ما يعرف وما لا يعرف عن لقاح كورونا!

التلقيح ضروري لأن الاعراض المرضية الجانبية مهما كانت ستكون أقل مما يحيط بنا من أضرار نفسية واقتصادية وعملية.
مهما يكن من أمر فان الآثار الجانبية الخطيرة للقاح تكون نادرة الحدوث كما هو الحال في اللقاحات السابقة
التطعيم قد لا يمنع نهائيا الإصابة بالمرض عند البعض رغم أنه يحمي الشخص المطعم من الإصابة بشكل عام
من غير المحتمل أن يكون التطعيم فرضا إجباريا على الناس

باشرت بعض الدول مثل بريطانيا وروسيا وكندا والبحرين وأميركا بالمصادقة على استخدام اللقاح الذي أعلنت عنه شركة الأدوية العالمية فايزر- بيونتيك للتصدي لفايروس "كوفيد-19" المسبب لوباء كورونا الجديد وباشرت بتطعيم بعض أفرادها ومواطنيها. العديد من شركات الأدوية العالمية الأخرى أعلنت أيضا الى توصلها الى اكتشاف لقاح أكيد وفعّال مثل شركة موديرنا الأميركية التي تعتزم أيضا طرح لقاحها في مراكز الاستعمال نهاية هذا الشهر بعد أن تتم المصادقة عليه من قبل السلطات الصحيّة في الولايات المتحدة. اللقاح الروسي "سبوتنيك في" تم استعماله أيضا في روسيا التي بدأت بتطعيم مواطنيها جزئيّا، كما أن هناك قائمة أخرى من اللقاحات في طريقها للوصول للساحة الدولية بعد أن وصلت للمراحل الأخيرة من التجارب السريريّة ومنها شركة جونسون وجونسون في بلجيكا وشركة أسترازينيكا البريطانية ولقاحها المسمّى "لقاح أكسفورد" ولقاح "سينوفاك" الصيني وغيرها. لقاح كوفيد-19 هو لقاح جديد يستخدم لأول مرة وكثير من الأسئلة لا زالت الإجابة عنها غير متاحة بسبب حداثة هذا اللقاح الذي يتطلب استعماله فترات أطول من أجل الإجابة عن جميع الأسئلة المهمة العالقة. من بين هذه الأسئلة: ما هي الآثار الجانبية المحتملة من جراء استخدام هذا اللقاح على المدى البعيد؟ وما هي فترة الحصانة ضد الفايروس التي يكتسبها الجسم بعد التطعيم؟ وهل المُطعّم باللقاح يمكنه نقل الفايروس لغيره؟ وهل يمكن تطعيم النساء الحوامل؟ وما هو العمر الأدنى للأشخاص الذين يجب تطعيمهم؟ وغيرها...

الأمور المعروفة والأكيدة عن اللقاح التي تم تبنيها هو أن معظم هذه اللقاحات المعلنة لها كفاءة كبيرة في صد الفايروس حيث تصل فعالية اللقاح الى 95 في المئة، وهي نسبة كبيرة أن قورنت مع اللقاحات الأخرى المستخدمة ضد الفايروسات المسببة للأنفلونزا الموسمية. أما فيما يتعلق الأمر بالآثار الجانبية التي قد تحصل جراء التطعيم على المدى المنظور فتتراوح بين غير محسوسة وخفيفة ومتوسطة تتجلى بألم وورم واحمرار أو تخرش في منطقة الحقن مع ألم في الذراع، إضافة الى حمى وصداع وشعور بالتعب ووجع في العضلات مع ضيق في التنفس والسعال وفي بعض الأحيان إسهال وتقيؤ. هذه الأعراض قد تختلف شدتها من فرد الى آخر ومن لقاح لآخر حيث قد تشبه الى حد ما الأعراض التي تحصل عند الإصابة الحقيقية بالفايروس، غير أنها لا تدوم لفترة تزيد عن يومين كحد أعلى، ولا تكون شديدة أو خطيرة في كل الأحوال، وقد تكون أكثر وضوحا بعد حقن اللقاح في المرة الثانية. قد تصل نسبة الأشخاص الذين تبدو عليهم آثار جانبية خفيفة للقاح الى 78 بالمئة من المطعمين وتعتبر هذه دلالة صحيّة إذ يعني هذا استجابة الجسم للقاح، كما أن الآثار الجانبية ليس من الضروري أن تحصل جميعها في الفرد الواحد فقد تقتصر الأعراض على عرض واحد فقط أو عدد قليل منها. غالبية الأعراض الجانبية تظهر بعد التطعيم خلال الأيام الأولى، ولكن هناك أعراض أخرى قد تظهر خلال فترة الأربعين يوما الأولى بعد تأريخ التطعيم، حيث تشكل نسبة الآثار الجانبية، على العموم، في هذه الفترة أكثر من 90 بالمئة من الآثار الجانبية الكلية (المنظورة وبعيدة الأجل) لأي لقاح تم استعماله من قبل. من متطلبات لقاح كوفيد-19 كي يكون فعالا هو حقنه مرتين في الذراع، تفصل بين الحقنة والأخرى فترة ثلاثة الى أربعة أسابيع حسب نوعية اللقاح، كي يصبح اللقاح في أوج كفاءته وفعاليته.

أما الآثار الجانبية على المدى البعيد والتي تشكل أقل من 10 بالمئة من الآثار الجانبية الكليّة فهي غير معروفة لأن اللقاح حديث الاستعمال، ومهما يكن من أمر فأن الآثار الجانبية "الخطيرة" تكون نادرة الحدوث عادة كما هو الحال في اللقاحات المعروفة والمستخدمة سابقا، حيث تتراوح نسبتها بحالة خطيرة واحدة من كل 250 الف تطعيم أو أكثر من ذلك! أهم ما يمكن أن يحصل من مخاطر جسيمة نادرة الحدوث جراء اللقاحات بشكل عام وعلى المدى البعيد هو ظاهرة التقليد الجزيئيMolecular Mimicry، حيث أن هناك جزيئات صغيرة في اللقاحات قد تتشابه في تركيبتها مع تركيبة أنسجة موجودة في الدماغ والحبل الشوكي أو أنسجة أعضاء الجسم الداخلية كالكبد أو غيره. هذا التشابه يوهم المضادات الجسمية بأن هذه التراكيب هي فايروسات فتحاول إتلافها ويحصل الضرر. أما الآراء التي تعتقد بأن مرسال الحمض النووي الريبوزي mRNA الموجود في اللقاح سيتضارب مع المادة الوراثية المعروفة بالـ DNA الموجودة في أنوية خلايا الجسم فهذا غير صحيح، لأن مرسال الحمض النووي الريبوزي الموجود في مادة اللقاح لا يستطيع الدخول الى أنوية الخلايا أبدا ولا يحدث أي تشوهات جينيّة.

الحصانة ضد الإصابة بالفايروس لا تحصل بعد التطعيم مباشرة وإنما تكون متكاملة وأمينة بعد مرور أسبوع كامل على التطعيم الثاني. كما أن التطعيم قد لا يمنع نهائيا الإصابة بالمرض عند البعض رغم أنه يحمي الشخص المطعم من الإصابة بشكل عام، ومهما يكن وحتى لو حصلت الإصابة رغم التطعيم فسوف تكون خفيفة وغير مؤثرة.

تطعيم الناس سوف لن يكون سريعا وفي ليلة وضحاها وإنما سيكون على مراحل، وذلك لأسباب تقنية تتعلق بالإنتاج والتصدير والحفظ والتوزيع والاستخدام، حيث أن التطعيم في مراحله الأولى سيكون مختصرا على المشتغلين بالحقول الصحية التي هي على تماس مباشر بالمرضى، ثم على المصحات ودور العجزة بسكانها والمشتغلين فيها. ثم يأتي دور الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل مرضى السرطان والسكري ومرضى القلب والجهاز التنفسي والمصابون بالسمنة وغيرهم من الذين تكون إصاباتهم شديدة وخطيرة ككبار السن الذين تتجاوز أعمارهم الـ 65 عاما. ضمن أولويات التلقيح أيضا العاملون في سلك الجيش والشرطة والقوات الأمنية والأفراد الذين هم على اتصال وتواصل مستمر مع الناس في أعمالهم، وكذلك المدرسين وبعض الموظفين وغيرهم. بعد هذه الأولويات في التطعيم، يطرح اللقاح أمام الجميع من الذين تتجاوز أعمارهم الثامنة عشر، ولكن يبقى العمر الأدنى للتلقيح محل نقاش وبحث بين المختصين، حيث تتضارب الآراء بينهم إذ أن قسما منهم يرى تخفيض عمر التلقيح الى حد 14عاما.

رغم الفائدة الكبيرة للتطعيم في السيطرة على هذا الوباء وشل حركته المدمرة للصحة والاقتصاد والمجتمع، فأنه من غير المحتمل أن يكون التطعيم فرضا إجباريا على الناس، بل سيبقى اختياريا بينهم، وربما يكون إجباريا في بعض مؤسسات السفر أو المؤسسات التي يزدحم فيها الناس وتكون العدوى واردة جدا فيها.

بما أن البحوث لم تحصل بعد على أجوبة صريحة ومؤكدة عن إمكانية تطعيم الحوامل، فستبقى المرأة الحامل بدون لقاح في الوقت الحاضر حتى وصول معلومات كافية بهذا الصدد بعد الدراسات المستفيضة بهذا الشأن. كما يستثنى في الوقت الحاضر تطعيم من هم دون الـ 16 عاما ومن لهم تأريخ تحسسي ضد اللقاحات أو أولئك الذين لديهم حساسيّة قوية الدرجة سواء أكانت ضد بعض الأدوية أو ضد بعض أنواع المأكولات أو الحوافظ أو غيرها.

ينصح الأطباء أيضا عدم إعطاء اللقاح لأولئك الذين لديهم خلل ونقص في المناعة لسبب أو لآخر كهؤلاء الذين يستخدمون أدوية مضعفة للمناعة أو المصابون بأمراض تحبط المناعة. المُطعّم باللقاح يجب أن يلتزم تماما بإرشادات وإجراءات الوقاية العامة مثل لبس الكمامات وغسل اليدين وغيرها من أجل سلامة الغير، لأنه ليس معروفا بعد فيما لو كان الشخص المطعم قادرا على نقل الفايروس لغيره أو عدمه. كما أنه لا يُعرف بعد المدة القصوى والدنيا للحصانة التي سيتمتع بها الشخص المطعم ضد الفايروس، الزمن وحده كفيل بالإجابة عن هذا السؤال! فلو فرضنا جدلا أن فترة الحصانة بعد التطعيم تكون منتهية خلال بضعة أشهر فسيتحتم إعادة التطعيم بانتهاء فترة الحصانة! أما الأشخاص الذين اكتسبوا مناعة طبيعية نتيجة إصابة مباشرة بالفايروس فستتولد لديهم مناعة طبيعية مكتسبة ضد الإصابة بالفايروس، لكن هذه المناعة الطبيعية لا تبقى لفترة طويلة وإنما تنتهي وتضمحل بعد فترة تتراوح بين أربعة الى ستة أشهر بعد الإصابة. هذا يعني أن المصابين بالفايروس سابقا عليهم أن يطعموا أنفسهم ضد الفايروس باللقاح الجديد لأنهم معرضون للإصابة بالفايروس مرة ثانية بعد زوال مناعتهم الطبيعية مع الوقت!

السؤال الذي يطرح نفسه كمحصلة عامة لهذه المعلومات: هل نتطعم بهذه اللقاحات المعلنة والموثوقة حينما تصل بلداننا؟ الجواب وبكل إصرار: نعم، لأن المعادلة واضحة والمقارنة جليّة، حيث أن تأثيرات الوباء السلبية على الأفراد وعلى المجتمع وفي جميع الأصعدة الصحية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية، أكبر بكثير وبأضعاف المرات من أي أثر جانبي سلبي محتمل لهذه اللقاحات!