ماذا جرى في المؤتمر الأول للمسرح والسينما في العراق

كتاب الباحث الأكاديمي علي محمد هادي الربيعي يشكل وثيقة تحفظ حقوق باحثين وفنانين ومؤسسات أسهمت بأوراقها البحثية بتقديم المقترحات والتوصيات الكفيلة بإعلاء شأن الفن العراقي، وهذه الأوراق البحثية برغم مرور أربعين عاماً على تقديمها إلا أنها تلامس الواقع الفني الآن في البلاد.

يواصل الأستاذ الدكتور علي محمد هادي الربيعي مشروعه التوثيقي المبني على أسس أكاديمية صرفة تميز بها عن أقرانه ممن تصدوا لهذه المهمة، حيث نجح حتى الآن في إنجاز أكثر من ثلاثين كتاباً توثيقياً شمل تأريخ المسرح العراقي ومنجزات مبدعيه تأليفاً وتمثيلاً وإخراجاً وفنيين وفرقاً مسرحية ومؤسسات وجهات مسؤولة أو معنية بالمسرح، فبات دون منازع حامل راية التوثيق المسرحي الراهن في العراق عن جدارة واستحقاق.

وفي هذا السياق يجيء كتابه التوثيقي الجديد "المؤتمر الأول للمسرح والسينما في العراق..حيثيات ووقائع" الذي صدر عن نقابة الفنانين العراقيين – المركز العام، مؤخراً، وجاء في 214 صفحة من الحجم الكبير، وقامت بطبعه الدار الجامعية للطباعة والنشر والترجمة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

توشى الكتاب بتقديم مهم لنقيب الفنانين لعراقيين الدكتور جبار جودي أكد فيه : "الكتاب يتصدى الى إحدى العلامات المضيئة في مسيرة نقابة الفنانين العراقيين، وتأتي أهميته من جانبين: أولهما، أنه وثيقة مهمة توثق لمنجز من منجزات نقابة الفنانين العراقيين لم يأخذ حقه من النّشر والتقييم. وثانيهما، أنه وثيقة تحفظ حقوق باحثين وفنانين ومؤسسات أسهمت بأوراقها البحثية – الماثلة في متن الكتاب – بتقديم المقترحات والتوصيات الكفيلة بإعلاء شأن الفن العراقي، وهذه الأوراق البحثية برغم مرور أربعين عاماً على تقديمها إلا أنها تلامس الواقع الفني الآن في العراق، وكأنها كتبت اليوم. وانطلاقًا من أهمية موضوع الكتاب فقد تبنت النقابة طباعته بوصفه وثيقة من وثائقها المهمة التي تدلل على ثراء مسيرتها."

الربيعي أكد هو الآخر في مقدمة كتابه : "أربعون عاماً مرت على إقامةالمؤتمر الأول للمسرح والسينما في العراق الذي عقدته نقابة الفنانين العراقيين – المركز العام وبإشراف وزارة الثقافة والاعلام، وتمددت فعاليته للمدة من السَّادس عشر ولغاية التاسع عشر من تشرين الأول (أكتوبر) 1982. مؤتمر يتيم لم يثَنى، ولم تأخذ وقوعاته طريقها إلى التدوين، والأوراق البحثية التي كلفت المؤسسات والباحثون والفنانون بكتابتها والقائها بالمؤتمر، وأصغى إليها المؤتمرون وتفاعلوا معها مناقشةً وتعليقاً، لم تحظ بمسلك النشر، وبقيت حبيسة في أدراج كاتبيها. ومع فوات الأيام والسنوات لفَّت لفائف النِّسيان وقوعات المؤتمر وأخباره، وأصبح في عداد المنسيات، غير أنني كنتُ أرتقب الفرص لإعادة الموضوع الى واجهة القراءة".

ويضيف موضحاً سبب تصديه لإنجاز هذا الكتاب :"تحينت فرصة إقامة مهرجان العراق الوطني للمسرح – الدورة الأولى الذّي أقامته نقابة الفنانين العراقيين بالشراكة مع الهيئة العربية للمسرح للمدة من الأول وحتى السابع من آب 2021، وما ميز هذه الدورة ثراء فعالياتها التي توزعت بين العروض المسرحيَّة والجلسات النَّقدية والحلقات الدراسية واصدارات الكتب، فضلاً عن اصدار نشرة يومية (أفتخر أني توليت رئاسة هيئة تحريرها) تبسطُ للقراء وقائع المهرجان وحيثياته وتمددت على ثمانية أعداد. وأسهمتُ في كتابة مقالات عدة عن المسرح العراقي فيها، من بينها مقالة بعنوان "أول مؤتمر موسعٍ لمناقشة واقع المسرح العراقي" نشرت على صفحات العدد الثاني. وهيَّجَ الموضوع ذاكرة العديد من الفنانين الحاضرين في المهرجان – وخصوصاً الرائدين منهم – الذين قرأوا الموضوع، وتذكروا تحققه من دون تذكر وقائعه، فيما أثار الموضوع حفيظة قسم من الفنانين – وخصوصاً الشباب منهم – الذين راحوا يتساءلون عن وقائعه وحيثياته وما تمخض عنه، أسئلة كنت أُؤمل سائليها تأميلا ًبهذا الاصدار."

اعتمد الربيعي خارطة طريق لإعداد هذا الكتاب، من خلال نسخ الأوراق البحثية، وتبويبها حسب موضوعاتها، عبر محور للمسرح، وآخر خُصص للسينما، وحفلت الأوراق البحثية لنقابة الفنانين العراقيين بحيز مستقل، ووفقاً لأسلوبه ومنهجه الأكاديمي المعروف قام بكتابة هوامش تعريفية وتوضيحية وتصحيحية في المواطن والمعلومات الواردة التي وجد أنها بحاجة الى شرح أوسع، مع المقالات الصحفية التي سلَّطت الأضواء على أيام المؤتمر وأوضحت الكثير من الوقائع الخاصة بالمؤتمر وحيثياته، وبنشرها – كما رأى الربيعي - إزداد موضوع الكتاب أهمية.

قسم علي محمد هادي الربيعي الكتاب الذي أهداه الى روح الفنان الرائد حقي الشبلي أول نقيب للفنانين في العراق، على ثلاثة فصول، سبقها بمقدمةٌ وافية واختتمها بملحق بالصورِ، فاستعرض في الفصل الأول خارطة الطَّريق للمؤتمر الذي خططت له نقابة الفنانين العراقيين بالتعاون مع المؤسسة العامة للسينما والمسرح ووجهت الدعوات الى ادارات المؤسسات الفنية الحكومية والأهلية، وشكلت لجنة تحضيرية ضمت : سامي عبد الحميد وضياء البياتي وعبد الاله كمال الدين وفوزية عارف، لوضع خارطة الطريق وبيان فقرات منهاجه.

في حين ضم الفصل الثاني الأوراق البحثية التي قدمتها المؤسسات والباحثون والفنانون وتمت مناقشتها في المؤتمر، الذي تم في بدايته انتخاب هيئة رئاسة للمؤتمر برئاسة الفنان القدير الراحل يوسف العاني رئيس المؤتمر وبمعيته الفنانين: ضياء البياتي وسعدية الزيدي وسامي السراج وصادق علي شاهين (أعضاء)، وشملت تفاصيل كاملة عن مختلف شؤون الفنون المسرحية والسينمائية والعمل على معالجتها وتطويرها بما فيها قانون تقاعد الفنانين وتصنيف الفنانين والعلاقة بين هذه المؤسسات بشمولية اتسعت لكل مفاصل العملية الإبداعية والإنتاجية، ويعد هذا الفصل – حسب رأيي - أغنى فصول الكتاب وأكثرها أهمية.

وتوقف الكتاب في الفصل الثالث والأخير عند المقالات الصحفية التي ناقشت أهداف وحيثيات ووقائع وقرارات وتوصيات المؤتمر، والتي شكلت أهمية مضافة للكتاب الذي اختتمه الربيعي بملحق ضم صوراً كانت كفيلة بإغناء موضوع الكتاب.

الجدير بالذكر أن الربيعي أشار إلى أنه" في متن الكتاب – وفي مواضع محدودة جدًا - بعض الجمل والعبارات التي تمجد بالسلطة الحاكمة في العراق في وقت انعقاد المؤتمر أي في سنة 1982، مؤكداً "ولمَّا كان عملي هو تدوين وقائع المؤتمر، فكان لزاماً علي أن أُثبّت الأوراق البحثية والمقالات الصحفية بقضها وقضيضها من دون أن أتدخل في متونها، بوصفها وثائق تاريخية شاهدة على حدث مهم، ولذلك استدعى الأمر أن أنبه الى ذلك."

لقد قدم الأستاذ الدكتور علي محمد هادي الربيعي هذا المنجز التوثيقي المهم وما انطوى عليه من أوراق بحثية، امتازت بمعالجات واقعية لمشاكل ومعضلات مازالت تعاني منها فنون السينما والمسرح في العراق برغم مرور أربعين عاماً على كتابتها ومناقشتها، ونثني على شكره لنقيب الفنانين العراقيين الدكتور جبار جودي على تبنيه طباعة الكتاب، الذي يعد وثيقة مهمة تحفظ جزءً من نشاطات نقابة الفنانين العراقيين قبل أربعين عاماً.