مصريون يستعيدون فنون أجدادهم الفراعنة
عرفت مصر القديمة صهر المعادن واستخدامها في انتاج أعمال فنية خالدة بقيت حتى اليوم، وربما كان تمثال الملك بيبي الأول، أحد ملوك الأسرة السادسة في مصر القديمة، من أوائل القطع الفنية البديعة التي أبدعها الفنان المصري القديم.
وقد هيأت الطبيعة في مصر موارد كثيرة للمعادن في مناطق مختلفة من البلاد، وقد برع المصري القديم في الكشف عن هذه الموارد، وفي استخراج المعادن المختلفة منها، وكان أول ما توصل له من المعادن هو معدن النحاس، والذي استخرجوه من شبه جزيرة سيناء، ومن الصحراء الشرقية أيضا.
وبجانب مصادر المعادن، كانت هناك مصادر لجلب أنواع عديدة من الأحجار التي استخدمت في تشييد المعابد ونحت التماثيل الضخمة، والجداريات التي تُزين جدران المقابر والمقاصير المصرية القديمة، حيث توارث المصريون استخدام المعادن والأحجار في تشكيل ونحت التماثيل واللوحات ومختلف الأشكال الفنية التي تفردت بها مصر القديمة.
وكما يقول الفنان الدكتور إبراهيم منصور، الأكاديمي بكلية الفنون الجميلة في مدينة الأقصر التاريخية بصعيد مصر، فإن المصريين القدماء عرفوا عملية صهر النحاس وصبه في قوالب قبل آلاف السنين.
وأشار منصور إلى أنه وسيرا على خطى الأجداد، فإن كلية الفنون الجميلة في الأقصر، تشهد وبشكل دوري الكثير من الورش الفنية التي تهدف لرفع مهارات الطلاب في صهر المعادن واستخدامها في تشكيل الأعمال الفنية.
واعتبر بأن "التاريخ يعيش بداخلنا"، وأن مدينة الأقصر غنية بالمعالم الأثرية والقطع الفنية التي أبدعها الفنان المصري القديم، واكتشفت داخل ما شيده حكام مصر القديمة من مقابر ومعابد، والتي تشكل مصدراً للإلهام لدى كل فنان.
وأشار الفنان الدكتور إبراهيم منصور، إلى أنه يسعى وأبناء جيله لممارسة التجريب في استخدام المعادن وصهرها بشكل يساعد على تشكيل أعمال فنية بجودة عالية، ونقل نتائج ذلك التجريب لطلاب الفنون الجميلة وذلك من أجل خلق جيل قادر على الجمع بين الأصالة والمعاصرة في ذلك المجال، لافتا إلى أن ذلك التجريب يطال المواد والمعادن المستخدمة، بجانب التجريب في تركيب القوالب الفنية.
واكد على أهمية نقل خبرات وتجارب الرواد والأساتذة لطلاب الفنون الجميلة، والفنانين الشباب، والعمل على إثارة التفكير لديهم بشكل دائم.
وقال الفنان الدكتور يوسف محمود أن مصر القديمة عرفت شتى أنواع الفنون، وأن المناطق السكنية المتاخمة للمعابد والمقابر الفرعونية في مدينة الأقصر على سبيل المثال، تشتهر بالكثير من هؤلاء الفنانين الذين نطلق عليهم "فنانون بالفطرة"، حيث يتوارثون تلك الفنون التي عرفها أجدادهم من فناني مصر القديمة، فينحتون التماثيل واللوحات الفرعونية، ويبيعونها لزوار المناطق الاثرية من السياح.
واعتبر أن استخدامات المعادن وصهرها بجانب تطويع شتى أنواع الأحجار من أجل تشكيل أعمال فنية هو أمر برع فيه الفنان المصري، منذ العصور القديمة وحتى اليوم، مشددا على أهمية أن يطلع طلاب الفنون الجميلة على ذلك الميراث الضخم من الأعمال الفنية التي تركها لنا الفنان المصري القديم، والتي تنتمي لشتى أنماط الفنون التشكيلية، وليس فقط صهر المعادن واستخدامها في تشكيل أعمال فنية.
ويشير الأثري المصري على رضا، مدير منطقة آثار وادي الملوك في البر الغربي من مدينة الأقصر، ان كنوز الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون التي اكتشفها المستكشف البريطاني هوارد كارتر، قبل مائة عام هي خير دليل على براعة المصري القديم في صهر وتطويع المعادن واستخدامها في إبداع أعمال فنية تجذب أنظار العالم حتى اليوم، بجانب ما عرفت به مصر القديمة من تماثيل ضخمة ونقوش ورسوم لاتزال تحتفظ بألوانها داخل المعابد والمقابر حتى اليوم.
يُذكر أن مدينة الأقصر، كانت مسرحا لظهور العديد من الفنون التي مارسها الفنان المصري القديم، مثل فنون النحت والرسم، وإبداع فناني مصر القديمة لجداريات وتماثيل ضخمة، بجانب معرفتهم مبكرا لبعض الفنون التشكيلية المعاصرة مثل رسم البروفايل.
وبحسب كتب الآثاريين وعلماء المصريات، فقد شهدت الأقصر قديما إقامة أول مدينة للفنانين والعمال في التاريخ، وقد تحول موقع المدينة ومعالمها الأثرية إلى مزار سياحي يُعرف اليوم بـ "دير المدينة" ويقع في جنوب جبانة طيبة القديمة بالبر الغربي لمدينة الأقصر.