على بلدة كفر سجنة وتل النار.

ومع هذا التقدم الميداني لقوات الأسد وفشل المفاوضات التركية الروسية لم يعد أمام أردوغان سوى طهران التي يمكنها استغلال هذه الوساطة للعودة إلى واجهة الملف السوري خصوصا مع تزامن تزامن تحركها دبلوماسيا مع تصعيد لميليشياتها في العراق وأيضا في اليمن.

وكانت مصادر مطلعة قد تحدثت منذ تصاعد حدة الخلاف التركي الروسي حول التصعيد في سوريا، عن توجه المحادثات التركية نحو النظام الإراني طلبا للوساطة.