مدلولات فوز قيس سعيد

وددت لو أني شاعرة مُجيدة لكي أقول في تونس أكثر من الياسمين.

كان مرشحا الرئاسة التونسية ندين متكافئين ولم يتوقع أحد الفرق الكبير بين الأصوات التي حظي بها كل منهما، مما يشير بوضوح الى إرادة الشعب التونسي وهي "نريد رئيسا نزيها". وانطبق هذا الوصف على سعيد لأن نظيره متهم بغسيل الأموال والتهرب الضريبي. ولا شك أن نظافة اليد أهم مقوم من مقومات الشخصية القيادية، فإذا ما أضيف اليه سعة الاطلاع وثراء العلم والمعرفة، فإن الكفة مالت بشدة الى صالح هذا المرشح لقيادة الدولة.

لا تريد الشعوب رجلا عصريا متعمقا في ثقافة الغير ومتبنيا لها ولا رجلا ضليعا في العمل التجاري وفنونه وألاعيبه ولا رجلا يتردد على مناطق الفقراء ليوزع عليهم مساعدات، ولا رجلا ينادي بتحرر المرأة فيفرض النطيحة والوقيعة والمتردية على مناصب عليا لسن كفؤا لها، ولا رجلا يتمسك بالقشور والمظاهر دون جوهر الأمور، وما أدراك ما جوهر الأمور.

جوهر الأمور هو القانون وتنفيذه وتطبيقه على علية القوم قبل صغارهم، وحفظ الحقوق وإعطاء الفقير حصته من ايرادات الدولة بحكم القانون وليس كيس دراهم يرميها المسؤول في حجر الفقير فيهدر كرامته، والضرب على يد من يهضم حقوق المرأة والطفل ويفرض زعامته عليهما بوصفه "ذكر" فضله الله على الأنثى، وتطبيق القانون والمحاسبة والمساءلة بأثر رجعي، وليس منذ تاريخ حكم الرئيس الجديد، فالخراب سابق على هذا التاريخ بسنوات بعيدة، وجوهر الأمور هو تحديث أنظمة التحصيل الحكومي وتفويت الفرصة على الأيادي الطويلة لنهب المال العام وهو حرية التعبير والنشر لكي يعرف الشعب حالات الفساد التي تجري خفاء، والتعامل معها بحزم، وهو منع تعيين أبناء الذوات في المناصب لأنهم أبناء ذوات فقط، وتوفير التعليم والعلاج المجاني لكافة المواطنين، وتقليل الفرق بين الرواتب، فليس هناك آدمي يستحق أضعاف أضعاف ما يأخذه الآخرون وجوهر الأمور هو برلمان قوي يجلب المسؤول ويحاسبه ويعزله إذا ثبت خطأه وباختصار، فإن جوهر الأمور هو ما تفعله الدول الاسكندنافية لشعوبها.

لقد عبر التونسيون عن تصورهم للقائد الذي يريدونه، وهو التصور المنبثق عن ثقافة شعبية راقية، لأن الناخب الواعي يعرف من يجب عليه أن  يختار بصرف النظر عن القبيلة والعشيرة. فالشعب التونسي تجاوز العشائرية والقبلية منذ عقود، وقد ارتبط اسم تونس لدى ذاكرة العالم بحادثة لا ينسونها وهي قيام رجل باحراق نفسه احتجاجا على الفقر، فقام الشعب بعزل حاكمهم. فتغير مفهوم الحكم والحاكم لدى الشعوب العربية قاطبة، وأدركوا للمرة الأولى أن الحاكم ليس مقدسا وهو موجود لخدمة الشعب بعد أن وقر في قلوبهم منذ قرون أن الحاكم موجود للتقديس والطاعة العمياء وإخلاء موائد الناس وتعمير مائدته.

قيل الكثير في تونس، وسجن شاعر في قصيدة غزلها بفيض مشاعره في حب تونس، وهي قصيدة "الياسمين". وددت لو أني شاعرة مُجيدة لكي أقول في تونس أكثر من الياسمين.