"مدينة الحوائط اللانهائية" تقلب دور شهريار 

مجموعة طارق إمام القصصية عبارة عن مجموعة من الحكايات بلغ عددها 37 حكاية مقسمة إلى ثلاثة أجزاء.
الحكايات كأنها اقتطعت من ألف ليلة وليلة
مجموعة حكايات تأخذك إلى عالم غرائبي عجيب يحمل سحرا خاصا

بقلم: ليلى عبدالله

بلغني "ذات يوم كانت هناك مدينة، قرر أهلها أن تصير بيتًا، لأنهم أرادوا أن يصبحوا إخوةً رغم خصام الدم.. فحطموا حوائط بيوتهم وصنعوا أربعة حوائط هائلة لتصير المدينة كلها، بينها، بيتهم... صاروا جميعًا أسرة واحدة، أو هكذا اعتقدوا".
هكذا ابتدأ طارق إمام مجموعته القصصية "مدينة الحوائط اللانهائية" الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية للنشر في 272 صفحة، وهي عبارة عن مجموعة من الحكايات بلغ عددها سبعا وثلاثين حكاية مقسمة إلى ثلاثة أجزاء: نساء مدينة الحوائط، رجال مدينة الحوائط، وغرباء مدينة الحوائط.
وكأنها اقتطعت من ألف ليلة وليلة، مجموعة حكايات تأخذك إلى عالم غرائبي عجيب يحمل سحرا خاصا، سرد تخيلي يقومُ على مفهوم الزمكاني. إذ يطوفُ فيه القارئ في زمان غير الزمان ومدينة لا تشبه كل المدن حيث اختار أهلها أن يعيشوا كأسرة واحدة إلى أن سقطوا قتلى الواحد تلو الأخر ولم يتبقَ إلا اثنان، امرأة ورجل فقط  كلاهما القاتل والضحية، منهما تتكون مجموعة بشرية جديدة، ويبداُ نسل جديد يسكنه الخوف فبني كل منهم حائطا يحميه من الآخر إلى أن بدت المدينة تشبه المتاهة بحوائط لا نهائية وبيوت دون أسقف أو أبواب.
افتتح طارق إمام مجموعة قصصه بحكايات نساء مدينة الحوائط واضعا عنوانا لكل حكاية، فكانت حكاية المرأة ذات العين الواحدة مُنطلقَ الأحداث تتالت بعدها الحكايات وتوالدت الشخصيات نذكر مثلا الساحرة المعمرة وصانع الفخار الذي صنع تمثالا لحبيبته التي لا تنظر للأعلى ثم كانت حكاية العاهرة التي باعت شعر رأسها ليلا مثالا عن الصراع الأزلي بين الجمال والزمن فبمجرد أن أعطت جسدها للمرة الأخيرة لحبيبها الأول حدثت المعجزة وعاد شعرها أسود كالسابق. 

أما عن رجال المدينة فمثلوا الجزء الثاني من الحكايات فتنوعت الشخصيات فكانت هناك حكاية الاسكافي المجنح والحذاء الذي يتكلم وحكاية العجوز الذي يتذكر المستقبل وحكاية ظل الشيطان التي تعود بنا إلى الخطيئة الأولى وكيف أن حواء هي سبب خروج آدم من الجنة بعد أن أغوته بالأكل من الثمرة المقدسة.
وحمل الجزء الثالث حكايات غرباء المدينة فلا يمكن أن تكون هناك مدينة دون أن يكون لها زوار من خارجها فكان أغلبهم باعة مثل بائع الساعات وبائع الوجوه الذي بلا وجه والسقاء صاحب القربة المليئة بالدموع وحكاية قراصنة نهاية العالم.
هذه الوفرة من الشخصيات والأحداث المتخيلة التي حُبكت في المادة السردية على منوال ألف ليلة وليلة تجعلك تأتي على هذه الحكايات في نفس واحد. هنا نحن لسنا في حضرة شهرزاد بل أمام راوٍ متمرس عليم بخفايا مدينته وشخوصها، حكاء ماهر ألهمه الموروث الأدبي والتراث الشفهي المتناقل من جيل لآخر فكتب مجموعة حكايات منفصلة عن بعضها البعض في الشكل لكنها مترابطة بخط سردي واحد مما يتيح للقارئ إمكانية قراءتها بشكل منفصل أو بشكل مسترسل. 
رافقت مجموعة طارق أمام رسوم للفنان صلاح المر تصدرت بداية كل حكاية لتكون جزءا من النص فكانت غالبا لوحات لبطل كل حكاية، في محاولة لإيجاد قناة التواصل بين البصري والمقروء.
جعل طارق إمام من كتابه منبعا لا نهائيا للحكايات لعب فيها دور شهريار ببراعة، نقل لنا أحداث مدينة الحوائط والتي هي في الحقيقة الوجه الآخر للمدينة التي نعيشها الآن بكل تناقضاتها وتناقضات شخوصها.
كاتبة تونسية