محنة الكاتب والمؤرخ العراقى توفيق التميمي

التميمي تعرض للاختطاف لحظة توجهه من منزله لمقر عمله بجريدة "الصباح" العراقية ببغداد في شهر مارس الماضي.
انشغال التميمي بقضايا وطنه العراق ساقه لمصير مجهول
التميمي ارتبط بحالة عشق خاصة مع مصر والمصريين

التقيته كثيرا في الأقصر وفي أسوان جنوبي مصر، لكن خلال لقائي الأخير به نهاية العام الماضي 2019، وسط معابد ملوك وملكات مصر القديمة، بمدينتي الأقصر، شعرت بالخوف عليه، وانتابني القلق جراء خشيتي من أن يتعرض لسوء بعد أن شعرت أنا وأصدقائه من المصريين، مدى حماسته لثورة الأشقاء بالعراق، وحجم ما يحمله من حب لوطنه، وانشغال بحاضره ومستقبله. وقتها عبرت له عن ذلك الخوف الذي ينتابني عليه جراء مواقفه الوطنية اللافتة.
إنه أستاذي وصديقي الكاتب والمؤرخ والإعلامي العراقي توفيق التميمي، الذي تعرض للاختطاف لحظة توجهه من منزله لمقر عمله بجريدة "الصباح" العراقية ببغداد في شهر مارس/آذار الماضي. وقد عرفته عراقيا مخلصا لبلاده، ينبذ الطائفية ويحب العراق بكل مكوناته، ويعشق كل ذرة من ترابه، وهو عشق يجعلنا نظل متمسكين بالأمل بعودة التميمي لنا ولعائلته ولأحبته ولقلمه.
لازلت أتذكر توفيق التميمي وهو يرفع علم العراق عاليا طوال فعاليات مهرجان طيبة الدولي للفنون التلقائية ومسرح الطفل، خلال دورات المهرجان في مدينتي الأقصر وأسوان، حيث يحرص في كل زيارة لمصر أن يحمل معه علم العراق، وفي أي مدينة تطأها قدماه يبحث في السوق عن سارية لعلم بلاده  ليكون مرتفعا خفاقا عاليا.
التميمي ارتبط بعلاقة عشق خاصة مع مصر والمصريين، واعتاد زيارتها كل عام مع كوكبة من مبدعي العراق الشقيق، واصفا تلك الرحلة بأنها "رحلة الحج إلى مصر". وهو يرى أن مصر في مقدمة البلدان العربية التي نجحت في الحفاظ على تراثها وتاريخها.  

iraq
عشق يجعلنا نظل متمسكين بالأمل بعودة التميمي

توفيق التميمي، روى لي في مقابلة صحفية أجريتها معه لصالح وكالة الأنباء الألمانية "د. ب. أ" قبيل اختطافه بشهور، أن العراق فقد الكثير من الوثائق والمخطوطات والآثار التي كانت مصدرا لتوثيق الذاكرة العراقية، والحفاظ على تلك الذاكرة بكل تصنيفاتها من التلف والنسيان، مشيرا إلى أن التاريخ لا يكتب المذكرات الشخصية والشهادات الشفاهية، وإنما بالمخطوطات الموروثة والوثائق الصحيحة والآثار العمرانية والمكانية.
وأكد على أن الحاجة باتت ماسة لحماية الذاكرة العراقية من ضعف الوعي العام لدى الشعب العراقي في الاهتمام بذاكرته التاريخية والشعبية والحفاظ عليها، عبر مؤسسات حكومية تحفظ للذاكرة العراقية مكانتها، وهيبتها وحقيقتها بلا تشويه، كى تقدم ناصعة للأجيال القادمة، مؤكدا على أن وجود أي شعب ووطن بلا ذاكرة يعني أنه سيظل وطنا وشعبا بلا هوية.
وحول جهود الحفاظ على الذاكرة الجمعية العربية، قال التميمي بأن تلك الجهود تتفاوت وتتباين من بلد لآخر، وأن مصر تحتل المركز الأول – بحسب قوله – بين البلدان العربية في الحفاظ على ذاكرتها التاريخية والشعبية. وأن المصريين نجحوا في الحفاظ على ذاكرتهم الموروثة في مختلف العصور، واحتفظوا بالمعالم والآثار التي تركها كل الغزاة، ولم يقوموا بمحو تلك المعالم والآثار، وحافظوا عليها كذاكرة لهم، حيث ذهب الغزاة وبقيت تلك المعالم والآثار للمصريين، وإن شارع القاهرة الفاطمية ربما يظل شاهدا بكل آثار ومعالمه ورسومه ومنمنماته على ثلاثة عصور كانت متصارعة على أرض مصر.
الكاتب والمؤرخ العراقي توفيق التميمي، الذي جعل من الحفاظ على الذاكرة العراقية مشروعا ثقافيا خاصا له، قال بأن العمل في مجال صون الذاكرة العراقية يظل حقلا شاغرا، وأنه كانت هناك محاولات فردية من قبل رواد الثقافة العراقية للتأسيس للذاكرة العراقية قبيل عقود، ومن بين هؤلاء المؤرخ العراقي اليهودي مير بصري الذي كان من أبرز من وضع أسس توثيق الذاكرة العراقية.
وحول الفترة الأكثر ازدهارا في الذاكرة العراقية، قال الكاتب والمؤرخ العراقي توفيق التميمي، إنه ومن خلال ما اطلع عليه من وثائق ومخطوطات وصحف عراقية بجانب مخطوطات الحكومة العراقية، يستطيع القول بأن فترة العهد الملكي التي دامت 38 عاما، هي من أزهى الفترات في تاريخ العراق المعاصر، وأكثرها ثراءً وخصبا.
حيث شهدت تلك الفترة بحسب قوله، ازدهار الحياة الاجتماعية والثقافية بالعراق، ففي بغداد وحدها كان يوجد 169 دار عرض سينمائي، وفي شارع الرشيد كان هناك 61 مكتبا للخطاطين الذين كان على رأسهم هاشم الخطاط الذي اعتبر شيخ لخطاطي العالم.
كما تعددت الصحف والمجلات وانتعشت البعثات التعليمية الخارجية في ذلك العهد، وظهر رموز النهضة العراقية الحديثة في الأدب والمسرح وكل فروع الثقافة والفنون، مثل رائد المسرح العراقي حقي الشبلي، ورائد علم الاجتماع العربي الدكتور علي الوردي، والعلامة مصطفى جواد المتخصص في التاريخ واللغة العربية وعلومها، والمؤرخ جواد علي.

 

وتابع التميمى بالتأكيد على أنهم كمثقفين عراقيين، يعملون اليوم على ترميم الذاكرة العراقية وأحداثها، وتحريرها من التشوهات الأيديولوجية الحاكمة والمحكومة، وجمع شتات ما تبقى من المخطوطات والصحف القديمة وذلك من أجل وضع تاريخ عراقي غير مزور.
يذكر أن توفيق التميمي، كاتب ومؤرخ عراقي، مشغول بتوثيق الذاكرة العراقية، عبر الكتب والبرامج الوثائقية التليفزيونية، أصدر عشر مؤلفات تتناول أهم محطات الذاكرة العراقية خلال الفترة من 1921 وهو تاريخ تأسيس الدولة العراقية في عهد الملك فيصل، وحتى نهاية العهد الجمهوري الثاني، وحكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ويمارس الكتابة في عدد من الصحف والدوريات العراقية والعربية، بجانب تقديمه للبرنامج الوثائقي "سيرة في الميزان" على شاشة إحدى الفضائيات العراقية.