مبدأ سمو الدستور

الدستور في العالم العربي يتماشى مع رغبات الزعيم وليس أساسا راسخا لا ينبغي العبث فيه.

تتسم دساتير العالم بالجمود، ولا يسهل تغييرها أو تعديل بنودها، والمقصود بسمو الدستور (constitution supremacy) هو أن له السلطة العليا التي تعلو على كل سلطة أخرى بما فيها سلطة الحاكم، وإذا اختلفت القوانين والأنظمة فإن الفيصل فيها هو الدستور، وإذا اختلط أمر ما بشأن الدستور فإن المحكمة الدستورية هي التي تبت فيه، ولا يجوز البت في القضايا الخلافية الدستورية إلا من قبل المحكمة الدستورية، وهذ أمر طبيعي بالنظر إلى أن واضع الدستور هو اللجنة الدستورية التي شكلت أصلا لوضع الدستور والتي غالبا ما تتكون من أعضاء البرلمان وشخصيات أخرى عرفت في التعمق في الفقه والقانون. وبعد الاتفاق على أحكام الدستور وموافقة البرلمان عليه، يعرض على الشعب في استفتاء عام ليوافق عليه، وقد تستغرق العملية سنوات إلى أن يتم الاتفاق على دستور الدولة. ولا غرابة إذن أن يعتبر الدستور ساميا على كافة القوانين وجامدا لا يسهل تغييره.

ويعتبر مبدأ سمو الدستور من نتائج الثورة الفرنسية وفكرها العريق المستمد من أدبيات الثورة الفرنسية وأبرزها كتاب العقد الاجتماعي لجان جاك روسو، والذي علم الناس كيفية احترام القوانين والأنظمة وأن الدستور يسمو على كل سلطة ولا سلطة تسمو عليه، وإذا أرادت الدول تعديل بعض بنود الدستور، فإنها تتبع نظاما معينا أقره برلمانها، فهناك دول تفرض الحصول على طلب من ثلثي أعضاء البرلمان لتعديل مادة معينة في الدستور، وهناك دول تفرض الحصول على 50 ألف توقيع من الشعب يطالبون بتعديل مادة من الدستور، لأن عملية تعديل مواد الدستور عملية شاقة ولها إجراءات كإجراءات وضع الدستور نفسه، ويعرض التعديل على الشعب للاستفتاء العام بعد التعديل.

أما في بلدان عدنان وقحطان، فالدستور "في الخرج والخرج عالحمار والحمار موقوف لأنه أكل الدستور." والحاكم مذهول ويسأل "كيف انهضم معه هيك دستور؟" وبالإضافة إلى أن الدستور يمكن أن يأكله الحمار، فيمكن كذلك تعديله وتغييره وإلغاؤه حسب رغبة جلالته أو سموه أو فخامته ليتطابق مع أحد رغباته أو توجهاته ليتولى الحكم أو ليمدد حكمه أو ليورث الحكم أو لينفي مواطن من وطنه أو ليسحب جنسيته أو لأي غرض أخر يرغب به صاحب العزة والعظمة أو حتى يعطل العمل بالدستور نهائيا. وقد أبدع السوريون في أمثالهم الشعبية الساخرة ومنها "لابق للشوحة مرجوحة ولأبو بريص قبقاب". لماذا كل هذا التعب، فالدستور بهرجة ليس لها لزوم، ويكفي البلاد العربية حاكم ملهم يحمل العصا ويقول "العصا لمن عصا" وبلا دستور ووجع قلب.