محمد المسلماني: المحسوبية والشللية تسيطران على الحركة التشكيلية 

الفنان التشكيلي يرى أن الحركة التشكيلية في مصر تشهد حراكا واسعا لكنه حراكا فرديا وليس جماعيا.
من البورتريه إلى المشاهد الريفية ومن والتصميم إلى الأعمال اليدوية من حلي وإكسسوارات ومعلقات
في وجوهنا تكمن أشياء كثيرة عن الحب والكره والشدة واللين والقسوة والعطف

على الرغم من شهرته كفنان بورتريه له ملامحه ورؤاه الخاصة في التشكيل، إلا أن البورتريه لدى الفنان محمد المسلماني ليس سوى جانب من جوانب عالمه الذي ينطلق من الروح الريفية بكل ما تحمله من بساطة وتلقائية وانفتاح بصري وجمالي على العالم، فقد ولد في محافظة البحيرة في قلب الدلتا شمال القاهرة، ومن ثم تعددت المؤثرات في حياته وكان من أهمها الطبيعة التي نشأ فيها في الريف وتلك التركيبة الاجتماعية التي تميز المجتمعات الريفية وما تزخر به من موروثات شعبية وتقاليد وعادات فضلا عن الانفتاح البصري على مفردات الطبيعة، وهو ما أثرى جملته البصرية عبر عنها في تكوينات درامية استخدم فيها خامة الألوان المائية والأحبار وأقلام التحديد وغيرها من التأثيرات المختلفة التي تنشأ من معالجة الالوان المائية أحيانا أو تنشأ عن معالجة السطح الورقي المستخدم مع تلك الخامة. 
وفي مرحلة أخرى اتجه المسلماني إلى استخدام ألوان الزيت وألوان الاكريليك، ومع تنوع الخامات اتجه إلى اختزال الأشكال المركبة التي كان يستخدمها في الألوان المائية، إلى التعبير عن الحالات المختلفة للوجوه المصرية مستخدما إمكانيات ألوان الزيت والاكريليك من خلال أسلوبه البسيط في صياغة البورتريه لتحمل أعماله الكثير من المعاني والمضامين البصرية.
إذن تمتد أعمال المسلماني من البورتريه إلى المشاهد الريفية والتصميم إلى الأعمال اليدوية من حلي وإكسسوارات ومعلقات، وقد عمل بوظيفة معيد بقسم التصميمات الزخرفية بكلية التربية الفنية جامعة حلوان وحصل علي الماجستير 2003، ثم حصل علي درجة الدكتوراه في فلسفة التربية الفنية تخصص تصميمات زخرفية عام 2009، ويعمل حاليا بتدريس مادة التصميمات الزخرفية.
يقول المسلماني في حوارنا معه على هامش مشاركته ببينالي شرم الشيخ الدولي للفنون في دورته الثالثة أنه اهتم في أسلوبه بالاتجاه التعبيري من خلال رسم وجوه الأشخاص من الحياة، فالوجه في رأيه "تذكرة عبور نحو دواخلنا ومكنوناتنا. ويضيف "في وجوهنا تكمن أشياء كثيرة عن الحب والكره والشدة واللين والقسوة والعطف، وكلها أشياء تجعلنا نصدر أحكاما مبدئية عن الأشخاص في حياتنا، هذه هي مصادر الإلهام في أعمالي. وهي تركز على رؤى بداياتي الريفية حيث الجمال في الوجوه شفيفا وبسيطا ومعبرا سواء هذه الوجوه للفلاحات أو الفلاحين. في بداية الأمر كانت الوجوه عندي مجردة ثم أخذت في التطور وحمل سمات شبه حقيقية لكنها ظلت تحوم حول التجريد، وجوه مستطيلة وأخرى دائرية وعيون واسعة وأخرى ضيقة، جبهات عريضة وأخرى ضيقة، كلها تحمل سمات مصرية خالصة من حيث الاكسسوارات التي ترتديها المرأة في مصر كالحلق والعقد والإيشارب، كذلك تسريحة الشعر".

ويركد المسلماني أن كل هذه التعبيرات للوجوه من خلال ألوان ناصعة وزاهية بها الكثير من القوة والنصوع مع بعض الملامس التي تغير من رؤيتنا للون وتجعله في حالة متحركة تخدع العين لتعبر عن وجه الفلاحات والعاملات وربات البيوت بكل ما تحمله من مشقة وحب للحياة وللبيت. إنها وجوه مصرية حالمة في مشوار الحياة تكافح من أجل العيش، هذه الحالة التي دائما ما أسعى إلى تحقيقها في أعمالي.
ويلفت المسلماني إلى أن مصادر الفنان تتعدد وتتنوع، منها ما هو نابع من ثقافته وبيئته، ومنها ما هو مأخوذ من مدارس الفن واتجاهاته، وفي الحقيقة كل هذه الممارسات والاتجاهات هي دوافع قوية للفنان، فعلى سبيل المثال أحببت التجريدية والتأثيرية وبالأخص أعمال فان جوخ ومن بعده أعمال موندريان وخوان ميرو وإيشر وفازاريلي، كلهم كاتجاهات استطعت أن أتعلم منها كيف يكون اللون وكيف يتحرك على سطح العمل، وهناك الكثير والكثير من الفنانين والمدارس الفنية التي دائما ما تحرك الوازع الفني لدي لأتعلم وأجود في أعمالي.
ويرى المسلماني أن الحركة التشكيلية في مصر تشهد حراكا واسعا لكنه حراكا فرديا وليس جماعيا، فالفنان هو المنتج للعمل الفني والمسوق له، وهذه مسألة غاية في الصعوبة حيث تهدر وقت الفنان وتجعله لا يركز في تجربته الفنية. فلا يوجد في مصر "مسوق للفن"، "أرت كوليكتور" وهذه الوظيفة مهمة جدا في الحراك الفني، إلى جانب التقصير في التوسع في الملتقيات الفنية بين مصر ودول العالم. لقد أصبحت إقامة الملتقيات تقوم على أفراد فقط وبمجهودات متواضعة، وهذا الجهد يحسب لصاحبه، فأين الدولة؟ إننا نفتقد دعم المؤسسات والهيئات الثقافية والتي من دورها رعاية مثل هذه الملتقيات وتجديدها على مدار العام. إن الفن في مصر ينمو بشكل جيد لكن لا يجد من يرعاه وإن وجد فهو لمحسوبية أو شللية ولكن ليس بشكل علمي مدروس.
ويشدد المسلماني على أن الدولة ممثلة في وزارة الثقافة تملك من المقومات ما تستطيع أن تفعل بها الكثير والكثير، لكن لا يوجد توجيه، ومن ثم يظل الفنان وحيدا يصارع من أجل البقاء والمحافظة على تطور أسلوبه واتجاهه ومتابعة أعماله في الجاليري وتسويق هذه الأعمال ليكسب لقمة عيشه. نعم الفن هو الحائط الأخير للنمو بهذا البلد ونشر ثقافته دوليا وعالميا وقبل ذلك محليا من أجل رفعته ونهضته.
ويشيد المسلماني ببينالي شرم الشيخ الدولي مؤكدا أنه مبعث فخر، فهو يقوم على مجهود فنان يعبر عن حب بلده ويعطي لها من فكره وجهده لرفعتها من خلال خلق حالة استثنائية من التفاعل البناء بين فنانين مصريين وأوروبيين، ويقول "إنها المرة الثانية لي للمشاركة في البينالي فقد شاركت في دورته الأولى عام 2013 حيث اجتمع 50 فنانا مصريا وأوروبيا في مدينة السلام شرم الشيخ كما هو الحال الآن، ليجري هذا التفاعل والتبادل الثقافي الثري الذي نشهد الآن. وإنني أتمنى أن يأخذ البينالي دوره في الرعاية الكاملة من الجهات المعنية ويتوسع في نشاطاته ويضم عددا أكبر من الفنانين المصريين والأجانب. كونه يمثل حالة جادة ومهمة في الحركة التشكيلية المصرية بعد سنوات عانت فيها هذه الحركة من الركود وتفشي المحسوبية والشللية التي ـ للأسف ـ مازالت مسيطرة حتى الآن.