معارك أخرى يخوضها النازحون على هامش الحرب في جنوب طرابلس

أكثر من 18 ألف شخص يتركون منازلهم على تخوم العاصمة الليبية ويعيشون على وقع اشتباكات دامية وسط شح المساعدات الغذائية وغياب دور اغاثي حكومي وأممي.
174 قتيلا وأكثر من 758 جريح خلال أسبوعين
غياب تام لدعم منظمات الدولية والمحلية في التخفيف على النازحين
عين زارة تعد أكثر منطقة سجلت فيها حركة نزوح حيث غادرها أكثر من 7 آلاف
خطط طوارئ لإجلاء النازحين في حال انتقال المعارك الى مواقع إيواء النازحين

طرابلس - في حديقة صغيرة داخل مقر بلدية عين زارة بجنوب العاصمة الليبية، يلعب محمود البالغ من العمر 12 عاما مع أصدقائه الجدد الذين نزحوا مثله قسرا هربا من المعارك العنيفة بين قوات حكومة الوفاق الوطني وقوات المشير خليفة حفتر.

محمود خرج مع والديه من أحد مواقع الاشتباكات بمنطقة الكحيلي التي تعد واحدة من أشرس خطوط القتال الذي اندلع منذ 4 نيسان/ابريل في مناطق جنوب طرابلس.

ينتظر النازحون من نساء وأطفال وشيوخ في صفوف طويلة دورهم للحصول على مخصصات غذائية توزعها بلدية عين زارة عليهم لدعمهم وتخفيف الأعباء المادية التي وقعت على كاهلهم.

حجم المعاناة والحسرة يظهر على وجوههم، وبعض النساء يبكين فقدان عزيز أو قريب في هذه الحرب.

تقول فاطمة النعمي (49 عاما)، "فقدت ابني الوحيد بعدما تعرض منزلي للقصف، أصيب ابني بشظايا وأدخل المستشفى وفارق الحياة بعد يومين".

وتضيف وهي تجهش بالبكاء "انا عاجزة تماما لوحدي، ابني فارق الحياة بسبب الحرب القذرة وقبله توفي زوجي نتيجة المرض" قائلة "الآن أنا امرأة وحيدة تعيسة تنتظر دورها للحصول على كيس من المواد الغذائية، حقيقة أنا انسان ميت يقف على قدمين".

من جهته يروي عبد السلام معاناة النزوح وما سببته لأسرته، وقد بدت عليه الحسرة وهو يقف في طابور طويل في انتظار دوره للحصول على مساعدات غذائية.

يقول "لقد خرجت أنا وزوجتي وابني محمد من منزلنا قبل أسبوع ، بعدما اشتدت حدة الاشتباكات التي لم نتمكن فيها من النوم لأيام، ما جعل حالتنا النفسية متدهورة".

وأضاف "جئنا هنا إلى القسم الداخلي ومنُحنا غرفة خاصة، لا تفي بالغرض لكنها هدية عظيمة في هذه الأوقات العصيبة... ، بعض العائلات تتكون من 7 أفراد اضطرت للسكن مؤقتا في غرفة واحدة ، لذلك وضعنا أفضل مقارنة بهم".

غياب الدعم الدولي

عين زارة واحدة من أكثر المناطق كثافة بالسكان وتقع جنوب طرابلس. وتعد أكثر المناطق التي سجلت فيها حركة نزوح، حيث سجل خروج أكثر من 7 آلاف منها.

وقامت بلديتها بإنشاء مخزن للغذاء والدواء داخل مقرها لتوزيعها على النازحين، حيث تقوم لجنة الأزمة بجمع العشرات من الأطنان يوميا.

وأوضح عبد الواحد بلوق عميد بلدية عين زارة "نجمع الإعانات وفتحنا المبنى الجامعي لتقديم الخدمات للنازحين كما نقوم بتقديم سلال غذائية لأكثر من 1500 عائلة".

وقامت البلدية بتخصيص مبنى الإقامة الجامعية لإيواء نحو 500 شخص، وهو الحد الأقصى الذي يمكن استقباله داخله.

واشتكى عميد البلدية من غياب تام لدعم منظمات الدولية والمحلية في التخفيف على النازحين.

وقال بهذا الصدد، "المنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني لم تقدم أي مساعدات، فقط رجال الأعمال والتجار هم من ساند النازحين" متسائلا "هل من المعقول أن تأتي منظمة دولية وتوزع 10 أفرشة وبضعة مستلزمات وتعلن دعمنا؟" .

وأكد بلوق عدم حصول بلديته على أي مخصصات مالية على الإطلاق مشيرا الى أن كل الأعمال التي تديرها لجنة الأزمة هي تطوع رجال الخير والأعمال .

بدورها أكدت انتصار القليب عضو لجنة الأزمة بالبلدية أن الأعمال التي تقدم للنازحين "إنسانية وليس لها علاقة بالشأن السياسي".

وأضافت قليب ،"هناك أطفال تعرضوا لمشاكل وصدمات، نحتاج متخصصين في الدعم النفسي لمتابعة حالاتهم".

وحول المخاوف من انتقال المعارك الى مواقع إيواء النازحين، أجابت "قمنا بوضع خطط طوارئ لإجلاء النازحين في حال حدوث أمر يستدعي ذلك" مضيفة "حاليا كل الأمور تسير بشكل ممتاز، على الرغم من غياب الدعم الدولي والحكومي لهذه المتطلبات الإنسانية المتزايدة".

وتشهد مناطق جنوب طرابلس أعمالا عسكرية منذ 4 نيسان/أبريل الجاري بين قوات "الجيش الوطني الليبي" التي يقودها المشير حفتر وقوات حكومة الوفاق.

وخلفت العمليات العسكرية 174 قتيلا وأكثر من 758 جريح خلال أسبوعين، بحسب منظمة الصحة العالمية بينهم مدنيون. كما تسببت العمليات المستمرة في نزوح أكثر من 18 ألف شخص.