لولا إيران لما حدثت كل هذه المآسي
ستكون أربع سنوات صعبة على إيران. ذلك هو الوقت الذي سيقضيه دونالد ترامب في البيت الأبيض. نوعا ما استعدت إيران لذلك الاحتمال حين اختارت رئيسا إصلاحيا. ربما حدث ذلك بالصدفة ولم يكن تجسيدا لقرار سياسي مسبق. ذلك لا يقدم ولا يؤخر في شيء. لا تبدي إيران ندما على اختراقها حدود لعبة هي أقل من أن تتقن شروطها إلى النهاية. لو لم تكن إيران في ذلك الموقع الحرج لما كان لنتائج الانتخابات الأميركية أي أثر عليها. ليختر الأميركان أي رئيس يشاؤون. ذلك هو شأنهم. أما وأن إيران قد حولته إلى شأن خاص بها فذلك لأنها بسبب اطماعها التوسعية والاستعمارية اجتازت الكثير من الخطوط رغبة منها في الوقوف مع الكبار من غير أن تملك سوى ذخيرة عقائدية متهالكة ورثة ومستهلكة. وتلك ذخيرة تنفع في تضليل وخداع شعوب لم تخرج بعد من ظلام التفكير الخرافي غير أنها تحول صاحبها إلى مهرج أعمى إذا ما تعلق الأمر باللعب مع أصحاب العقل الكبار.
لا تملك إيران ما يؤهلها للجلوس مع الكبار الذين يقررون مصير منطقة، صار أبناؤها عاجزين عن القيام بأي شيء من أجل انقاذها بعدما كانوا سببا في تدهور أحوالها. ولو لم تشهد المنطقة مجموعة متلاحقة من عمليات الانتحار الذاتي التي لعبت القوى الكبرى دورا مهما في التشجيع عليها لما تمكنت إيران من بسط نفوذها على أربعة دول، كان العراق من بينها وهو الذي استطاع وحده أن يتصدى لمشروعها التوسعي عبر ثمان سنوات من الحرب الضروس في ثمانينات القرن العشرين. بمعنى أن قوة إيران الذاتية لم تكن هي السبب في ذلك الانتصار، بل كان السبب يكمن في ضعف الآخرين الذين فقدوا تدريجيا سيادتهم على أراضيهم بعد أن وهنت إرادتهم الوطنية. كل الأخبار التي أشاعتها إيران عن قوتها العسكرية الجبارة وتطور قدراتها الحربية ما هي إلا أكاذيب لا تصمد أمام أي صدام عسكري حقيقي. لذلك تتحاشى إيران الإنزلاق إلى حرب مفتوحة مع إسرائيل وتكتفي بما تسميه بـ"الضربات المحدودة". كل شيء آخر هو عبارة عن كلام فارغ وترهات.
كانت إيران تأمل في أن تكون حربا حركة حماس في غزة وحزب الله في جنوب لبنان الباب الذي ينفتح أمامها على المائدة التي ستجمعها بالكبار من أجل تقاسم الشرق الأوسط بحلته الجديدة. ما كان في إمكانها أن تأمل ذلك في مرحلة ترامب الأولى غير أن عودة الأوبامية إلى البيت الأبيض من خلال جو بايدن منحتها فرصة لم تفوتها. ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن كما قال المتنبي. ما كانت إيران تخسر شيئا إذا ما وقعت حرب محدودة يدفع ثمنها أهل غزة واللبنانيون. في المقابل فإن تلك الحرب ستذكر بها باعتبارها صاحبة القرار الذي نفذته من خلال وكلائها. لم تضع إيران في حساباتها أن نتنياهو وبعد أن جن جنونه قد قرر أن يكون نبي بني إسرائيل الجديد الذي على يديه ستنتهي حروبهم إلى غير رجعة. وهكذا انتهت اللعبة.
حاولت إيران غير مرة أن تلقي تبعة ما حدث في غزة على عاتق حركة حماس معلنة أنها لم تخطط للهجوم الليلي على إسرائيل وأن حركة حماس لم تبلغها به غير أن إسراع قيادة حزب الله إلى إعلان الحرب تحت شعار وحدة ساحات المقاومة كشف عن أنها كانت تكذب. بالنسبة للقيادة الإيرانية لم يكن ذلك مهما فهي حتى على المستوى الشرعي لا تعتبر الكذب خطيئة. ما أوجعها بعد أن كان قد صدمها أن إسرائيل لم تعد تحارب بالأساليب القديمة وأن ما توهمته من قواعد اشتباك يمكن أن تمنع إسرائيل من تصفية قيادات مقاومتها إن تمكنت من ذلك هو مجرد وهم عفا عليه الدهر. ويوم تأكدت إيران أن حربها بالوكالة لن تنتهي بهزيمة وكلائها وحدهم، بل أن الهزيمة ستشملها باشرت الدخول إلى الحرب لكن بطريقة محدودة، كما زعمت إدعاء منها أنها لا ترغب في أن تشتعل المنطقة بحرب شاملة.
الآن بعد أن مُحيت غزة وتم تدمير أسباب الحياة فيها ونجحت إسرائيل في تصفية قيادات حماس وحزب الله وأضطر جنرالات الحرس الثوري إلى أن يديروا حرب لبنان بأنفسهم صار لزاما أن يعاقب المجتمع الدولي إيران، لا بسبب ما تعرضت له إسرائيل من خطر بل بسبب ما ارتكبه مجرمو الحرب في إسرائيل من جرائم إبادة في حق السكان المدنيين. ذلك ما سيضعه ترامب مقياسا لطريقة تعامله مع النظام الإيراني في الأربع سنوات المقبلة. فلولا إيران لما شهدت المنطقة كل هذه المآسي.