مبادرة الأطلسي تسقط رهان بوليساريو على عدم الاستقرار

تعزيز العلاقات المغربية مع دول الساحل يثير استياء الجزائر خصوصا مع توترها مع مالي الغاضبة من التدخل في شؤونها الداخلية.

الرباط – تنظر جبهة بوليساريو ومعها الجزائر بقلق وارتياب لكل مبادرة أو خطوة مغربية باتجاه تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي والتنموي مع الدول الإفريقية، وهي السياسة التي تعمل عليها الرباط وبرزت خلال الفعاليات والمؤتمرات الدولية التي نظمتها لجذب الاستثمارات اللازمة لدفع التنمية الشاملة في القارة، ومن بينها مبادرة الأطلسي.

وتندرج المبادرة الدولية التي أطلقها العاهل المغربي الملك محمد السادس لتسهيل وصول دول الساحل إلى المحيط الأطلسي من أجل إفريقيا مزدهرة، وتوفر إمكانات غير مسبوقة من شأنها تعزيز الاندماج والتعاون الإقليميين والتحول الهيكلي لاقتصادات دول الساحل، لكنها لم ترق للجبهة الانفصالية باعتبارها تعزز من مكانة المغرب وعلاقاته مع محيطه الافريقي.

وانتقد المكلف بالإعلام في "سفارة بوليساريو" بالجزائر محمد الأمين، المبادرة معتبرا أنها "محاولة جديدة لاستهداف الجزائر، وبيع الوهم لدول الساحل الإفريقي، وأن منطقة الأطلسي هي منطقة حرب"، فيما بدا الاستياء الجزائري واضحا من المبادرة التي تزامنت مع تصاعد توترها مع مالي التي اتهمت السلطات الجزائرية بالتدخل في شؤونها الداخلية.

وذهبت تحليلات إلى أن الجبهة الانفصالية تراهن على الوضع الأمني المتأزم في بلدان الساحل من أجل تسهيل تمويل الأنشطة المرتبطة بعصابات الجريمة المنظمة، خاصة على مستوى تجارة السلاح وتهريب المخدرات والاتجار بالبشر، كما أن المبادرة تنعكس إيجابيا على الوضع الاجتماعي لسكان المنطقة، وأيضا في الشق الأمني من خلال السلم والاستقرار، ما سيقوض الأنشطة غير القانونية لبوليساريو.

وحظيت مبادرة الأطلسي بإشادة واسعة من قبل وزراء خارجية مالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد، إذ ستساهم في "إقلاع افريقيا جديدة وقوية وجريئة، قادرة على الدفاع عن مصالحها، والتأثير في الساحة الدولية". وفق محللين.

‏وفي مؤتمر مراكش، الذي عُقد السبت الماضي 23 ديسمبر/كانون الأول تم التوقيع على اتفاق بين دول الساحل والمغرب، يمثل خطوة أولية نحو تحقيق المبادرة. ‏وأكد الوزراء الممثلون لبوركينا فاسو ومالي والنيجر وتشاد، التزامهم بالمبادرة الملكية التي أطلقها الملك محمد السادس لتسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي. ‏

واتفق وزراء دول الساحل الإفريقي على إنشاء فريق عمل وطني في كل دولة لإعداد واقتراح سبل تفعيل المبادرة لاستفادة بلدان الساحل من المحيط الأطلسي. وشددوا على الأهمية الاستراتيجية التي تكتسيها هذه المبادرة، والتي "توفر فرصا كبيرة للتحول الاقتصادي للمنطقة برمتها، بما ستسهم فيه من تسريع للتواصل الإقليمي وللتدفقات التجارية ومن رخاء مشترك في منطقة الساحل".

وقال ناصر بوريطة، وزير الخارجية المغربي، على هامش الاجتماع، إن "إطلاق هذه المبادرة يرتبط بتقوية التعاون"، ولفت بوريطة، إلى أن "التحديات التي تواجه دول الساحل تهم بلاده بالنظر إلى الجوار". وذكّر "بقرارات بلاده السابقة حيال دول الساحل الإفريقي مثل إلغاء الديون، وتخفيض رسوم الجمارك مؤكدًا أن التحديات التي تواجه الساحل هي تحديات للمغرب أيضًا.".

المغرب يمكن أن يكون نموذجا لجهود البلدان الأفريقية الأخرى للتغلب على فجوات البنية التحتية لديها حيث جعلها على مدى العقدين الماضيين أولوية في جميع القطاعات الاقتصادية

وأشار إلى أن "طلاب هذه الدول الأكثر استفادة من التكوين بمؤسسات البلاد". داعيا إلى ضرورة "النظر للفرص والإمكانات والحلول بدول الساحل، فالتنمية تحمل حلا لعدد من الإكراهات التي تواجه دول الساحل الإفريقي". وتعهد بتوفير إمكانات بلاده "لمواكبة دول الساحل من أجل الرفع من نسبة نموها".

وتمتد جغرافية منطقة الساحل الأفريقي شمالاً عند حدود الصحراء الكبرى، وتمتد جنوباً حتى بدايات منطقة السافانا الخضراء. ويشمل الساحل عشر دول، لكن الإشارة إلى منطقة الساحل عادة ما تُركز على ست دول أساسية هي السنغال، مالي النيجر، تشاد، بوركينا فاسو وموريتانيا.

ومن بين هذه الدول الستة، جميعها دول حبيسة باستثناء السنغال وموريتانيا. فعلى سبيل المثال، تبعد دولة تشاد عن ساحل المحيط الأطلسي بمسافة تزيد عن ثلاثة آلاف كيلومتر، وتفصل النيجر عن الساحل مسافة تتجاوز الألفي كيلومتر. وبهذا، لا تقع أي من هذه الدول بشكل كامل ضمن منطقة الساحل، حيث تمتد أوسع أجزائها في كل من النيجر ومالي. ومن هنا تبرز معنى أن تضم المبادرة المغربية هذه الدول الأربعة فقط في منطقة الساحل.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، دعا الملك محمد السادس، إلى تمكين مجموعة دول الساحل الإفريقي من الوصول إلى المحيط الأطلسي، للاستفادة منه، معتبرا أن "نجاح هذه المبادرة، يبقى رهينا بتأهيل البنيات التحية لدول الساحل، والعمل على ربطها بشبكات النقل والتواصل بمحيطها الإقليمي". وقال الملك في كلمة ألقاها نيابة عنه مستشاره عمر قباج، الرئيس الفخري للبنك الأفريقي للتنمية، إن "أفريقيا تحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى إلى مبادرات جريئة ومبتكرة لتشجيع ريادة الأعمال الخاصة وإطلاق العنان لإمكاناتها الكاملة لقارتنا".

وذكر إن المغرب يمكن أن يكون نموذجا لجهود البلدان الأفريقية الأخرى للتغلب على فجوات البنية التحتية لديها، وقال "على مدى العقدين الماضيين، جعل المغرب من تطوير البنية التحتية أولوية في جميع القطاعات الاقتصادية".

‏وفي مدينة الداخلة، التي تقع على الحدود البحرية المشتركة مع موريتانيا، أنشأ المغرب واحداً من أكبر الموانئ على ساحل المحيط الأطلسي. نظرًا لكون موريتانيا إحدى دول الساحل، فقد عمد المغرب إلى توفير هذا الميناء، الذي يشكل جزءًا أساسيًا من البنية التحتية المغربية، كنقطة وصول لدول الساحل والصحراء. وهذا الإجراء يهدف إلى تخفيف العزلة الجغرافية التي تعاني منها دول الساحل التي لا تطلّ على البحر، مانحًا إياها منفذًا على المحيط الأطلسي يوفر اتصالًا مباشرًا بالأميركتين وغيرها من الاقتصادات العالمية الرئيسية.