ليس اليوم التالي بل هو اليوم الأول

بغض النظر عن رؤية حماس وجماهيرها لليوم التالي فإن ما يلي حرب غزة لن يكون في صالح حماس.

في كل ما تم الكشف عنه من خطط لإنهاء الحرب في غزة يبدو أن مصير حركة حماس قد تم تقريره حتى وأن دخلت طرفا في مفاوضات مع إسرائيل. تلك المفاوضات لا تتعلق سوى بشيء واحد وهو إطلاق سراح مَن بقي حيا من الأسرى أو المخطوفين وتسليم جثث الموتى مقابل أن تقوم إسرائيل بإطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين ممَن تم الحكم عليهم بمدد طويلة وهي مدد تبدو خرافية في المنطق القانوني السليم.

هناك خرائط طريق مطروحة على الطاولة. يصر الطرف العربي ممثلا بمصر على أن قيام دولة فلسطينية مستقلة على أساس حل الدولتين هو الخطوة الأساسية لبناء قاعدة سلام ثابت وليس مجرد هدنة أو وقف لإطلاق النار يتم اختراقه من هذا الطرف أو ذاك في ظل استمرار التشنج في العلاقات بين الطرفين. وإذا ما كان مطلوبا من الفلسطينيين أن يضبطوا السلاح الفالت على أراضيهم فإن المطلوب من إسرائيل أن تنتهي من تصرفاتها التي تتعارض مع القانون الدولي، وهو ما ينبغي أن يتم تحت ضمانات دولية.

ولكن السؤال الذي يصطدم به البعض من غير أن يجد له جوابا مقنعا هو "هل يحق لأطراف خارجية أن تقرر مصير حركة حماس التي قد تكون قد أخطأت في حساباتها حين قامت بمغامرتها في السابع من أكتوبر الماضي ولكن ذلك لا يحتم استبعادها من المشاركة في سلطة الدولة المستقبلية؟" ذلك سؤال افتراضي قد لا يجيب عليه أي طرف من الأطراف التي وضعت لمساتها على خرائط الطريق تلك. وكما يبدو واضحا فإن إعمار غزة وتعويض المتضررين من الحرب لن يتما في ظل ولاية حماس على القطاع الذي ضربه الخراب. هذه الحرب لن تكون شبيهة بالحروب الستة التي سبقتها. أرادتها حماس مصيرية وها هي تكون مثلما أرادت. الحرب التي تنتهي فيها سنوات انفرادها بـ"غزة".

لا تزال حركة حماس تقاوم في حجاباتها الأخيرة في رفح بغزة. وهو ما يعني أن إسرائيل لم تتمكن من القضاء عليها كما خططت حكومة نتنياهو، ولكن حرب الإبادة قد تستمر إذا ما قررت حماس أن تقدم مصيرها على مصير أهل غزة الذين صاروا أشبه بكرة تتنقل بين جهات غزة المختلفة، مرة إلى الجنوب وأخرى إلى الشمال مع سقوط المزيد من الضحايا في ظل غطاء سياسي عالمي لن تنفع في تفكيكه تظاهرات الطلاب واعتصاماتهم في الجامعات. ما تهدف له خطط إنهاء الحرب هو الانتهاء من لعبة، دفع أهل غزة ثمنها أضعاف ما كان متوقعا من غير أن يكونوا مشاركين فيها. تلك لعبة يجب أن تنتهي.

لا أحد في العالم لا يعترف بأن نتنياهو كان سيئا في ردود أفعاله وشريرا في محاولته الانتقام ولكن في المقابل لا أحد يقف مع حماس في العلن في ما قامت به. حتى إيران التي لها الكلمة العليا في ما تفعله حماس لم تقل كلمة. والحركة التي لا تزال تقاوم في غزة لن تتمكن من فرض وجودها على الأطراف العالمية المعنية بإنهاء الحرب، وبالأخص الولايات المتحدة ومصر وهما طرفان أساسيان في أي تسوية مستقبلية. وإذا ما تعلق الأمر بالطرف العربي وهو مصر فإن موقفه من جماعة الإخوان المسلمين سيدفعه في كل الأحوال إلى عدم التعاطف مع حركة حماس. أما بالنسبة للولايات المتحدة فإنها لا يمكن أن ترى في الحركة سوى تنظيم إرهابي يشكل وجوده خطرا على أمن الدولة الأعز في العالم.

وبغض النظر عن رؤية حماس وجماهيرها لليوم التالي فإن ما يلي حرب غزة لن يكون في صالح حماس. لن تكون هناك حفلات انتصار. ستعود القضية الفلسطينية إلى مسارها الطبيعي. هذا إذا حافظت الأطراف المعنية بإنهاء الحرب على أخلاق المهنة. وهي مهنة الوسيط العادل والنزيه. هناك خطة لإعادة ترميم الأجزاء المتناثرة من فلسطين لكي تكون أرضا للدولة الفلسطينية المستقبلية. وهو ما يعني أولا إنهاء هيمنة حماس على غزة وإعادتها ثانيا إلى سلطة رام الله التي أضفت علبها حماس من حيث لا ترغب الكثير من هالات المرجعية. العودة إلى السلطة صارت حلا. وهو الحل الأصعب بعد أن كان الكثيرون قد حلموا بحل أقل قسوة. لكن تبين لهم أن ما حلموا به قد جر قضيتهم إلى وحول لم تكن موجودة على خرائط خيالهم. في اليوم الأول من السلام ستكشف الحرب عن أسوأ أسرارها.