معركة إدارية بين محافظتين تنذر باضطرابات في جنوب العراق

انتخابات مجالس المحافظات رسمت خارطة المصالح والنفوذ التي كانت تتنازع عليها الأحزاب السياسية والصراع الإداري بين المحافظتين لا يخرج عن هذا السياق.

بغداد - يسود التوتر في الجنوب العراقي على خلفية معركة إدارية بين محافظتي المثنى وذي قار، وسط مخاوف من انزلاق الوضع إلى ما هو أسوأ، بينما يعكس حراك وسجالات من الجهتين، التعقيدات الإدارية والمشاكل الناشئة بين الحكومات المحلية التي بالكاد تجاوزت عقدة التشكيل على اثر انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة.

وانتخاب مجالس المحافظات التي جرت بعد نحو 10 سنوات رسمت خارطة المصالح والنفوذ التي كانت تتنازع عليها الأحزاب السياسية. ويبدو أن الصراع الإداري بين المحافظتين هو نتاج صراع النفوذ القائم على المستوين المحلي والاتحادي.

وبحسب تقرير نشرته وكالة شفق نيوز الكردية العراقية، فإن الوضع تطور بعد احتجاجات نظمتها عشائر البدور من محافظة ذي قار داخل الحدود الإدارية لمحافظة المثنى.

وأثارت تلك الاحتجاجات غضب حكومة السماوة (مركز محافظة المثنى) التي اعتبرت أن تلك التظاهرات تحركها ما وصفتها بـ"أطماع استعمارية" يراد تنفيذها على أراضي المثنى.

وعلى اثر ذلك طالب أحمد دريول رئيس مجلس محافظة المثنى، حكومة ذي قار المحلية باعتذار رسمي عن السماح بدخول 1400 فرد من عشائر البدور إلى ناحية بصية التابعة للمثنى.

وكان المئات من أبناء عشيرة البدور قد نظموا احتجاجات طالبوا فيها بإلغاء خطة تخص الاستثمار الزراعي اعتبروا أنها تؤثر على المراعي المباحة قانونيا.

ونقلت الوكالة الكردية العراقية عن دريول قوله إن المظاهرة الاحتجاجية كانت تحت حماية قوات أمنية محلية هي من أوصلتها إلى ناحية بصية، محذرا من أن هذا السلوك من شأنه أن يؤدي إلى اضطرابات في المحافظة، مضيفا "نحن لن نسمح بها أبدا".

وسلطت الضوء على مكانة وأهمية محافظة المثنى وموقعها الاستراتيجي، مشيرة إلى احتوائها "على الزراعة والصناعة والسياحة بشقيها الأثرية والطبيعية، إذ تعد عاصمة صناعة الأسمنت في العراق ومن المتوقع أن تكون سلّة العراق الغذائية".

وأوضحت أن بادية السماوة تضم "العشرات من المواد الأولية في ميزة اقتصادية تفتقر لها باقي المحافظات، لكنها وفي مفارقة عجيبة فإنها تتصدر المحافظات الأشد فقرا بنسبة 52 بالمئة".

وتتوسط محافظة المثنى بين منطقة الجنوب والوسط وهو ما يجعلها تتميز بموقعها الجغرافي وتتوافر على مواقع أثرية وسياحية، "منها منطقة أوروك (الوركاء) التي دخلت ضمن لائحة التراث العالمي وبحيرة ساوة وبامتلاكها منطقة البادية الجنوبية التي تشكل نسبة كبيرة من مساحة المحافظة والعراق وتعد خزينا استراتيجيا للتنمية الزراعية والصناعية والسياحية".

ويبدو أن الاستكشافات النفطية من بين محركات المعركة الإدارية بين المحافظتين بعد دخول محافظة المثنى ضمن الرقع الاستكشافية للنفط والغاز والإنتاج، وعلى ضوء ذلك بات الاستقرار الأمني أمر مطلوبا في هذه المنطقة إذ يشكل عنصرا مهما لدعم المهام والبرامج والخطط الاستثمارية بما فيها تشجيع واستقطاب الاستثمار المحلي والأجنبي.

ونشرت محافظة المثنى على صفحتها الرسمية بفيسبوك تدوينة للمحافظ مهند العتابي عبر فيه عن شكره لعشائر المثنى على موقفها الداعم لقرارات الحكومة المحلية في ملف ناحية بصية المثير للجدل.

وقال العتابي "ليس بالجديد على عشائر المثنى الأصيلة أن تكون سباقة للحلول وحديث العقل والدعوة إلى أن يكون الجميع تحت ظل القانون شكرا لكم".

وذكر المكتب الإعلامي للعتابي أنه أنهى الأحد زيارته للعاصمة بغداد "بعد سلسلة لقاءات مع مسؤولين رفيعي المستوى، انتهت بنتائج مهمة تتعلق بالدرجة الأولى بناحية بصية وبحسم ملفات مهمة وعالقة على طريق خدمة محافظة المثنى  وأهلها والتي من شأنها تعزيز وضع المحافظة اقتصاديا وخدماتيا"، فيما يجري الاستعداد في المحافظة لاستقبال مسؤول رفيع المستوى  يوم غد الاثنين.

كما دعت عشائر بني حچيم الأصيلة خلال بيان صحفي في مضيف عشائر الظوالم إلى التهدئة والاحتكام لمظلة القانون، معبرة عن دعمها لموقف الحكومة المحلية في محافظة المثنى.

وقال غازي الزيادي نائب رئيس مجلس محافظة المثنى قوله "أهل ذي قار لديهم اعتراض على الأراضي التي تم إحالتها إلى شركات استثمارية، لأن هذه الأراضي هي ضمن الحدود الإدارية لمحافظة المثنى وأبناء عشائر ذي قار اعترضوا على قرارات حكومتنا المحلية كونها أراضي مراعي وهم أصحاب مواشي ولا يوافقون على هذه القرارات التي اتخذتها حكومة محافظته وهذا ما أشيع في الإعلام، لكن الأمر في الحقيقة أكبر بكثير، حسب ما أكدت لدينا المصادر الأمنية والاستخباراتية"، وفق ما نقلت عنه وكالة شفق نيوز.

وتابع "حكومة المثنى لديها شكوك كبيرة بشأن هذه التظاهرات، كونها حصلت دون تنسيق مع القوات الأمنية في المثنى"، مضيفا أن "بيانات حكومة ذي قار، كانت تمسك العصا من الوسط ولم تكن حاسمة في ذات الوقت، حيث أن الموقف كان ضعيفا جدا وفيه تواطؤ كبير مع المتظاهرين ولن نسمح لأي محافظة مجاورة أن تسوق متظاهريها إلى المثنى".

وبحسب تصريحات الزيادي، فإن "القوات الأمنية رصدت مسؤولين حكوميين بزي عربي ضمن التظاهرات التي قامت بها عشائر البدور داخل أراضي المثنى، حيث تم تقديم أدلة كاملة وصور لهؤلاء المسؤولين وستصدر بحقهم قرارات قضائية قريبا وبعضهم يشغلون مناصب حكومية في ذي قار بدرجة مستشارين للمحافظ ومعاونين له".

الأراضي على الورق للمثنى، لكنها في الحقيقة أراض تابعة لذي قار، لكن تطبيق المادة 140 من دستور العراق الاتحادي يعني أن كركوك بدورها ستعود لإقليم كردستان

ونقلت الوكالة الكردية العراقية عن مصدر حكومي مطلع لم تسمه قوله إن "التظاهرات التي قامت بها عشائر البدور داخل الحدود الإدارية لمحافظة المثنى، كانت تهدف إلى أن يكون شيوخ عشائر البدور هم الموردون الأساسيون لكافة المواد التي تساهم بتشغيل المعامل الاستثمارية التي سلمتها حكومة المثنى للمستثمرين في المناطق الصحراوية المحاددة لذي قار".

وأوضح أن" الأراضي على الورق للمثنى، لكنها في الحقيقة هي أراضي تابعة لذي قار، ولكن بشرط تطبيق المادة 140 من دستور العراق الاتحادي والحكومة لن تقبل بتطبيقها، لأنها لو قامت بتطبيقها فإن كركوك ستعود لإقليم كردستان وتحدث تغييرات ديموغرافية كبيرة في مناطق متعددة من البلاد ومن ضمنها حدود ذي قار والمثنى".

وفي مؤشر على محاولات للتهدئة عبر عبدالباقي العمري رئيس مجلس محافظة ذي قار عن أسفه لما حدث وقال إن "حكومة ذي قار تابعت بأسف بالغ ما حصل خلال الأيام الماضية على الحدود الإدارية بين محافظتي ذي قار والمثنى، وقيام مواطنين بالتظاهر والاعتراض على استثمار وتمليك الأراضي الصحراوية وفق عقود زراعية، حيث يطالب الأهالي بترك الأراضي مشاعة بين أبناء المحافظتين كمناطق رعي لمربي الماشية".

وتابع "محافظتي ذي قار والمثنى تربطهما علاقة كبيرة تصل لدرجة المصاهرة بين أبنائها، والمشاكل يجب أن تحل بالود والسلم"، مضيفا "سنلجأ إلى القوانين الاتحادية، فيما يتعلق بترسيم الحدود الإدارية بين المحافظتين والدوائر ذات العلاقة ومنها الدوائر الزراعية، وتفعيل اللجان المشتركة لغرض إنهاء ملف ترسيم الحدود بينهما".

وعلق محافظ المثنى على ما جرى بالقول إن "حادثة بسيطة أماطت اللثام عن الأخطاء الكبيرة التي جعلت عقود محافظتنا الزراعية بيد غير أبنائها "، متوعدا بأن حكومته ستعري "كل العقود التي تم اعطاؤها بغير وجه حق من خلال لجنة تحقيقية عليا".

وأعلن في حديث للوكالة الكردية العراقية أن "التحقيق سيطال المسؤولين في دائرة الزراعة وكذلك المسؤولين في الحكومات السابقة التي ستفصح عن دهاليز تلك العقود، حيث سنتجه كذلك لمراجعة شاملة لشروط جولات التراخيص والحقول النفطية التي ضيّعت حقوق محافظتنا".

وتقع محافظة المثنى في القسم الجنوبي الغربي من العراق على أطراف السهل الرسوبي وفي الجزء الجنوبي منه، إلا أن جزء منها يقع في القسم الجنوبي الغربي للهضبة الغربية، مما منحها موقعا ضمن منطقة الفرات الأوسط. كما يحدها من الشمال محافظة الديوانية ومن الجنوب السعودية ومن الشرق محافظتا ذي قار والبصرة وغربا محافظة النجف، وتبعد 282 كلم عن جنوب العاصمة بغداد.