مصر تستعد لتدابير مؤلمة في مواجهة الأزمة المالية الطاحنة

خبراء يرون أن هناك الكثير من الخيارات التي يتعين على الحكومة المصرية الإقدام عليها، فيما تعدّ عملة موثوقا بها المفتاح لتحقيق انتعاش اقتصادي حقيقي.

القاهرة - تواجه مصر التي ترزح تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة ضغوطا متزايدة لاتخاذ إجراءات طال انتظارها عقب الانتخابات الرئاسية وفي مقدمتها تخفيض قيمة العملة ورفع أسعار الفائدة إلى جانب تسريع مبيعات الأصول الحكومية.

ويرى محللون أن الحكومة أرجأت الخطوات المؤلمة إلى ما بعد فوز الرئيس عبدالفتاح السيسي بولاية ثالثة مدتها ست سنوات في انتخابات جرت بين 10 و12 ديسمبر/كانون الأول ولم تشهد أي منافسين جديين وخيمت عليها الحرب في غزة.

ويتحول التركيز الآن إلى كيفية التعامل مع العملة المبالغ في تقدير قيمتها والتضخم شبه القياسي والديون الهائلة المحلية والأجنبية على حد سواء.

وقال سايمون وليامز من 'إتش.إس.بي.سي' "هناك كثير من الخيارات الكبيرة التي يتعين على الحكومة الإقدام عليها، لكن عملة موثوقا بها هي المفتاح لتحقيق انتعاش اقتصادي حقيقي".

وكان الدولار يبلغ 29 جنيها مصريا في السوق السوداء قبل عام ويُباع الآن بأكثر من 50 جنيها، مقارنة بالسعر الرسمي البالغ 30.85 جنيه.

وتتوقع أسعار صرف العملات الأجنبية الآجلة، التي تتنبأ بمكانة الجنيه في أواخر يناير/كانون الثاني، أن يسجل 35 جنيها للدولار، بينما تلك التي تنظر إلى العام المقبل فتضعه عند ما يقرب من 50 جنيها.

ودفع عدم اليقين بشأن أسعار الصرف المصريين في الخارج إلى الإحجام عن إرسال ما يجنونه إلى الوطن، مما عصف بمصدر رئيسي للنقد الأجنبي. وانخفضت التحويلات بنحو 10 مليارات دولار إلى 22 مليار دولار خلال 12 شهرا حتى نهاية يونيو/حزيران 2023.

المصريون يعانون من تدهور مستمر في قدرتهم الشرائية
المصريون يعانون من تدهور مستمر في قدرتهم الشرائية

وقال وليامز "التحويلات تتعلق بالشعور وليس المستوى. يجب إقناع المصريين بأن العملة مستقرة الآن. يجب أن تكون لديهم ثقة في قيمتها. وإذا حدث ذلك فمن الممكن أن تعود التحويلات بسرعة نسبيا".

ونفذت السلطات ثلاثة تخفيضات حادة لقيمة العملة منذ أوائل عام 2022، لكنها عادت في كل مرة إلى تثبيت السعر على الرغم من التعهدات المقدمة لصندوق النقد الدولي بالتحول إلى نظام مرن بشكل دائم.

وقال قسم الأبحاث في مورجان ستانلي في مذكرة "نعتقد أن تعديلا على خطوات هو الأرجح على المدى القصير، بدلا من الانتقال إلى ترتيب تعويم".

وتعثرت حزمة مالية بقيمة ثلاثة مليارات دولار تم التوصل إليها مع صندوق النقد الدولي قبل عام بسبب عدم سماح مصر بتعويم عملتها أو إحرازها تقدما في ملف بيع أصول الدولة. وأرجأ الصندوق صرف نحو 700 مليون دولار مستحقة في 2023.

غير أن الصندوق قال هذا الشهر إنه يجري محادثات لتوسيع الحزمة بسبب المخاطر الاقتصادية الناجمة عن الصراع بين إسرائيل وحركة حماس، فيما يبدو أنه حوّل تركيزه من سعر الصرف إلى استهداف التضخم.

وقالت كريستالينا جورجيفا مديرة صندوق النقد الدولي لشبكة 'سكاي نيوز' هذا الشهر "ينصب تركيزنا على جعل الاقتصاد يعمل بأفضل شكل ممكن. وبهذا المعنى، نعم، نعطي الأولوية لمكافحة التضخم ومن ثم بالطبع سننظر إلى سعر الصرف في هذا السياق".

وقالت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي جولي كوزاك في وقت لاحق إن برنامج مصر يتضمن الحاجة إلى تشديد السياسة النقدية والمالية إلى جانب نظام مرن لسعر الصرف، "للانتقال تدريجيا إلى نظام استهداف التضخم".

يجب إقناع المصريين بأن العملة مستقرة الآن

وتواجه تدفقات الدولار تهديدات جديدة بعد تأثير الأزمة في غزة على السياحة والهجمات على السفن في البحر الأحمر والتي تمنع بعضها من الإبحار عبر قناة السويس. وحققت مصر بحسب بيانات بنكها المركزي إيرادات بلغت 13.6 مليار دولار من السياحة و8.8 مليار دولار من رسوم قناة السويس في 2023/2022.

وتحتاج مصر إلى الدولار لسداد ديونها الخارجية العامة متوسطة وطويلة الأجل والتي قفزت بمقدار 8.4 مليار دولار في الأشهر الستة حتى الأول من يوليو/تموز إلى 189.7 مليار دولار. ومن المقرر سداد ما لا يقل عن 42.26 مليار دولار من الديون الخارجية في عام 2024، فيما قدر صندوق النقد الدولي في يناير/كانون الثاني العجز التمويلي لمصر على مدى 46 شهرا بنحو 17 مليار دولار.

وتحتاج مصر أيضا إلى الإفراج عن بضائع متراكمة في الموانئ ودفع متأخرات لشركات النفط الأجنبية والسماح للشركات بإرسال الأموال المستحقة لمكاتبها في الخارج، فضلا عن تلبية الطلب المتزايد على الواردات.

واعتمدت القاهرة في السابق على حلفائها الخليجيين الأثرياء للحصول على الدعم لكن لم يعلن أي منهم تقديم أي مساعدات كبيرة لها خلال الأشهر الماضية.

ولتعويض ذلك لجأت الحكومة إلى منظمات التمويل متعددة الأطراف ومجموعة واسعة من الدول الصديقة لتجمع لأموال هذا العام من اليابان والصين والهند والإمارات، كما تعتمد مصر على جمع السيولة من حصيلة بيع أصولها الحكومية الذي تعثر كثيرا في السنوات الماضية، لكن بعض المحللين يرون الآن تحولا.

صندوق الثروة السيادي المصري يوقع صفقة لبيع حصة في محفظة تضم سبعة فنادق كبيرة

ووفقا لمورجان ستانلي "حققت مصر تقدما كبيرا في مبيعات الأصول المملوكة للدولة واجتذبت مستويات عالية تاريخيا من صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر وحققت أهدافها المالية في 2023/2022 على الرغم من ارتفاع الإنفاق الحكومي بسبب نمو التضخم وتكاليف الاقتراض".

وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في مؤتمر صحفي اليوم الأربعاء إن صندوق الثروة السيادي المصري وقع صفقة لبيع حصة في محفظة تضم سبعة فنادق كبيرة لمجموعة طلعت مصطفى القابضة المصرية في إطار سعيه لجمع الأموال والعملة الأجنبية وكشف أن إيرادات بيع حصص من أصول الدولة وصلت إلى 5.6 مليار دولار حتى الآن. 

وأعلن مجلس الوزراء في بيان أنه بموجب الصفقة استحوذت مجموعة طلعت مصطفى على حصة 39 بالمئة مع الحق في زيادة الحصة إلى 51 بالمئة.

وأكد هشام طلعت مصطفى الرئيس التنفيذي لمجموعة طلعت أن مستثمرين دوليين آخرين سيزيدون رأس مال الشركة القابضة لمجموعة طلعت مصطفى. وأضاف أنه سيتم عرض ذلك عند إغلاق الصفقة مع كل التفاصيل، موضحا أن الأمر سيستغرق أسبوعين أو ثلاثة أسابيع أخرى للحصول على هذه التفاصيل.

وبموجب الصفقة، سيشتري مستثمر دولي حصة أقلية بقيمة 882.5 مليون دولار الشركة العربية للاستثمارات الفندقية والسياحية (ايكون) – الذراع الفندقي التابعة لمجموعة طلعت مصطفى والتي بدورها تشتري حصة بقيمة 800 مليون دولار في المجموعة المملوكة للدولة التي تمتلك الفنادق السبعة، وفق مجموعة طلعت مصطفى.

وتشمل هذه الفنادق، وهي من بين الأفخم في مصر، كتراكت في أسوان وقصر الشتاء في الأقصر ومينا هاوس في القاهرة وفندق سيسيل في الإسكندرية، وكلها بنيت في أواخر القرن التاسع عشر أو أوائل القرن العشرين.

وتجري الحكومة، بالتعاون مع مؤسسة التمويل الدولية، دراسات أولية حول تصفية استثمارات 50 شركة، مع إعطاء الأولوية لقطاعات محددة مثل المطارات والاتصالات.