مؤتمر باريس يشترط لمساعدة لبنان تشكيل حكومة إصلاحية

وزير المالية بحكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل حذر من تجاوز عجز ميزانية 2019 المعدل المتوقع بكثير بسبب انخفاض حاد لإيرادات الدولة.

باريس - أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الأربعاء إثر اجتماع دولي في باريس لمساعدة لبنان، أن المجتمع الدولي يشترط أي مساعدة مالية لهذا البلد بتشكيل حكومة إصلاحية، في خطوة تعيد رئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري لواجهة الاختيارات المطروحة من جديد.

وقال لودريان في ختام الاجتماع إن "المعيار الوحيد يجب أن يكون فاعلية هذه الحكومة على صعيد الإصلاحات التي ينتظرها الشعب".

وأضاف "وحده هذا النهج سيتيح لجميع المشاركين في هذا الاجتماع وسواهم أن يقوموا بتعبئة ليقدموا إلى لبنان كل الدعم الذي يحتاج إليه".

وقالت مجموعة الدعم الدولية للبنان الذي ترأستها فرنسا والأمم المتحدة وتضم مانحين من دول الخليج العربية مثل السعودية وقوى أوروبية كبرى والولايات المتحدة، في بيان عصر اليوم الأربعاء، إن هناك حاجة ملحة لأن يتبنى لبنان حزمة إصلاحات اقتصادية مستدامة وشاملة وذات مصداقية.

ودعت المجموعة أيضا السلطات اللبنانية إلى اعتماد ميزانية موثوقة للعام 2020 في غضون أسابيع من تشكيل الحكومة الجديدة.

وكانت فرنسا الحليف التقليدي للبنان دعت إلى عقد اجتماع للمجموعة في 11 ديسمبر/كانون الأول من أجل حشد المساعدة البلد الذي يشهد منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر احتجاجات شعبية غير مسبوقة تطالب برحيل مجمل الطبقة السياسية التقليدية التي توصف بأنها فاسدة وغير كفؤة في ظل أزمة اقتصادية حادة.

وأدت حركة الاحتجاج في 29 تشرين الأول/أكتوبر إلى استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، لكن المفاوضات لتشكيل حكومة جديدة تطول وسط استياء المتظاهرين.

وطلب الحريري الذي يحظى بتوافق كبير في أوساط طائفته كما يتمتع بعلاقات دولية جيدة، مؤخرا مساعدة مالية طارئة من دول "شقيقة وصديقة" عدة مثل فرنسا والسعودية والولايات المتحدة وروسيا والصين ومصر وتركيا.

حزب الله يعرف جيدا أن الحريري هو الغطاء الأضمن حاليا لحصول لبنان على مساعدات من الخارج لتمتعه بعلاقات دولية جيدة

وساهم تأجيل الرئيس اللبناني ميشال عون هذا الأسبوع للاستشارات النيابية حتى 16 من الشهر الجاري في إعطاء الحريري فرصة أخرى للمناورة وتحسين شروطه وتعزيز خياراته لرئاسة الحكومة من جديد، خصوصا بعد انسحاب رجل الأعمال سمير الخطيب من دائرة الأسماء التي كانت مرشحة لتكليفها بذلك، وهو نفس السيناريو الذي حصل مع بهيج طبارة ومحمد الصفدي من قبل حين اعتذرا عن تولي المنصب.  

وبعد ستة أسابيع من استقالة الحريري، لم تتمكن الطبقة السياسية والأحزاب في لبنان المثقل بدين كبير، تشكيل حكومة جديدة تمكنها تنفيذ إصلاحات ضرورية وضمان الدعم الأجنبي، حيث يطالب المتظاهرون بإزاحة الطبقة السياسية الفاسدة وتعيين حكومة تكنوقراط، وهو ما يرفضه حزب الله الموالي لإيراني وحلفائه من بينهم الرئيس ميشال عون.

لكن الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) يعرفان جيدا أن الحريري هو الغطاء الأضمن حاليا لحصول لبنان على مساعدات من الخارج في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها والتغيرات الإقليمية التي تستوجب منع حزب الله من السيطرة على الحكومة لإرتباطه بإيران وسعيه نحو تنفيذ أجنداتها في المنطقة.

ويُنظر الآن إلى الحريري على أنه المرشح الوحيد لتشكيل حكومة جديدة أيضا لعدم وجود توافق بين الأحزاب والمراجع السنية حول شخصية لبنانية أخرى تمثلهم. وكان الصفدي قد رشح الحريري والخطيب أعلن أن هناك توافقا عليه أيضا داخل الطائفة السنية.

لكن الحريري اشترط منذ استقالته حكومة من وزراء متخصصين لقيادتها إذا تم اختياره لتشكيلها لأن هذا من وجهة نظره هو السبيل الوحيد لمعالجة الأزمة الاقتصادية وجذب المساعدات وإرضاء المحتجين الموجودين بالشوارع.

ويشترط المجتمع الدولي لمنح المساعدة المالية للبنان تنفيذ الإصلاحات في وقت تستفحل الأزمة الاقتصادية.

وقال وزير المالية بحكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل الأربعاء، إن عجز ميزانية 2019 سيكون أكبر بكثير مما كان متوقعا بسبب انخفاض حاد لإيرادات الدولة إذ تعاني البلاد من أسوأ أزماتها المالية منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990.

كل المشاورات تؤدي إلى الحريري
كل المشاورات تؤدي إلى الحريري

وفي تصريحات للصحفيين، لم يفصح خليل عن حجم الزيادة الذي يتوقعه في عجز الميزانية، لكنه قال إن الإيرادات ستقل حوالي 40 بالمئة في الربع الأخير من العام عما كان متوقعا، إذ أضرت الأزمة بالاستهلاك والواردات وحصيلة الضرائب والنمو الاقتصادي عموما.

وأضاف "إيراداتنا في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام تراجعت بشكل كبير جدا نتيجة للوضع الذي نعيشه... لدينا أرقام بصراحة مقلقة جدا".

وفي تصريحات لتلفزيون ام.تي.في، قال وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال منصور بطيش إن لبنان يخسر تقريبا ما بين 70 و80 مليون دولار يوميا - حوالي نصف دخله المعتاد - بسبب الشلل السياسي.

وقال بطيش إن الأزمة "تفاقمت كثيرا" وباتت تتطلب حلولا عاجلة، لكنه طمأن المودعين القلقين ألا يخافوا على مدخراتهم.

ودفعت أزمة في العملة الصعبة البنوك التجارية لفرض قيود على حركة رؤوس الأموال. فأوقفت تقريبا جميع التحويلات للخارج ووضعت سقفا لعمليات السحب عند بضع مئات الدولارات أسبوعيا.

في غضون ذلك، تراجعت الليرة اللبنانية بمقدار الثلث في سوق موازية هي المصدر الوحيد للدولارات لأغلب المستوردين. وسرحت أعداد كبيرة من الشركات عاملين أو قلصت رواتبهم للنصف.

وقال خليل إن لرواتب العاملين بالقطاع العام أولوية وإنهم يتقاضونها لكن ذلك "لا ينفي أننا نواجه صعوبات حقيقية في تمويل الدولة ككل."

وفي مايو/أيار أقرّ لبنان ميزانية للعام 2019 تتوقع عجزا 7.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بناء على تقديرات لنمو عند 1.2 بالمئة.