ماكرون يُدافع عن المقاتلين الفرنسيين في حرب الجزائر

"نحن نعترف بوضوح بأنه في هذه الحرب كان هناك من وضعوا أنفسهم خارج الجمهورية. هذه الأقلية من المقاتلين نشرت الرعب وارتكبت عمليات تعذيب، تجاه وضد كل قيم جمهورية بنيت على أساس إعلان حقوق الإنسان والمواطن".

باريس - يواصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومنذ وصوله إلى الاليزيه في عام 2017، إطلاق سلسلة من المراسم والفعاليات التي ترمي إلى "بناء ذكرى مشتركة وسلمية" حول استعمار الجزائر والحرب التي أدت إلى استقلالها عام 1962.
لكنّ التكريم الذي يُقيمه ماكرون الثلاثاء للمُحاربين الذي شاركوا في الحرب الجزائرية يهدف إلى التذكير بأن "غالبيتهم العظمى" رفضت انتهاك مبادئ الجمهورية الفرنسية" بخلاف "أقلية" كانت "تنشر الرعب"، كما أكد الإليزيه، وهو ما لا يُرضي بالطبع ذاكرة الغالبية العظمى من الشعب الجزائري الذي قدّم ما يزيد عن مليون شهيد في معارك التحرير.
وكتبت الرئاسة الفرنسية في بيان "نحن نعترف بوضوح بأنه في هذه الحرب كان هناك من، بتفويض من الحكومة لكسبها بأي ثمن، وضعوا أنفسهم خارج الجمهورية. هذه الأقلية من المقاتلين نشرت الرعب وارتكبت عمليات تعذيب، تجاه وضد كل قيم جمهورية بنيت على أساس إعلان حقوق الإنسان والمواطن".
وأضاف البيان قبل تجمع عسكري في باحة إنفاليد في باريس، وهي المرحلة الأخيرة من مراسم إحياء الذكرى الستين لانتهاء هذا الصراع "حتى أن هناك حفنة منهم انخرطوا سرا في الإرهاب".
وبحسب الإليزيه "الاعتراف بهذه الحقيقة يجب ألا يجعلنا ننسى أن الغالبية العظمى من ضباطنا وجنودنا رفضوا انتهاك مبادئ الجمهورية الفرنسية"، مشيرا إلى أنهم "لم يشاركوا في هذه التجاوزات الإجرامية ولم يخضعوا لها، حتى انهم أبعدوا أنفسهم عنها".
وفي مناسبة الذكرى السنوية لقانون 1999 الذي يعترف رسميا بالحرب في الجزائر، سيمنح ماكرون أوسمة ل15 من قدامى المحاربين بينهم 11 من الذين استدعوا إلى التجنيد، وهو آخر نزاع لجأت فيها فرنسا الى استدعاء المجندين.
وفي المجموع، شارك حوالى 1,42 مليون فرنسي في هذه الحرب بين عامي 1954 و1962، من بينهم مليون مجند و300 ألف معاون وفقا لأرقام الإليزيه. وقتل فيها 23,196 جنديا بينهم أكثر من 15 ألفا في المعارك والهجمات، فيما أصيب نحو 60 ألفا.
يُذكر أنّ زيارة ماكرون إلى الجزائر في نهاية أغسطس الماضي، لم ترقَ إلى مستوى التطلعات التي عُلّقت عليها، لأنها لم تقدم إجابات حاسمة بشأن الأسئلة الأزلية بين البلدين، خاصة في ما يتعلق بملف الذاكرة، واكتفت بخطابات وتصريحات استعراضية تلاعبت بمفردات المجاملة لتجاوز عقدة الأشهر الماضية، بينما لم تقدم شيئا لتعاون حقيقي وشامل بين الطرفين، وهو ما حاولت بالمقابل رئيسة الوزراء الفرنسية تقديمه قبل أيام في زيارتها للجزائر برفقة العديد من الوزراء.
وقدّم ماكرون رؤية قصر الإليزيه لمسألة التاريخ والذاكرة المشتركة، وبدل تحمل المسؤوليات السياسية والأخلاقية للحقبة الاستعمارية لبلاده للجزائر، أبدى رهانه على فئة الشباب والتعاون الفئوي تمهيدا لبناء المستقبل المنشود، بدل معالجة القضية من جذورها.
ورغم أنه كان في شهر أكتوبر من العام الماضي قد صرح بأن “الجزائر لم تكن أمة قبل استعمارها من طرف بلاده”، وأن “الرئيس تبون عالق في نظام سياسي عسكري يتاجر بالتاريخ وباستعداء فرنسا” إلا أنه لم يقدم ما يجبر خواطر الجزائريين.
واختصر الرئيس الفرنسي المرحلة في ما أسماها بـ”قصة حب” اعترضتها “مراحل مؤلمة”، واعتبر أن الحل يكمن في “المصالحة والحقيقة والتفكير في المستقبل بدل الندم”، وهي رسالة واضحة على أن قضية “الاعتراف والاعتذار” لا مكان لها في أجندة قصر الإليزيه.