مالي تعبد الطريق لروسيا للتقدم في أفريقيا

موسكو تمد نفوذها في القارة السوداء بالتعاون الأمني وحماية الاستثمارات في بعض دول القارة التي شهدت تراجعا للنفوذ الفرنسي فيها.

موسكو – تحظى مساعي روسيا لتثبيت أقدامها في القارة السمراء بترحيب المتلاحقة في أفريقيا بقبول كبير من قبل الدول التي تعول على التعاون مع موسكو لاسيما على الصعيد الأمني لمواجهة التحديات العديدة وعلى رأسها الجماعات الإرهابية، حيث رحب وزير خارجية مالي عبد الله ديوب الأربعاء بـ “التقدم الكبير” في مجال الأمن الذي حققته بلاده على حد قوله بفضل مساعدة روسيا.

والتقى ديوب نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو الأربعاء وأكد مجددا “التزام أعلى السلطات المالية بتعزيز العلاقات الثنائية الاستراتيجية بين روسيا ومالي”.

وأكد أن “هذه العلاقة الثنائية الاستراتيجية سمحت بإحراز تقدم كبير لا سيما في مجال الأمن” مشيرا على وجه الخصوص إلى سيطرة الجيش المالي على مدينة كيدال، المعقل الذي يطالب به الانفصاليون ورهان السيادة للدولة المركزية.

وفقدت جماعات الطوارق المتمردة السيطرة على عدة مناطق في شمال مالي نهاية عام 2023 بعد هجوم شنه الجيش المالي وبلغ ذروته بالاستيلاء على كيدال.

وقال ديوب خلال مؤتمر صحافي عقب لقاء مع لافروف “علينا مواصلة التعاون العسكري مع روسيا وتعزيزه وأيضا مع شركاء آخرين مثل الصين وتركيا”.

من جهته، أكد لافروف أن “التعاون العسكري والفني يتم بفعالية” بين روسيا ومالي. مضيفا “نرى أن القدرات الدفاعية لمالي تتعزز بفضل عمل مدربينا وتدريب الجنود الماليين في روسيا وبفضل تسليم المعدات (العسكرية) الروسية”.

وبحسب عبد الله ديوب فإن مالي تثمن أيضا “القراءة الواضحة لروسيا للوضع في المنطقة” حسبما قال وزير الخارجية المالي الذي يرافقه وزير الدفاع. وشكر روسيا “التي تحترم التزاماتها تجاه مالي” لا سيما فيما يتعلق بتقديم المساعدات الإنسانية والغذائية. بينما قال لافروف إن “موسكو ستواصل تقديم ذلك بالتأكيد”.

ودفع المجلس العسكري في السلطة في مالي بالقوة الفرنسية المناهضة للجهاديين الى الرحيل في عام 2022، ثم بعثة الأمم المتحدة في نهاية عام 2023. وتحولت البلاد سياسيا وعسكريا نحو روسيا التي سعت في السنوات الأخيرة إلى تعزيز علاقاتها مع افريقيا.

وفي تموز/يوليو 2023، خلال القمة الروسية الإفريقية في سانت بطرسبرغ أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا ستقدم عشرات آلاف الأطنان من الحبوب المجانية إلى ست دول افريقية منها مالي.

ويرى محللون أن الخطوة تساعد موسكو على مد نفوذها في القارة من جانب، ومن جانب آخر تعمل على حماية الاستثمارات التي تعمل على ضخها في بعض دول القارة التي شهدت تراجع للنفوذ الفرنسي فيها، وتحاول روسيا أن تضع أقدامها مكان الفرنسيين.

وكشفت صحيفة "موند أفريك"، أن حكومة أفريقيا الوسطى خصصت أرضا في بيرينغو، على بعد حوالي 80 كيلومترا من العاصمة بانغي، لروسيا لإنشاء قاعدة عسكرية تستضيف قرابة 10 آلاف جندي.

ومع إقامة هذه القاعدة في وسط القارة، سيكون لدى القوات الروسية القدرة على مراقبة ما يحدث في غرب أفريقيا والشرق والشمال والجنوب على مسافة متساوية تقريبا بين الشمال والجنوب وبسرعة أكبر من الشرق إلى الجنوب.

وتبلغ المسافة بين بانغي وجوهانسبرغ أقل من 3540 كيلومترا، بينما المسافة الجغرافية (الطريق الجوي) بين بانغي وطرابلس في ليبيا حوالي 3220 كيلومترا، والمسافة بين بانغي وجيبوتي شرقاً هي نحو 2830 كيلومترا، وبالتالي، سيتمكن الجيش الروسي من الوصول بسرعة إلى النقاط الساخنة في أفريقيا وشبه الجزيرة العربية، نظرا لأن الطائرات المقاتلة الأسرع من الصوت يمكنها التحليق بسرعة تزيد عن 1000 ميل في الساعة.

وتريد موسكو تقوية عودتها للقارة مرة أخرى بوجود قوات عسكرية إلى جانب الاستثمارات التي تضخها موسكو والمساعدات التي تقدمها لدول القارة، حيث يوجد عدة خطط للتوسع الروسي في دول جوار أفريقيا الوسطى ولاسيما مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وهي دول تخلصت من النفوذ الفرنسي، وبالتالي تجد موسكو الساحة مهيأة لاستقبالها بحكم عدم وجود ماضي استعماري لها في القارة.