مدينة هليوبوليس القديمة تبوح بأسرارها الأثرية

علماء آثار مصريون وألمان يعثرون على أجزاء من الواجهتين الغربية والشمالية لمعبد الملك نختنبو الأول، وأعمال التنقيب المتواصلة تقدم أدلة إضافية على الأسرة الثلاثين والعصر البطلمي في المنطقة.

يواصل العديد من علماء الآثار المصريين والألمان حفائرهم الأثرية في ضاحية المطرية بالعاصمة المصرية القاهرة للكشف عن المزيد من أسرار مدينة هليوبوليس التاريخية وآثارها ومعابدها القديمة، وهي المدينة التي تحظى بأهمية خاصة لدى الآثاريين وعلماء المصريات، وذلك بفضل ما تمتعت به من مكانة تاريخية متفردة في تاريخ مصر القديمة الممتد على مدار قرابة السبعة آلاف عام.
وفي إطار أعمال الحفائر الجارية في المنطقة، فقد أعلنت وزارة السياحة والآثار في مصر عن تمكن البعثة الأثرية المصرية الألمانية والعاملة بمنطقة آثار المطرية، من الكشف عن العديد من كتل البازلت والتي تمثل أجزاء من الواجهتين الغربية والشمالية لمعبد الملك نختنبو الأول (380-363 قبل الميلاد)، بالإضافة إلى امتداد للمعبد من الناحية الشمالية ربما ليربط معبد نختنبو بالمحور الرئيسي للمعبد. 

وقال الدكتور مصطفي وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصرية، في تصريحات لـ "ميدل إيست أونلاين " أن ذلك الكشف الأثري الجديد جاء أثناء قيام البعثة بأعمال الحفر الأثري بمركز معبد هليوبوليس الكبير في منطقة أثار المطرية. 
وأشار وزيري إلى أن البعثة عثرت أيضا على العديد من الكتل التي تمثل أقاليم مصر السفلى ومن بينها المنظر الذي يمثل اقليم هليوبوليس، بالإضافة إلى مناظر لأقاليم مصر السفلى الأخرى. 
وقال الدكتور أيمن عشماوي رئيس قطاع الآثار المصرية بالمجلس الأعلى للآثار المصرية، ورئيس البعثة من الجانب المصري، أن النقوش التي على وجدت هذه الاحجار تذكر عامي 13 و14 (366/365 قبل الميلاد) من حكم الملك نختنبو بالإضافة إلى الأبعاد والمواد المستخدمة في هذا المعبد، وانه يوجد أيضا عدة كتل لم يكتمل نقشها وتشير إلى انه على ما يبدو لم تتم أية أعمال تزيين للمعبد بعد وفاة الملك نختنبو الأول عام 363 قبل الميلاد. 
وأوضح عشماوي أن هذه الاكتشافات تشير إلى الدعم الملكي المستمر والاستثمار في معبد الشمس والإله الخالق في هليوبوليس.
فيما قال الدكتور ديتريش راو، رئيس البعثة من الجانب الألماني، ان العناصر المعمارية الأخرى تشهد على مشاريع بناء للملك رمسيس الثاني (1279-1213) والملك مرنبتاح (1213-1201 قبل الميلاد) والملك أبريس (589-570 قبل الميلاد)، وأنه يظهر نشاط الرعامسة ايضا من خلال قطع تطعيم النقوش منها جزء من وجه من حجر الجاسبر من أوائل الأسرة التاسعة عشر (حوالي 1300 قبل الميلاد). وجزء من تمثال لسيتي الثاني (1204-1198) تضيف إلى الأدلة على نشاط هذا الملك من أواخر الأسرة التاسعة عشر في هليوبوليس.
ولفت إلى أنه تم دراسة محور المعبد فى اتجاه الغرب حيث تشير الادلة المتفرقة إلى وجود مباني من الدولة الوسطى، والأسرة الثانية والعشرين (أوسوركون الأول، 925-890 قبل الميلاد) ومقصورة للاله شو والإلهة تفنوت من عصر الملك بسمتيك الثانى (595-589 قبل الميلاد). وكذلك أجزاء من تمثال لرمسيس الثاني، وجزء من تمثال البابون، وقاعدة تمثال وأجزاء من مسلة من الكوارتزيت لأسوركون الأول وأجزاء من منشآت العبادة مثل مائدة قرابين لتحتمس الثالث، 1479-1425 قبل الميلاد. 
ووفقا لبيان صادر من وزارة السياحة والآثار المصرية، وتلقى " ميدل إيست أونلاين " نسخة منه، فقد قدمت أعمال التنقيب أدلة إضافية على الأسرة الثلاثين والعصر البطلمي في المنطقة.

 ويشير الدكتور ديتريش راو إلى ان ذلك يكون من خلال نماذج تمارين النحت وكذلك قوالب الحجر الجيري للنقوش والقوالب لإنتاج تماثيل الأوشابتي التي تشهد على أنشطة الورشة قبل أن تختفي جميع الأدلة على وجود نشاط للمعبد خلال العصر الروماني.
وكانت هليوبوليس، أو المطرية الآن، قد شهدت قيام وزارة السياحة والآثار بإقامة متحف مفتوح بها، ضم مسلة للملك سنوسرت الأول، بجانب ما كشفت عنه البعثات الأثرية العالمة في المنطقة، وذلك يهدف لإحياء معالم المنطقة، وتحويلها إلى مزارٍ سياحي يتناسب وقيمتها التاريخية والحضارية.
وهليوبوليس هو الاسم الذي أطلقه الإغريق على أول عواصم مصر القديمة، التي شيدت ربما قبيل أكثر من ستة آلاف عام، حيث ترجع كتب المصريات تاريخ إنشائها على عام 4240 قبيل الميلاد، وهليوبوليس تعرف اليوم باسم المطرية، وهي أحد الضواحي التاريخية للعاصمة المصرية القاهرة.
وتدلنا كتب المصريات على أن كهنة هليوبوليس، كانوا من أغزر المصريين علما، واستطاعوا أن يؤثروا وبقوة في الحياة الثقافية والعقلية والروحية في مصر القديمة.
وأنهم أقاموا في معبدهم بالمدينة أول جامعة في التاريخ، وكانت تلك الجامعة متخصصة في دراسة العلم والفلسفة، ويروى أن الفيلسوف اليوناني أفلاطون، قد قضى فترة من الوقت في الدراسة داخل تلك الجامعة التي أسسها كهنة هليوبوليس.