محاولة لجر الخليج الى مستنقع الفوضى

أهم ما يميز المجتمعات الخليجية هو الانسجام والابتعاد عن التنظيرات التي اطاحت بدول عربية أخرى.

طبيعة المجتمعات تختلف عن بعضها البعض في جوانب كثيرة، سياسية وثقافية ودينية ولغوية، لا يوجد مجتمع يتطابق كليا مع مجتمع آخر، لابد وان تكون ثمة فوارق جوهرية تفصل بينهما، وهذه الفروقات والاختلافات تشتد وتبرز اكثر في المجتمعات المتداخلة ذات الاعراق والطوائف والثقافات المتنوعة والمتناقضة مثل العراق وسوريا ولبنان وتركيا وايران، وقد تكون سببا مباشرا في زعزعة استقرارها وتفاقم اوضاعها الامنية والانسانية، بخلاف المجتمعات الخليجية التي تتمتع بانظمة سياسية واجتماعية مستقرة ولايمكن مقارنتها بالمجتمعات العربية الاخرى التي تعتمد العنف والثورة والفكر الراديكالي في ادارة شؤونها السياسية، هنالك فرق حضاري شاسع بين الاثنين وان ارتبطا بوشائج وعلاقات تاريخية ودينية وقومية مشتركة ولكن برؤية وتفسير مختلفين. ونتيجة هذا التباين الحضاري بين المجتمعين، فقد حل في المجتمعات الخليجية الامن والامان والرخاء والهدوء النفسي بينما سادت في المجتمعات العربية الاخرى "الثورية"؛ الانقلابات العسكرية والقمع والفقر والمرض وعدم الاستقرار، ففي الوقت الذي تتجه دول الخليج الى الرفاهية واقامة المشاريع الاستثمارية والخدمية وتحويل الصحراء الجرداء الى واحة خضراء، تنهمك الدول ذات المجتمعات الثورية العنيفة بالتنظيرات الفكرية المتطرفة والعمليات الانقلابية العسكرية والقمع والقتل وانتهاك حقوق الانسان وابتكار احدث وسائل الهدم والتدمير.

من نعم الله ورحمته على المجتمعات الخليجية انه لم يسلط عليها زعيما ثوريا ولا منظرا عروبيا ولا خضعها لسطوة ورحمة الانقلابيين العسكريين، وظلت بمنأى عن التقلبات السياسية الطارئة والافكار العصبية والقومية المتطرفة. وهي مازالت تتقدم وتبتكر انواع جديدة من نظم الحياة المعاصرة وتستفيد من خيراتها لصالح مواطنيها، بينما تعيش المجتمعات الثورية في وحل المنازعات الطائفية والقومية المتخلفة وتبدع في القتل والتهجير!

 يبدو ان هذا الرفاه الاقتصادي والاستقرار السياسي الذي تتمتع به دول الخليج قد اثار حفيظة وحسد اصحاب النظريات الثورية المدمرة وبدأوا بوضع العراقيل والعقبات امامه من خلال زعزعة الاوضاع وضرب وحدة المجتمع واثارة القلاقل الطائفية ونشر الارهاب واشعال الحروب، بدعم ورعاية مباشرة او غير مباشرة من الدول الغربية الكبرى ذات المصالح والمشاريع الاستراتيجية في المنطقة.. فعندما تطرح الولايات المتحدة الاميركية مشروعها الاستراتيجي المسمى "الفوضى الخلاقة" لاعادة ترتيب المنطقة وفق مصالحها، فانها لا تتدخل فيها بصورة مباشرة كما فعلت عام 2003 عندما غزت العراق، بل تصل الى اهدافها عن طريق قوى محلية وميليشيات مسلحة وحتى عن طريق الدول الدائرة في فلكها. ولم يكن غزو العراقي وتسليم السلطة لايران على طبق من فضة من خلال الاحزاب والميليشيات الشيعية الموالية لها الا نقطة انطلاق لامتداد الفوضى والتناحر والاقتتال الداخلي الى المنطقة وبشكل خاص سوريا ولبنان واليمن، اولا؛ بهدف الابتزاز والقرصنة ومن ثم انهاك الشعوب وتدميرها نفسيا واقتصاديا واجتماعيا تمهيدا للرضوخ للامر الواقع الاستعماري الجديد والقبول بالتقسيم.