مصير لبنان تقرّره السنة 2020

التزاوج بين الجهل والعيش في الوهم هو الطريق الأقصر الى الانهيار اللبناني.

تشكّلت حكومة جديدة ام لم لم تتشكّل. يدخل لبنان في 2020 سنة يتقرّر فيها مصيره. هل هو بلد قابل للحياة ام لا؟ ما يجعل مشروعا، بل طبيعيا، طرح مثل هذا السؤال غياب أي وعي لدى الذين يشكلون الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة شخصية اقلّ من عادية، لما هو على المحكّ بالنسبة الى المستقبل. ما على المحكّ، في وقت تتشكّل فيه حكومة برئاسة شخصية باهتة لا تمتلك أي علاقات دولية او عربية، مستقبل كلّ مؤسّسة من مؤسسات الدولة اللبنانية. هناك محاولة لتشكيل حكومة من النوع المضحك المبكي فيما يبدو البلد على شفير الانهيار اقتصاديا بعدما صمد في وجه كلّ العواصف العاتية التي توالت عليه منذ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969. هل ينهار البلد في السنة التي من المقرّر ان يحتفل فيها بذكرى مرور قرن كامل على اعلان دولة لبنان الكبير في العام 1920؟

مخيف غياب من يستوعب معنى توقف المصارف اللبنانية عن دفع أموال المودعين لديها. هذا يحصل للمرّة الاولى في تاريخ البلد. اين اختفى رجال الدولة في لبنان؟ ليس هناك من يقول للمواطن اللبناني الفقير والغني والمتوسط الحال ما مصير أمواله في هذه المصارف. فوق ذلك كلّه، لا يستطيع المواطن تحويل أي مبلغ الى الخارج. ما يشهده لبنان في "عهد حزب الله" الذي بات يقرّر من هو رئيس مجلس الوزراء، بعدما حدّد من هو رئيس الجمهورية، أسوأ من التأميم. صار لبنان اسوأ من فنزويلا في نواح معينة، على الرغم من ان التضخّم لا يزال بعيدا عن الرقم الذي ضرب فنزويلا واقتصادها.

ما هو مخيف اكثر من ذلك كلّه هو عيش الشخصيات التي تمتلك القرار السياسي في اسر دائرة ضيقة لا مكان فيها لايّ تفكير في مخرج من الازمة الراهنة التي بدأت عمليا بعزل لبنان عن محيطه العربي وتحويله شيئا فشيئا الى تابع للمحور الايراني الذي يسمّى "محور الممانعة".

هناك من استخفّ بالنتائج المترتبة على تحويل لبنان قاعدة إيرانية وعلى اغلاق مجلس النواب سنتين ونصف سنة كي ينتخب المجلس في نهاية المطاف الشخص الذي قال حسن نصرالله الأمين العام لـ"حزب الله" انّه مرشّحه لرئاسة الجمهورية وانّ ليس مسموحا ان يكون آخر غيره رئيسا.

هذا ليس وقت تصفية الحسابات مع السنّة في لبنان والعودة الى مرحلة ما قبل اتفاق الطائف. هذا وقت البحث عن كيفية تفادي الكارثة التي يبدو البلد مقبلا عليها خلال شهر او شهرين او ثلاثة او أربعة اشهر. هذا على الاقلّ ما يقوله الخبراء الجدّيون الذين يؤكدون ان المصارف اللبنانية افلست بعدما اقرضت الدولة اللبنانية مليارات الدولارات التي لا تستطيع هذه الدولة اعادتها. مثل هذا الكلام البسيط والمباشر يختزل طبيعة الازمة المالية في لبنان ومدى عمقها في وقت صار البلد معزولا عربيا، فيما يتوقع المجتمع الدولي منه تنفيذ الإصلاحات المالية المطلوبة.

هناك كلام واضح صدر عن مسؤولين دوليين زاروا لبنان أخيرا. ابلغ هؤلاء المسؤولون كلّ من يعنيه الامر كلّ المعنيين ان ليس مهمّا شكل الحكومة اللبنانية الجديدة. المهمّ الإصلاحات التي ستقوم بها. الأكيد ان وزراء في حكومة حسّان دياب، بمن في ذلك حسّان دياب نفسه، لن يكونوا قادرين على القيام باي نوع من الإصلاحات. لا يمكن توقّع شيء من حكومة يقف "حزب الله" وراء تشكيلها ويلعب جبران باسيل دورا اساسيا في عملية التشكيل، اقلّه لجهة اختيار الوزراء المسيحيين في الحكومة. باختصار شديد، ان "حزب الله" غير مقبول لا عربيا ولا دوليا. امّا الوزراء المحسوبون على "التيّار الوطني الحر" فهم دون مستوى طلّاب الشهادة الابتدائية. هؤلاء الوزراء تناوبوا على وزارة الطاقة منذ احد عشر عاما. النتيجة ان لا كهرباء في البلد وعبء كبير على موازنة الدولة مقداره مليارا دولار في السنة!

هناك ثورة شعبية في لبنان، هذه الثورة مستمرّة منذ السابع عشر من تشرين الاوّل – أكتوبر الماضي. مطالب الثورة واضحة كلّ الوضوح واهمّيتها تكمن في انّها عابرة للطوائف. شئنا ام ابينا، كشفت الثورة ان هناك استياء شديدا في الوسط الشيعي من الثنائي الشيعي الذي احتكر تمثيل الطائفة. على الصعيد المسيحي، فقد "التيّار الوطني الحر" الكثير من شعبيته بعدما بدأ يظهر وعي لسخافة معنى ان يستعيد المسيحيون، ما يعتبرونه حقوقهم، بسلاح "حزب الله" الذي ليس في نهاية المطاف سوى لواء في "الحرس الثوري" الايراني.

تغيّر لبنان وتغيّرت طبيعة الازمة التي يمرّ فيها. ما لم يتغيّر هو الوصاية. مع مرور الوقت، يتبيّن بكل دم بارد وبعيدا عن كلّ ما له بالعواطف الوطنية الجيّاشة ان لبنان انتقل من الوصاية السورية الى الوصاية الايرانية. انّها مرحلة صعبة ومعقّدة وخطيرة في الوقت ذاته. تتطلّب المرحلة التفكير جدّيا في ما اذا كان لا يزال هناك امل في انقاذ لبنان في غياب شخصية سنّية على رأس الحكومة قادرة على التعاطي مع العرب القادرين ماليا ومع الإدارة الاميركية والمؤسسات المالية الكبرى مثل صندوق النقد الدولي... ومع الاوروبيين. هذا اذا كان لا يزال هناك أوروبيون على استعداد لمساعدة لبنان بعد كلّ هذا الوقت الضائع منذ مؤتمر "سيدر" الذي انعقد في باريس في نيسان – ابريل من العام 2018.

أضاع لبنان كلّ الوقت الذي كان يفترض ان يستفيد منه كي يحصل على مساعدات هو في اشدّ الحاجة اليها شرط تنفيذ الإصلاحات المطلوبة. ولكن ما العمل عندما يكون الجهل سيّد الموقف، وهو جهل يضاف اليه وهم الاعتقاد ان لبنان يمتلك ثروة كبيرة من الغاز في مياهه الإقليمية... او انّه يستطيع الاستعانة بالصين!

من يصالح اللبنانيين مع الواقع، بما في ذلك انّ ثروة الغاز تحتاج الى سنوات طويلة، الى السنة 2029 في احسن تقدير، كي يبدأ استغلالها. ان التزاوج بين الجهل والعيش في الوهم هو الطريق الأقصر الى الانهيار اللبناني في ظلّ استياء عربي لا حدود له من انتقال البلد الى الوصاية الايرانية من جهة وتغيير في طريقة التفكير الاميركية من جهة اخرى. ما لا يرغب المسؤولون اللبنانيون في فهمه، باستثناء قلة منهم، ان الإدارة الاميركية مستعدة لترك لبنان يلقى مصيره في حال لم يقتنع بانّ عليه مساعدة نفسه اوّلا.

الأكيد ان الاستعانة بأشخاص مثل حسّان دياب، لا يمتلك أي حيثية شعبية، لا يبشّر بالخير في أي مجال من المجالات ويجعل من السنة 2020 سنة كلّ المخاوف والمخاطر على لبنان.