ما الذي سيقع في العراق؟

"حق المقاومة مكفول للشعوب التي تتعرض بلادها للإحتلال". العراق بلد غير محتل.

على الرغم من أن الأميركان كانوا قد كرروا تحذيراتهم للحكومة العراقية بضرورة ان تنأى بالعراق عن الحرب الدائرة في غزة ولبنان فإنه لا أحد في إمكانه أن يؤكد أن تلك الحكومة كانت قادرة على فعل شيء ولم تفعله بما أدى إلى أن تلجأ إسرائيل إلى مجلس الأمن لتعلمه أنها تتعرض لهجومات متكررة مصدرها العراق.

صحيح أن محمد شياع السوداني وهو رئيس الحكومة العراقية الحالي لا يرى في الميليشيات كيانات ضارة ولا في سلاحها ما يزعزع سيادة الدولة واستقرارها وأمنها، غير أنه في كل مرة يصل نشاط الميليشيات المسلح فيها إلى درجة تنذر بخطر قد يتعرض له العراق كان يصدر بيانا بوجهين. الوجه الأول يطلب من الميليشيات الكف عن ممارساتها والوجه الثاني يؤكد أن الميليشيات تابعة للقوات المسلحة التي تأتمر بأوامره باعتباره قائدها العام.

وفي الوجهين هناك الكثير من التضليل والهرب من مواجهة الحقيقة التي تؤكد أن السوداني وحكومته هما مجرد واجهة لدولة تحكمها الميليشيات. كل الأطراف المعنية بالشأن تعرف تلك الحقيقة وتعرف أيضا أن الرجل يعمل في سياق الأجندة السياسية التي يتبعها تحالف الإطار التنسيقي الذي هو عبارة عن مجموعة الأحزاب والميليشيات الشيعية الموالية لإيران وهو ما يعني أنه وضع نفسه في خدمة تلك الأجندة طوعا لا لشيء إلا لأنه قرر أن يتمتع بامتيازات منصب كان محتجو تشرين 2019 قد وقفوا ضد وصوله إليه.

ولأن العراق دولة تداخلت فيها السلطات الثلاث بطريقة تخادمية فلا أحد في إمكانه أن يعرض السوداني للمساءلة فيما إذا كان صادقا فيما يقوله أم أن وهو يخاطب العالم بطريقة إنشائية يمكن أن يمليها عليه أي واحد من مستشاريه انما يستعرض رثاثة وضعه باعتباره قائدا لا يعرف شيئا عن القوات المسلحة، الجزء الأكبر منها عاطل عن العمل أما الجزء الحيوي فإنه لا يقع تحت سيطرته، بل وليس له صلة بالعراق بسبب انتمائه إلى العقيدة السياسية الإيرانية.

في كل الأحوال فإن الأمور لا تقع تحت سيطرة السوداني الذي يمكن وضعه بين قوسين وهو مكانه الحقيقي. أما المقاومة فهي الأخرى يمكن وضعها بين قوسين أيضا. ما لا يمكن للسوداني بسبب ثقافته الحزبية الطائفية أن يواجهه حقيقة أن الميليشيات التي تحيط به من كل جانب وقد تؤدي بحكومته إلى السقوط لا تقوم بفعل مقاوم حين توجه ضرباتها الصاروخية ومسيراتها إلى إسرائيل بقدر ما تخدم أجندة إيرانية موضوعة سلفا ولا علاقة لها بالقضية الفلسطينية التي نجحت إيران في وضعها على الرف بعد المغامرة غير محسوبة النتائج التي قامت بها حركة حماس يوم السابع من أكتوبر 2023 وبعد أن دخل حزب الله وهو تاج المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة طرفا في حرب، كان جاهلا أن عدوه فيها قد وضع قواعد الاشتباك الوهمية خلف ظهره وصار يمارسها وفق تقنية جديدة.

"حق المقاومة مكفول للشعوب التي تتعرض بلادها للإحتلال". والعراق بلد غير محتل. أما أن يكون تحت الوصاية فذلك ما لا يجب أن يجهله السوداني وهو رئيس حكومة لدولة تقع في المنطقة الحرجة. ولكن السوداني مثل سواه من أفراد الطبقة السياسية الحاكمة في العراق يعرف جيدا أن وجوده في الواجهة يعود عليه بالكثير من المنافع الشخصية فلا بأس إذاً من إنكار الحقيقة وتمثيل الدور المسرحي المناط به. أما مصير العراق وشعبه فإن ذلك ما لا يمكن التفكير فيه إلا في حدود الرؤية الإيرانية. وهي رؤية صارت واضحة بعدما حدث في غزة ولبنان. لقد ضحت إيران بحركة حماس وحزب الله بطريقة مكشوفة كما لو أنها باعتهما. وهو أمر قد لا يكون مؤكدا إلا إذا قبضت الثمن بعد أن يتربع ترامب على كرسي الحكم في البيت الأبيض.

وإذا ما عدت إلى العراق فإن تقنية إسرائيل الجديدة في الحرب تجعلني مطمئنا إلى أنها لن توجه ضرباتها إلا إلى معسكرات الميليشيات ومخازن أسلحتها وقد تتخطى ذلك إلى إغتيال عدد من زعماء الميليشيات الأكثر ولاء لإيران وإن كنت على يقين من أن الأشخاص المعنيين كانوا قد غادروا الأراضي العراقية إلى إيران. بمعنى أن إسرائيل لن تضرب البنى التحتية التي لا يملكها العراق، ولكن الحكومة العراقية نفسها ستنهار إذا ما إنهار النظام السياسي بعد هروب الميليشيات.