معاول الهدم لا تبني

يحتاج الشعب العراقي إلى عمال جُدد وفريق يؤمن بأن الهدم يختلف عن البناء.

من عمق ذلك التاريخ يُحكى أن السلطان سليمان القانوني أمر بهدم إحدى السرايات القديمة، فطلب أن يؤتى له بمهندس (معمار) مشهود له بالعلم والكفاءة لغرض الهدم وإنشاء سرايا جديدة على أنقاض القديمة، فجيء له بمهندس من أصل أرمني يُدعى سنان. بعد الإنتهاء من المهمة وتشييد البناء الجديد إستدعاه السلطان وسأله "عندما كنت تهدم البناء القديم كنت تستخدم عمالاً إستبدلتهم بعمال آخرين عند البناء فلماذا فعلت ذلك؟" أجابه المعمار سنان "ناس للتدمير وناس للتعمير، ومن يصلح للتدمير لا يصلح للتعمير." أعجب السلطان القانوني بهذه الحكمة وعيّنه مستشاراً له.

سَردية لا تقبل الجدال أو التأويل تؤكد أن جميع الأنظمة الفاشلة على إختلاف مسمياتها وتلوّن طبائعها وتعدد أيديولوجيات فشلها وإفشالها في الحياة السياسية، فهي مستحيلة وغير مستعدة لأي إصلاح كما أنها غير مستعدة لإنقاذ شعوبها أو إيصالهم إلى بر الأمان.

ربما يكون تفسير هذه الظاهرة هو وجود السلطة الإستبدادية التي تريد الإنقضاض على الدولة والإحتفاظ بمملكتها لعائلة السلطة ومقربيهم ومن يسير في دروبهم.

معاول الهدم التي تريد السلطة من أهلها أن يكونوا ورثة شرعيين للهيمنة على الوطن من جيل إلى آخر.

بنرجسية وأنانية لا يحملها إلا من هم تحت مظلة السلطة لأنهم يعتقدون أنها من نصيبهم ولا غيرهم في السياسة لذلك ترى في تلك الدول الفاشلة لم تصل خواتيم القضايا وملفات الفساد إلى الدرجة التي يرجوها المنطق، أو يريدها العدل، أو حتى كما يتمناها المواطن العادي الذي يخدعه سراب السلطة الباحثة عن الحقيقة.

فشل وإفشال الدولة هو من حصة ثُلّة من اللصوص والفاسدين تحميهم منظومة سياسية لا تقل فساداً عنهم في تخادم منفعي حطم كل السلوكيات وأخلاق السياسة.

والمفارقة حين وجدوا من يُربّت على أكتافهم ويرفع لهم القبعات عرفاناً بفسادهم.

المنظومة الفاشلة التي ولدت بعد عام 2003 في بيئة العراق أصبحت أكثر فساداً وفشلاً كانت صالحة لترعرع هذه المنظومة وإرتفاع شجرها وأوراقها، ولتتكيف مع تحولات الزمن والرياح اليهم، لم تعد تستطيع العيش إلا في مساحات الفشل والفساد الذي وصل إلى العظم في المجتمع الذي فقد مناعته وحصانته.

الديمقراطية المزيفة هي معاول التهديم التي أرادوا بها تحطيم العراق ووعودهم بالمن والسلوى وجنات النعيم لذلك الشعب الذي خرج من حقيقة مظلمة ليقع في بئر أعمق وسحيق.

كان الهدم مستمراً برعاية إقليمية ودولية تحمل هذه المعاول منظومة تابعة أو حفنة وكلاء لا يمكن تبرير أفعالهم من عقول سليمة تراقب ما يفعلون من هدم وتعطيل للوطن.

زعامات الهدم، شخصيات الإستزعام والإستزلام هؤلاء لا يمكن أن يتغيروا أو تتبدل معاولهم المخصصة للهدم أصلاً حيث كلما طال زمن الهدم أزداد حجم الإنهيار.

بالمحصلة من يهدم لا يصلح للبناء فرضية لا تحتاج إلى براهين وإثبات دولة الفشل بإمتياز هو العنوان الذي يمكن توصيفه لما يحدث في بلد يفتقد للسيادة مثل العراق.

فمساحات الفشل التي تمتلكها السلطة تجعل من الصعب الإصلاح خصوصاً عندما تكبر وتتسع تلك المساحات.

معاول الإنحطاط والفشل والفساد والتخلف لا تبني، بل يحتاج الشعب إلى عمال جُدد وفريق يؤمن بأن الهدم يختلف عن البناء، ومثل فلسفة مهندس السلطان "من يكون مستعداً للتدمير لا يصلح للتعمير" وتلك هي الحقيقة التي لا يرغب غرور وعنجهية من يتسيّد السلطة أن يفهمها أو على الأقل يتقرب منها.