مبعوثة الأمم المتحدة تزور السيستاني والعراقيون يطالبون بإقالتها

بلاسخارت تعرضت لانتقادات حادة من قبل المتظاهرين العراقيين بعد أن اتهمتهم بالتسبب في خسارة المليارات لإغلاقهم الطرق المؤدية إلى المنشآت النفطية والموانئ.
مبعوثة الأمم المتحدة متهمة بالانحياز للحكومة العراقية
بلاسخارت انتقدت قطع المتظاهرين للطرق والتسبب في خسارة المليارات
وزيرة الدفاع الهولندية متهمة بقتل مدنيين عراقيين عام 2015
دعوات المرجعية في النجف لم تعد لها تأثير على المتظاهرين

النجف (العراق) - زارت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جانين هينيس بلاسخارت، اليوم الاثنين، علي السيستاني، المرجعية الدينية العليا لشيعة العراق، للتوسط بين الحكومة العراقية والمحتجين الذين طالبوا بإنهاء مهامها من المنظمة الأممية في بلادهم بسبب مواقفها من المظاهرات التي دخلت أسبوعها الثالث دون أي تغيير.

ورغم الانتقادات التي تعرضت لها مؤخرا توجهت بلاسخارت إلى مدينة النجف الشيعية الاثنين للقاء السيستاني بحثا عن مخرج للأزمة التي تمر بها الحكومة العراقية أمام اصرار المحتجين على مواصلة مظاهراتهم فيما تحاول قوات الأمن العودة إلى سياسة القمع لفضها بالقوة.

وقالت بلاسخارت عقب لقائها السيستاني الذي لا يتحدث أبدا للعلن إن المرجع الشيعي قلق من عدم جدية القوى السياسية إزاء إجراء إصلاحات في البلاد.

وأوضحت "قدمنا نصائح للحكومة العراقية وحان الوقت لتقدم شيء للشعب واحترام سيادة العراق وأن هذا البلد لا يمكن أن يكون ساحةً للتصفيات السياسية".

وقالت بلاسخارت التي وضعت غطاء رأس أسود وارتدت لباسا فضفاضا خلال لقاء السيستاني، إن المرجعية أقرت خارطة الطريق التي عرضتها المنظمة والتي تتضمن مراجعة قانون الانتخابات في غضون أسبوعين.

وأضافت أنه بالنسبة للسيستاني "إذا كانت السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية غير قادرة أو راغبة في إجراء هذه الإصلاحات بشكل حاسم ، يجب أن يكون هناك طريقة للتفكير في نهج مختلف"، دون تقديم توضيحات حول الطريقة البديلة لذلك.

ومنذ نهاية الأسبوع الماضي بدت مواقف بلاسخارت تتغير بشأن العنف الذي يتعرض له المحتجون في العراق، خصوصا بعد انتقادات حادة طالبت بإقالتها من منصبها.

وقالت الأحد في موقف مغاير يعكس فعليا حقيقة ساحات الاعتصام والتظاهر في المدن العراقية، إنها تتلقى "كل يوم معلومات عن متظاهرين قتلوا و اختطفوا أو تعرضوا لاعتقال تعسفي أو الضرب والترهيب".

واستنكرت "مناخ الخوف"، الذي تفرضه السلطات العراقية، مؤكدة أن "الحقوق الأساسية تنتهك باستمرار"، في بلد رافقت عمليات الاحتجاج فيه أعمال عنف دامية أسفرت منذ انطلاق التظاهرات في الأول من تشرين الأول/أكتوبر عن مقتل 319 شخصاً غالبيتهم من المتظاهرين، بحسب حصيلة رسمية أعلنت صباح الأحد، وإصابة أكثر من 12 ألفا.

ومساء الأحد، فيما كانت ساحة التحرير وسط بغداد تبدو كساحة حرب جراء أزيز الرصاص وقنابل الغاز المسيل للدموع، عرضت بعثة الأمم المتحدة في العراق التي ترأسها بلاسخارت خارطة طريق لمعالجة الأزمة في العراق.
وقبل وقوفها في صفوف المحتجين، تعرضت بلاسخارت التي شغلت منصب وزارة الدفاع الهولندية سابقا، إلى انتقادات حادة من قبل المتظاهرين العراقيين بعد أن اتهمتهم بالتسبب في خسارة المليارات بعد إغلاقهم الطرق المؤدية إلى المنشآت النفطية والموانئ.

واعتبر نشطاء عراقيون أن "الهم الوحيد الذي يثير قلق المبعوثة الأممية إلى العراق هو الاقتصاد وخسارة المليارات، التي تعد أهم بكثير من أرواح العراقيين التي أزهقت خلال الاحتجاجات".
والأسبوع الماضي حذرت ممثلة "يونامي" (بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق) في تغريدة لها على تويتر، من تعطل البنى التحتية الحيوية في العراق قائلة إنه "أمر مقلق جدا".

وقالت بلاسخارت إن "مسؤولية الجميع هي حماية المرافق العامة.. وأن إغلاق طرق المنشآت النفطية والموانئ يتسبب بخسارة المليارات"، مشيرة إلى أن "الإغلاق يتعارض مع المطالب المشروعة للمتظاهرين".

وكتب ناشط على تويتر منتقدا مواقف بلاسخارت المتناقضة "المرتشية بلاسخارت عليها مغادرة العراق، نحن نعرف أن ثلث أموال العراق تذهب لشراء الذمم، أنت وحسب المعطيات غير مؤهلة لإدارة هذه الأزمة بين الشعب وحكومة القناصين".

وإلى جانب التحيز للحكومة العراقية يطالب العراقيون بإقالة بلاسخارت من المنظمة الأممية أيضا بسبب تورطها في قتل عراقيين أبرياء خلال قصف على قضاء الحويجة في العراق عام 2015 وهي نفس الفترة التي كانت فيها على رأس وزارة الدفاع الهولندية.

والأسبوع الماضي، اعترفت وزارة الدفاع الهولندية لأول مرة بالحادثة وقالت إن طائرة حربية هولندية، تابعة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، قتلت حوالى 70 شخصا في 2015.

وهذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها الحكومة الهولندية عن تفاصيل عن هذه الغارة الجوية التي استهدفت ما يُرجح أنه مصنع للقنابل كان يتبع التنظيم في الحويجة شمال العاصمة العراقية بغداد.

ورجحت منظمات دولية أن 26 طفلا و22 امرأة كانوا بين ضحايا الغارة الهولندية على الحويجة.

مطلب واضح آخر للمتظاهرين العراقيين
مطلب واضح آخر للمتظاهرين العراقيين

ونشرت صحيفة "التلغراف" الهولندية الجمعة الماضي تقريرا تنتقد فيه المبعوثة الأممية إلى العراق تحت عنوان "العراقيون يضيقون ذرعاً بجنين بلاسخارت".

وأضافت الصحيفة التي تعد أكبر صحيفة يومية في هولندا "شقراء تعبد البترول والنقود والدماء، والبترول لديها أكثر أهمية من دماء العراقيين".

وأوضحت التلغراف أن "العراقيون أطلقوا عريضة على الإنترنت يطالبون فيها برحيل هينيس، التي تم شطب صورة لها منتشرة على مواقع التواصل بخط أحمر عريض، مشيرة إلى أنه تم رفضها من قبل المحتجين مثل الحكومة العراقية وباقي الدول الغربية التي تدير شركاتها قطاع النفط في العراق وحتى النظام الإيراني المسؤول بشكل كبير عن حصيلة القتلى الذين سقطوا خلال الاحتجاجات من خلال الميليشيات الموالية له في البلاد.

وأشارت الصحيفة إلى إنكار بلاسخارت في 2015 مقتل مدنيين في قصف هولندي للحويجة رغم علمها بذلك من قبل عندما كانت وزيرة للدفاع في هونلدا".

وقالت التلغراف إن "وضع وتاريخ بلاسخارت لا يسمح لها بأن تدعو إلى إجراء حوار وطني بين الحكومة والمتظاهرين في العراق" مشيرة إلى أنه "من المستحيل عليها الآن أن تلعب دورها كوسيط محايد في الأزمة".

وتساءلت الصحيفة الهولندية عن السبب الذي جعل بلاسخارت تحرص على تولي منصب ممثلة "يونامي" إن لم يكن من "أجل إخفاء جريمتها بقتل العراقيين في كركوك (قصف الحويجة)"، وعن وكيفية "زيارتها ميدان التحرير والتحدث مع المتظاهرين والجلوس معهم وركوب التكتك ثم الخروج ببيان قاسٍ ومنحاز للحكومة العراقية".

وانتقد ناشط على تويتر زيارة وزيرة الدفاع الهولندية السابقة للسيستاني وكتب "بلاسخارت الناطق الرسمي إلى المرجعية مبروك".

وبعد الحملة العراقية ضدها حاولت بلاسخارت أن تستدرك موقفها من الاحتجاجت بتغريدة جديدة كتبت فيها "ردا على اتهامات الانحياز نقول: الأمم المتحدة هي شريك كل عراقي يحاول التغيير. بوحدتهم، يستطيع العراقيون أن يحولوا بلدهم إلى مكان أفضل ونحن موجودون هنا لتوفيز الدعم اللازم".

وذكّرت "التلغراف" بلاسخارت بعلاقتها المقربة من إيران، التي يطالب العراقيون برفع يدها عن بلدهم وإخراج ميليشياتها التي فشلت في فض الاحتجاجات الشعبية حتى بالقوة والقنص.

ويوجه المتظاهرون اتهامات لإيران، المنافس الأقوى للولايات المتحدة في العراق، التي يعتبرونها مهندس النظام السياسي الذي يغص بالفساد ويطالبون بـ"إقالته"، كما حملوا الميليشيات التابعة لها في العراق بقنص المحتجين.

وتوصلت الكتل السياسية العراقية السبت إلى اتفاق لوضع حد للاحتجاجات وترافق ذلك مع تزايد القمع الذي ارتفع لمستوى جديد ضد التظاهرات.

وولد الاتفاق الذي توصلت إليه الكتل السياسية، عبر اجتماعات بأعلى مستوى أشرف عليها قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني الذي عقد اجتماعات في بغداد والنجف لإقناع قادة الأحزاب السياسية بحماية الحكومة.

وبالرغم من الحصيلة الدامية يواصل العراقيون الاحتجاجات للمطالبة باستقالة حكومة عبدالمهدي التي لم يسحب السيستاني الثقة عنها بالإضافة إلى أنه يمثل الجهة الرئيسية الداعمة لجميع رؤساء الوزراء في العراق.

وتواصلت الاحتجاجات في ساحة التحرير الرمزية، وسط بغداد، رغم انخفاض نسبي في المشاركة في ظل إدانة وجهها نشطاء لحملات التخويف، في وقت استخدمت قوات ترتدي زيا عسكريا السلاح بشكل مفرط فيما تقول السلطات بأنها لا تملك السيطرة عليها.

واستنكر كثيرون توجه أوضاع البلاد إلى "جمهورية خوف جديدة"، لتعرض عشرات المتظاهرين خصوصا خلال ساعات الليل فيما تهز عشرات القنابل الصوتية بغداد، لاعتقال واختطاف على يد مسلحين يرتدون زيا عسكريا، حسبما ذكرت مصادر أمنية وناشطون رفضوا الكشف عن أسمائهم.

يأتي ذلك فيما فشل الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر في الالتفاف على مطالب المحتجين وتبني مطالبيهم، حيث توقف عن المطالبة بإجراء انتخابات مبكرة في أوائل تشرين الأول/أكتوبر، كما أعلن في وقت سابق.

ولم يعد موقف السيستاني هو الآخر يحظى بثقة العراقيين خصوصا بعد بروز الفساد المستشري حول دوائر ابنه محمد رضا والميليشيات المحيطة به.

وكتب ناشط عراقي على تويتر "العراقي يتظاهر ضد تدخل إيران في شؤونه وهولندية تبذل جهود وساطة بين سيدين إيرانيين".

ويرى مراقبون إن لجوء مبعوثة الأمم المتحدة إلى المرجع الشيعي يؤكد وصول كل الطبقة السياسية في العراق وحتى المنظمات الدولية إلى طريق مسدود للالتفاف على مطالب المحتجين بتسوية سياسية جديدة.

ولا تشكل دعوات المرجعية بتجنب العنف أي تأثير على المتظاهرين حتى الآن، فيما توجهت غالبية القوة السياسية في البلاد إلى وضع حد لهذا التحدي حتى لو تطلب الأمر اللجوء إلى القوة.

ويطالب السيستاني باستمرار بالتوصل إلى حول سياسية و "سلمية" للمطالب "المشروعة" للمتظاهرين. لكنها اليوم أصبح ذلك غير كافي بالنسبة للشارع العراقي الذي انتفض بعد سنوات من فساد الطبقة السياسية وتغلغل إيران في دوائر الحكم في البلاد.

وقال أحد المتظاهرين في ساحة التحرير "لا نريد تعديلات، نريد تغييراً كاملاً ، لا نريد الحكومة ولا البرلمان وجميع الأحزاب!".

ويعتبر المتظاهرون النظام السياسي الذي شكل بعد سقوط صدام حسين عام 2003، عفا عليه الزمن ولا بد من تغييره، ويطالبون بسن دستور جديد وطبقة سياسية جديدة بالكامل لقيادة العراق، ثاني أكبر منتج في منظمة أوبك.

ومن المقرر أن تجري منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة الاثنين تقييماً للأوضاع في العراق، فيما تشعر منظمة العفو الدولية بالقلق من "سفك دماء" العراقيين.