مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا تسعى لحل التحديات الاستراتيجية التي تواجه المجتمع

شريف صدقي يوضح أن الفكرة الأساسية في المدينة هي البحث عن الطالب الموهوب المتميز ونضعه داخل المنظومة كي نحفز الفكر النقدي الابتكاري لديه.
الطالب منذ التحاقه بالجامعة يمكنه الدخول إلى المعاهد البحثية وإجراء بحوثه
لا بد أن يكون لدينا تأثير قوي على المجتمع

يصعب على المرء أن يصدق في ظل التخبط في منظومة التعليم في مصر قبل الجامعي والجامعي، أن هناك صرحا تعليميا كبيرا كـ "مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا" تمكن من الاستقلال في رؤاه وأفكاره لبناء عقليات علمية تستطيع سد الفجوة بين الأكاديمي والعلمي والصناعي والمجتمع، وأن يكون اختيار طلابها وأساتذتها وفقا لقواعد علمية ربما لا تتوفر في الجامعات الأكثر عراقة، فليس مجرد حصول الطالب على مجموع كبير في المرحلة الثانوية كافيا لقبوله، وليس مجرد ترقي الأستاذ من دكتور إلى أستاذ مساعد وأخيرا أستاذ يؤهله للتدريس بجامعة المدينة ومعاهدها البحثية، إذ لا بد من تمتع الطالب بفرادة في الاستجابة العلمية والأستاذ بالعمل البحثي العلمي المبتكر تنظيرا وتطبيقا، وقادرا على تحفيز الطلاب على الابتكار والاختراع. 
هذه المدينة التي واجهت منذ انطلاقها العديد من المشكلات والتحديات لكنها استطاعت بفضل إرادة أعضاء المجلس الاستشاري الأعلى لها من العلماء على مستوى العالم وإيمان المؤمنين بدورها من داعميها المصريين والعرب، أن تتجاوز الكثير ومضت قدما في عملها الذي أسست من أجله.   
يقف في صدارة هذا الصرح العلمي د. شريف صدقي الرئيس الأكاديمي السابق للجامعة الأميركية بالقاهرة، الحاصل على 13 براءة اختراع علاوة عن مقالاته العلمية وأبحاثه ومؤلفاته، وفي مقدمتها كتابه عن التقنيات المختلفة لاندماج النظم الكهروميكانيكية الدقيقة مع الدوائر الكهربائية المحفزة. 
وقد التقينا د. صدقي أثناء إعلان مؤسسة شومان للبحث العلمي لجوائزها للعام 2018، وكان الاتفاق على الالتقاء بمدينة زويل بالقاهرة لإجراء هذا الحوار والتعريف على رؤاه العلمية وما تمثله المدينة لمستقبل مصر العلمي. 

ابتكار مستشعر حيوي جديد عالي الكفاءة يعمل على قياس تركيز الجلوكوز في الدم بدقة عالية تفوق الأجهزة المتاحة بالأسواق

يوضح د. صدقي أن الفكرة الأساسية لدينا في المدينة هي البحث عن الطالب الموهوب المتميز ونضعه داخل المنظومة كي نحفز الفكر النقدي الابتكاري لديه، وفي نفس الوقت نسلحه بالعلوم الأساسية، هدفنا أن لدينا فجوة كبيرة جدا بين الأكاديمية والصناعة، والأكاديمية والمجتمع، هناك فجوة كبيرة جدا، حاجات المجتمع لا تتوفر عن طريق الأكاديمية، كلها حلول مستوردة من الخارج، لذا لا بد أن تعتمد على الأكاديمية لحل مشاكلك وتبني لك صناعتك، وتمتلك حق المعرفة، تمتلك كل القوى الناعمة والخشنة، لذا فإن عبور الفجوة بين الأكاديمية والمجتمع لدينا أمر أساسي، وبالتالي لا بد لخريج المدينة أن تكون لديه روح ريادة الأعمال. 
نحن نغير مجتمعا، نغير فكر مجتمع، وبالتالي لا بد أن يكون لدينا تأثير قوي على المجتمع، هذا كلام نظري، فماذا عن التطبيق؟ أول سؤال: هل هي مدينة أم جامعة؟ لا يوجد شيء اسمه جامعة زويل، هناك مدينة زويل؟ لماذا هي مدينة؟ لأنه لكي نحقق ما أشرت إليه أنفا، لا بد أن تكون هناك مكونات مختلفة، في قلب المدينة هناك جامعة، اسمها "جامعة العلوم والتكنولوجيا"، وهذه الجامعة تم بناؤها بمفهوم مختلف، أي جامعة في الدنيا عبارة عن كليات وأقسام، وحدود بين التخصصات المختلفة، أي كل تخصص في عزلة عن التخصص الآخر، نحن ألغينا فكرة العزلة هذه، فأصبح المهندس اليوم لا بد أن يتحدث مع الكيميائي والفيزيائي ورجل الأعمال وأستاذ العلوم الإنسانية والاجتماعية والطبيب، ليس هناك حصر في تخصص، فالتخصصات البينية هذه هي المستقبل ولكي تحققها من الصعب أن تحققها في جامعة قائمة لأنك لن تستطيع الجمع بين التخصصات المختلفة، فكان القرار أول خطوة إزابة الحدود بين التخصصات المختلفة، فتم بناء جامعة بدون كليات أو أقسام، ومجموعة من البرامج الأكاديمية البينية.
ويضيف د. صدقي "قدمنا خليطا بين التخصصات الهندسية والعلمية التي تواكب أحدث ما توصل إليه العلم على مستوى العالم، وقنا نعطي درجة البكالوريوس في النانو تكنولوجي والطاقة المتجددة وهندسة البيئة وهندسة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والعلوم الطبية الحيوية وعلوم النانو وفيزياء الأرض والكون وهندسة الفضاء، ولاكتمال المنظومة ربطنا كل برنامج من هذه البرامج بمعهد بحثي يناظره، هذه المعاهد البحثية الثمانية هدفها العمل على إنجاز بحوث تطبيقية تمثل حلولا للمشاكل والتحديات التي تواجه المجتمع والدولة على المستوى الاستراتيجي مثل فيروس سي، والسرطان، والأمراض المتوطنة، الطاقة المتجددة، البيئة، التلوث.. إلخ". 

وتساءل د. صدقي: كيف ستخرج هذه البحوث التطبيقية، الحلول، للمجتمع؟ ويقول "يأتي ذلك من خلال (هرم التكنولوجيا) وهي الأداءة التي تأخذ إنجازات البحث العلمي وتحولها إلى منتج صالح للتداول في المجتمع، انطلاقا من عمل حماية الملكية الفكرية، ودراسات الجدوى، التواصل مع الممولين بحيث يمكن أن تتحول لشركة، أو التواصل مع الشركات واستقطابها للعمل بهذا المنتج الجديد. هذه المركبات الثلاثة: الجامعة، المعاهد البحثية، وهرم التكنولوجيا، تشكل عصب المدينة، وبفضل المناقشات التي أجريناها مع الدولة ووزارة التعليم العالي والمجلس الأعلى للجامعات، وحصلنا موافقة معادلة درجة البكالوريوس في العلوم والهندسة التي تمنحها جامعة العلوم والتكنولوجيا بمدينة زويل التي تمثل مشروعا مصريا قوميا للنهضة التعليمية.

ويؤكد د. صدقي أن الطالب منذ التحاقه بالجامعة يمكنه الدخول إلى المعاهد البحثية وإجراء بحوثه، وعندما يتخرج تجده قد نشر بحثا على المستوى الدولي، أو أسس شركة. ومن ثمة يمكن القول إن هناك تعديلا كبيرا في منظومة التعليم العالي والبحث العلمي، لذا كان التفكير في النزول للتعليم الأساسي وإضافة مركب رابع بتأسيس مدرسة في المدينة، وبحثنا في مشاكل التعليم الأساسي داخل المنظومة التعليمية والتي تتمثل في المدرس ونظام المدرسة والمقرر، وكانت الحلول وضع الطفل في بيئة تسمح له باكتشاف قدراته ومواهبه وتمكنه من التفكير والإبداع، دون إكراه أو توجيهه نحو مسار إجباري.
وحول ترجمة هذا كله إلى واقع، يوضح د. صدقي "أولا الأرض 200 فدان، وقد تم تصميم المدينة بما يساعد على تحقيق رؤية ومهمة المدينة من خلال هيكل يوحد محاور المدينة الخمسة، في القلب هناك الجامعة على شكل قوس خارج منه إشعاع تمثل المراكز البحثية تحمل دلالة التواصل بين الجامعة والمراكز البحثية، والمبنى الثقافي والإداري، والمبنى السكني للطلاب وهو سكن فندقي يضم ألف غرفة تستوعب ألفي طالب، واخترنا للمدرسة موقعا يواجه القرية الكونية، وهناك مبنى المعامل، أيضا المساحات الخضراء التي حول المدينة وداخلها نجري على تربتها بحوثا لكي نسترزعها بأشجار مثمرة، إنها منظومة متكاملة يتشكل داخلها الطالب ومنتجه العلمي الذي يخرج عبر هرم التكنولوجيا إلى العالم الخارجي. المدينة مفتوحة لطلاب مصر كلها إذ ليس لدينا توزيع جغرافي، فطلابنا يمثلون كل مكان في مصر، وهي تعتمد على التبرعات، التي تسد الفجوة بين تكلفة الطالب الحقيقية وما يدفعه من مبالغ تعد رمزية.
ويلفت د. صدقي إلى أن مجموع الطلاب في الثانوية العامة لا يدل على نبوغ أو إمكانيات الطالب، فالمجموع نتيجة الدروس الخصوصية والحفظ والتلقين والتدريب، لذا فإن الاختيارات تتم وفقا لمقاييس واختيارات، في مقدمتها مجموع العلوم الأساسية "الكيمياء والفيزياء والأحياء والرياضيات"، ونرى إن كان مجموع الطالب الكلي قادم من مجموع هذه المواد أم من غيرها كاللغة العربية والفرنسية والانجليزية، ثم يكون اختبار القبول الأول الذي يمتحن مدى فهم الطالب للعلوم الأساسية، ثم لقاء شخصي مع الطالب للكشف عن ميوله ومدى استجابته، واختبار تحديد مستوى في اللغة الإنجليزية، بالنهاية النتيجة قد تكون غير متوقعة فطلاب مجموعهم في الثانوية العامة 100% أو 95% أو 90% لا يتم قبولهم في حين طالب حاصل على 83% يتم قبوله، ومن ثم فإن اختبارات القبول يتم من خلالها غربلة الطلاب للحصول على الطالب النابغة، والمقبولون هذا العام يمثلون 25 محافظة. 
ويؤكد د. صدقي أنه تم تصميم مكتب للإرشاد المهني لتساعد الطلاب على اكتشاف المهن واتخاذ القرارات، وتعتبر فرص التدريب في مجال الصناعة مكونا إلزاميا في جميع برامج الجامعة العلمية والهندسة، حيث يجب على الطلاب الانضمام إلى إحدى المؤسسات الصناعية لتقوية مهاراتهم العلمية، وقد تعاون المكتب مع الكثير من المؤسسات الرائدة على المستويين الدولي والمحلي لضمان توفير فرص تدريب للطلاب. كما يتم اختيار طلاب المدينة كل عام لحضور فترة تدريبية في مؤسسات صناعة كبيرة مثل حديد عز وفاركو وتوفارتيس ومالتي آبكس ومجموعة بارفاريان وغبور للسيارات وكيميكال بارتنرز وبروكتر آند جامبل ويونيفرسال ونستله ومصر للطيران. كما تحرص الجامعة على التعاون مع مؤسسات متخصصة ومعاهد بحثية عربية وعالمية.
ويشدد على أن المدينة تسعى إلى تسخير البحث العلمي لإيجاد حلول علمية ومبتكرة لمشكلات المجتمع المصري، ومن ثم عبور الفجوة ما بين الأكاديمي والمجتمع، وتحقيق حق الملكية الفكرية بعيدا عن النقل والتقليد من أميركا أو الصين أو غيرهما، وقد نجح طلابها وباحثوها في تقديم مجموعة من الابتكارات الحديثة في مجالات مهمة مثل علاج الأمراض المتوطنة مثل فيروس سي ومرضى السكري، والتلوث البيئي الناتج عن حريق المخلفات وتحسين جودة مياه المزارع السمكية وزيادة الانتاج وغيرها من الموضوعات الاستراتيجية التي تمس قطاع عريض من المجتمع المصري والعربي.
ويكشف د. صدقي عن إنجازات الطلاب والأساتذة "أن طلاب قسم الهندسة الهندسة بالمدينة بتصميم وتصنيع ذراع روبوت بست درجات حرية (DOF)  للقيام بعملية تجميع وتركيب بأعلى درجة من الكفاءة من حيث قابلية التحقيق والمناورة والتحكم وجودة التصنيع والتصميم، وبينما يصل سعر هذا الروبوت في السوق إلى أكثر من 1500 دولار يقدر سعر روبوت مدينة بـ 300 دولار فقط، ويعد الروبوت أداة رائعة يمكن استخدامها لأداء أية مهمة في مجال الصناعة وخطوط التجميع ومجالات البحث العلمي المختلفة والتجارب وضمان الدقة والكفاءة. ويستخدم الجهاز رقائق جزيئية رقمية لإتاحة الاختبار في نقطة الرعاية الذي يمكن إجراؤه في أي مكان بتكلفة أقل من 25 دولارا وهي تكلفة منخفضة جدا مقارنة بالتقنيات المتاحة التي قد تكلف أكثر من 100 دولار للحصول على نتائج تحاليل مماثلة.
وتوصل طلاب قسم تكنولوجيا النانو إلى تكنولوجيا جديدة لاكتشاف فيروس التهاب الكبد الوبائي بتطوير جهاز موفر للتكلفة والوقت يقوم بكشف عدة أمراض منها التهاب الكبد الوبائي والإيدز عن طريق أخذ عينة دم فقط. وكذلك تم التوصل إلى ضمادة نانونية ذكية متعددة الطبقات واقتصادية لمعالجة فعالة لجروح مرضي السكري، وكما تم تطوير حبيبات صديقة للبيئة مصنوعة من مواد قابلة للتحلل لتنقية المياه الجوفية من المعادن الثقيلة مثل الحديد. 
وفي تعاون مشترك بين أقسام علوم المواد وتكنولوجيا النانو تم ابتكار مستشعر حيوي جديد عالي الكفاءة يعمل على قياس تركيز الجلوكوز في الدم بدقة عالية تفوق الأجهزة المتاحة بالأسواق، كما يمكن تطبيق هذه التقنية في الكشف عن الأمراض المعدية وكذلك الكشف المبكر عن أنواع السرطان المختلفة.