متى تعود سوريا للجامعة العربية؟

ينبغي للمعسكر المناهض لعودة سوريا عدم التمادي في ارتكاب خسائر جديدة، فقد تنضم إلى قافلة إيران في سوريا كل من تركيا وقطر.

هذا السؤال يدور في أذهان كثيرين. من يتعاطفون مع سوريا كدولة. ومن ينحازون إلى النظام الحاكم في دمشق. وحتى من يرفضون العودة أصبحوا مشغولين به، لأن التطورات الأخيرة ترجح كفة الرئيس بشار الأسد على خصومه في الداخل.

جهات متعددة لم تنكر تعاطفها مع النظام السوري في محنته، كما تبغضه جهات أخرى. لن أناقش هؤلاء أو هؤلاء، فكل طرف لديه من الحجج ما يؤكد رؤيته، الإيجابية أو السلبية. لكن نحن أمام حالة ربما تكون نادرة في العمل المشترك، فالكثير من الممانعات السياسية جرى رفعها عن رقبة دمشق، ومع ذلك لم تستطع العودة للجلوس على مقعدها في الجامعة العربية.

معالم التصورات المحلية والإقليمية والدولية تغيرت من النظام السوري، بحكم الأمر الواقع، والقدرة على الصمود، وبسبب التبدل الحاصل في الحسابات، وما منحته من دروس عدة، أبرزها عدم الرهان على جهة واحدة، وتحاشي الدخول في عداء طويل يفتقر الحكمة وخط واضح للرجوع، وأن التنظيمات والحركات الصغيرة لا تقل أهمية عن الكبيرة في قدرتها على إحداث توازنات مهمة، كما أن كل المعادلات الإقليمية الصعبة معرضة للتغيير.

النقطة الأخيرة تنطبق على الحالة السورية، التي أجبرت قوى متباينة على ادخال تعديلات حول تقديراتها وتوجهاتها السابقة، لأن الصراع الممتد تتشارك فيه دوائر مختلفة، لديها رؤى يمكن أن تتحول في أي لحظة من النقيض إلى النقيض، ليس لوجود عيوب في منطقها، لكن لأن السيولة الشديدة في النزاع والقوى التي تدخل فيه أو تخرج منه، لها تأثيرات على مكوناته الحاكمة، وهو ما جعل الحديث عن عودة دمشق إلى حضن الجامعة العربية يتزايد ويجد آذانا صاغية مؤخرا.

الواضح أن الدول المؤيدة والرافضة لعودة سوريا بدأت تقبل التعامل بواقعية مع هذه المسألة، في ظل انشغالاتها الداخلية، وعلى يقين أن الأمن القومي العربي مضاف إليه دولة سوريا الموحدة أفضل كثيرا من خصمها، وعزلها لمدى طويل سوف تكون له مردودات سلبية على الجميع.

بالطبع هناك مشكلات عالقة بين دول عربية والنظام الحاكم في دمشق، يمكن تفهمها والبحث عن حلول مرنة لها، لأن سوريا أكبر من نظام يحكمها عليه تحفظات من جانب البعض، وهي ضلع مهم للدول العربية، بما فيها تلك التي دخلت في خصومة مع الأسد، ولذلك قد تثمر عملية المراجعات الدائرة عن نتائج إيجابية.

الحصيلة التي يمكن الخروج بها سوف تظل معلقة بدرجة المتانة بين سوريا وإيران، وهي تعد جوهر الأزمة التي تحول دون استعادة دمشق لمقعدها في الجامعة العربية، وتفسر عدم تقدم أي دولة عربية حتى الآن بطلب لعودة سوريا، والذي يحتاج لمصادقة عليه من وزراء الخارجية العرب.

المخاوف العربية من العلاقات المتشابكة بين دمشق وطهران قديمة ولها مبرراتها، لكنها ازدادت حاليا بعد التطور الذي شهدته على ضوء المساندة الإيرانية القوية لسوريا السنوات الماضية، والتي كانت أحد عوامل الحسم لصمود نظام الرئيس بشار الأسد، ما يجعله أثيرا لبعض حسابات طهران الإقليمية، والتي تصطدم مع مصالح دول عربية كثيرة.

الرفض الضمني لعودة دمشق يأتي من هذه الزاوية، وحسب كلام سمعته مباشرة من مسؤول عربي كبير "لسنا على استعداد لعودة سوريا للحديث بإسم إيران في الجامعة العربية"، وأردف قائلا: "من الضروري أن تكون هناك مسافة واضحة بين الطرفين، وما تم قبوله سابقا سيكون من الصعوبة الصمت عليه لاحقا، في وقت تصاعدت فيه درجة ولاء دمشق لطهران".

الكلام السابق يبدو دبلوماسيا في بعض جوانبه، ويعكس الحقيقة التي يرفض كثيرون التطرق إليها مباشرة، وتتعلق بأن التوصل لحسم نهائي للأزمة السورية يرتبط بترتيبات قوى إقليمية ودولية لها باع طويل في تحديد مصير عدد من اللاعبين الرئيسيين، وهي المعضلة التي تتوقف عندها كثير من التحركات السياسية والأمنية.

إيران واحدة من الدول التي لها باع طويل في الأراضي السورية، ولا ينكر نظام بشار الأسد وقوفها إلى جانبه، وقت أن انفض عنه آخرون، وعملية التخلي عنها بحاجة إلى إرادة مادية ومعنوية فولاذية، وهي عملية قد تستمر وقتا طويلا.

وطالما بقي هذا الهاجس مسيطرا على ذهن قوى متباينة سوف تظل عملية عودة دمشق للجامعة معلقة، ويمكن أن تدخل مجالا طويلا من المزايدات، مع وضد، إلى أن يتم التوصل إلى صيغة تقلل هواجس الدول العربية من التحام دمشق مع طهران، أو تهتدي القوى الكبرى لطريقة تؤثر على أواصر العلاقات المتينة بينهما. ويمكن تحديد أربع مشكلات رئيسية.

الأولى: أن إيران قضية تتجاوز حدود الأزمة السورية، فهي جزء من توجهات إقليمية ودولية متضاربة في طريقة التعامل معها، والبحث عن حل مناسب لها يخضع لتعقيدات كثيرة، ولا توجد طريقة واحدة يمكن الالتفاف عربيا عليها، ووسط الصدام بين التصورات تستطيع طهران مواصلة أدوارها بوسائل مختلفة.

الثانية: هناك تسليم عربي، شبه متوافق عليه بالرضاء أو الضغط، أن الولايات المتحدة لا تريد عودة سوريا للجامعة في هذه الأجواء، وحسب كلام الدبلوماسي العربي "الولايات المتحدة ترفع فيتو ضمني على هذه الخطوة، ودمشق لم تتخذ التحركات المناسبة لتشجيع بعض الدول العربية على تجاوز هذا الاعتراض، الذي يحتاج إلى جهود مضنية من الصعوبة ضمان نتيجتها في الوقت الراهن".

الثالثة: تكمن في التسليم بأن عودة سوريا لمقعدها تمثل مكسبا لطهران، وتخصم من رصيد المعركة السياسية معها، وهي نقطة تشكك في عروبة النظام السوري، الذي يملك علاقات قوية مع إيران منذ عقود، ومع ذلك كان يحتل مقعدا أماميا في الجامعة، ومثل أحيانا رأس الحربة في العمل العربي المشترك.

المشكلة الرابعة: تتعلق بالتردد الظاهر في تحركات بعض الدول العربية، خاصة المقتنعة بوجوب عودة دمشق لمكانها الطبيعي، وتخشى الترويج للخطوة من قبيل أنها تعد خسارة للمعسكر المناهض للنظام السوري، بينما من الضروري النظر إليها باعتبارها تصحيح لمواقف خاطئة، أو كانت صحيحة في وقتها، ومع تغير الأوضاع من المهم التفكير بصورة عملية لعدم التمادي في ارتكاب خسائر جديدة، فقد تنضم إلى قافلة إيران في سوريا كل من تركيا وقطر.