مع اقتراب ملء سد النهضة ما هي خيارات مصر أمام المواجهة مع إثيوبيا؟

مصر وإثيوبيا مضطرتان حتى لو لم تتوصلا إلى اتفاق مؤقت أو دائم، إلى التعاون بشأن القضايا اللوجستية من أجل إدارة تدفق المياه بين سد النهضة الإثيوبي والسد العالي في مصر.
مصر تحاول حشد الدعم الدولي للضغط على إثيوبيا حتى تضع جدولا زمنيا لملء السد
السودان يقترح محادثات بين رؤساء الدولتين أو رؤساء الوزراء
الصين ستستخدم الفيتو ضد أي قرار أممي يمنع ملئ السد
القاهرة تخشى محاولات أخرى مماثلة تعرض امداداتها المائية للخطر

القاهرة - مع العد التنازلي لاقتراب الموعد الذي حددته أديس أبابا من المرجح أن تبدأ التعبئة الأولية لسد النهضة الإثيوبي، دون اتفاق بين السودان ومصر وإثيوبيا حسب ما تشير إليه المفاوضات التي فشلت الأسبوع الماضي في إيجاد حل توافقي بشأن السد الكهرومائي الذي تبلغ تكلفته 4 مليارات دولار على النيل الأزرق.

ودعا وزراء الخارجية العرب، الثلاثاء في اجتماع طارىء عبر تقنية "فيديو كونفرانس"، السلطات الإثيوبية، إلى عدم البدء بملء السد، الذي قالت إنها ستبدأ في ملئه اعتبارا من يوليو/تموز المقبل، دون اتفاق مسبق مع مصر والسودان.
فيما حثت الأمم المتحدة، الأحد، القاهرة والخرطوم وأديس أبابا على "حل الخلافات العالقة بشأن سد النهضة سلميا".

وفي ظل هذه الخلافات ستحاول مصر، وربما تفشل، في ممارسة الضغط الدولي على إثيوبيا من أجل ضمان عدم تأثير السد الجديد على تدفق نظام نهر النيل، وهو المصدر الرئيسي للمياه في القاهرة. ولكن في حين أن التنسيق المصري بشأن المشروع أمر لا مفر منه، فإن تأثير القاهرة المتراجع على توزيع المياه في منطقة شمال إفريقيا سيجعل موقعها على النيل أقل أمانًا بمرور الوقت.
واستمرت الخلافات بين إثيوبيا وجيرانها في المصب في عرقلة المفاوضات حول السد الإثيوبي. وتشعر مصر، على وجه الخصوص، بالقلق من أنه إذا لم توافق إثيوبيا على تقليص العمليات وملء سد النهضة خلال فترات الجفاف، فقد يؤثر ذلك على تدفق نظام نهر النيل بأكمله، والذي تعتمد عليه القاهرة في 90 بالمئة من مياهها.
وفي 17 يونيو، أعلن السودان أن محادثاته مع إثيوبيا ومصر فشلت مرة أخرى في التوصل إلى اتفاق يغطي ملء السد.
وقال وزير الري السوداني، ياسر عباس، إن جميع القضايا التقنية تقريباً بين الدولتين قد تم حلها، لكن القضايا القانونية لا تزال قائمة، بما في ذلك الجدول الزمني لملء الخزان في الظروف الجوية العادية، وإدراج آلية ملزمة قانوناً لتسوية المنازعات، و شروط خاصة لكيفية ملء خزان السد في حالة الجفاف.
ولأن إثيوبيا هي الطرف الرئيسي في النزاع، فإنه يمكنها اتخاذ موقف متشدد ضد المحاولات المصرية لفرض قواعد على عمليات المشروع، وستبدأ في ملء السد بمجرد بدء موسم الأمطار.

hg
إثيوإثيوبيا تهدف لملء خزان السد بـ 4.9 مليار متر مكعب هذا العام

ومنذ عام 2011، تقوم إثيوبيا ببناء سد النهضة الكبير على النيل الأزرق بالقرب من حدودها مع السودان. وبمجرد إنشائه وتشغيله بالكامل، سيكون للسد القدرة على توليد 6450 ميغاوات من الكهرباء للاستخدام بشكل رئيسي في إثيوبيا. ويكتسب السد أهمية كبيرة بالنسبة لخطة أديس أبابا لزيادة النسبة المئوية لشعبها الذين يحصلون على الكهرباء من 45 بالمئة إلى 100 بالمئة خلال العقد المقبل من خلال تعزيز القدرة الإجمالية لتوليد الطاقة في البلاد بمقدار 25 ألف ميغاوات.

وتأمل إثيوبيا في ملء خزان السد بـ 4.9 مليار متر مكعب هذا العام - وهو أقل من عشرة بالمئة من متوسط ​​التصريف السنوي للنيل الأزرق الذي يبلغ حوالي 50 مليار متر مكعب - لاختبار التوربينين الأولين لتوليد الطاقة.

كما تخطط إثيوبيا أيضًا لملء الخزان إلى 18.4 مليار متر مكعب العام المقبل لاختبار بقية التوربينات.

وحتى التأخير البسيط للجدول الزمني الآن يمكن أن يؤدي إلى تأخير المشروع لسنوات، نظرًا لأن هطول الأمطار في حوض النيل الأزرق موسمي (80 بالمئة من موسم الأمطار السنوي في المنطقة يحدث بين شهري يوليو وأكتوبر).
علاوة على ذلك،أصبح السد قضية قومية في إثيوبيا، ونتج عن ذلك انتشار بعض الهاشتاغات مثل "إتس ماي دام" شائعة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وترى أديس أبابا مطالب مصر على أنها تقديساً لاتفاقيات الحقبة الاستعمارية مع السودان والمملكة المتحدة التي منحت القاهرة نسبة مرتفعة وبشكل غير طبيعي من مياه النيل. لم تكن إثيوبيا طرفاً في الاتفاقيات الموقعة في عامي 1929 و 1959، وبالتالي فهي لا تعترف بها.
وبسبب القلق من فقدان الوصول إلى مصدرها الحيوي للمياه، ستحاول مصر حشد الدعم الدولي للضغط على إثيوبيا للموافقة على آلية تسوية النزاعات، بالإضافة إلى وضع جدول زمني ممتد لملء السد. ومع ذلك، فشلت المحاولات السابقة للوساطة الدولية إلى حد كبير ولا تخاطر إلا بجعل إثيوبيا تتعمق في مشروعها بشكل أكبر.
ونظرًا للفشل المستمر للمحادثات على مستوى الوزراء في التوصل إلى توافق في الآراء بشأن القضايا السياسية والقانونية المتعلقة بالسد، فإن السودان - الدولة الأخرى الواقعة أسفل النهر - يقترح الآن إجراء المحادثات على مستوى أعلى بين رؤساء الدولتين أو بين رؤساء الوزراء.
وفي وقت سابق من هذا العام، أسفرت المحادثات التي توسطت فيها الولايات المتحدة بين مصر والسودان وإثيوبيا عن مسودة اتفاق بشأن السد، ثم بعد ذلك انسحبت أديس أبابا من الصفقة في اللحظة الأخيرة. 

كما أن التواصل المصري مع الأطراف الإقليمية، مثل الاتحاد الأفريقي ومجلس التعاون الخليجي، للمساعدة في التوسط في المفاوضات مع إثيوبيا، لم يحظ بالدعم الكافي.
وفي 19 يونيو، دعت مصر مجلس الأمن الدولي إلى التدخل. ولكن من المؤكد أن الصين، وهي أحد أقرب شركاء إثيوبيا الاقتصاديين، ستستخدم حق النقض ضد أي قرار جوهري من الأمم المتحدة يهدف إلى منع ملئ السد من خلال التهديد بفرض عقوبات. 
سيكون أمام مصر خيارات قليلة لإجبار إثيوبيا على التعاون في القضايا التقنية، حتى لو بقي الخلاف السياسي المتدهور.
وحتى لو لم يتوصلوا إلى اتفاق مؤقت أو دائم، ستظل مصر وإثيوبيا بحاجة إلى التعاون بشأن القضايا اللوجستية من أجل إدارة تدفق المياه بين سد النهضة الإثيوبي والسد العالي في مصر.

سيحافظ المسؤولون المصريون - ولا سيما الجيش ووزارة الخارجية ووزارات المياه - على موقف متشدد ضد أديس أبابا، مدفوعًا بمخاوف بشأن قدرة مصر على المدى الطويل على التحكم في إمدادات المياه.
لكن في حين أن القاهرة قد تهدد بعمل عسكري ضد إثيوبيا، فمن غير المرجح أن تلجأ مصر إلى مثل هذه الوسائل بسبب التحديات التي تنتج عن غزو دولة لا تحدها، بالإضافة إلى الحاجة إلى إعطاء الأولوية لمسائل أمنية أكثر أهمية في المنطقة مثل الحرب الأهلية في ليبيا المجاورة.

وسيهدد فقدان مصر للسلطة السياسية الإقليمية وصولها على المدى الطويل إلى نهر النيل، مما يؤدي إلى تفاقم مشاكل ندرة المياه الحالية في الصحراء.
وتخشى مصر من أن الاستسلام لمطالب إثيوبيا بشأن كيفية ملء السد وتشغيله يمكن أن يشكل سابقة تدفع أديس أبابا والدول الأخرى في حوض نهر النيل إلى بناء سدود إضافية بقوة أكبر.
كما تشعر القاهرة بالقلق من أن إثيوبيا ودول المنبع الأخرى في شرق أفريقيا قد تعرض، بمرور الوقت، إمدادات المياه المصرية إلى خطر كبير، إذا بدأت في استخدام المياه المخزنة في الخزانات للري بدلاً من بناء السدود الكهرومائية لتلبية احتياجات سكانها.

وقد ازدادت مخاوف مصر بسبب تزايد عدد السكان بوتيرة متسارعة، بالإضافة إلى التهديد الذي يلوح في الأفق بسبب مواسم الجفاف الأطول والأكثر تواتراً كنتيجة لتغير المناخ وزيادة مستويات التبخر على طول النهر (على الرغم من أن أديس أبابا تجادل بأن تخزين المياه في إثيوبيا يقلل من التبخر).

لكن فشل مصر المستمر في منع أديس أبابا من بناء سد النهضة أظهر كيف أن دول المنبع في حوض النيل استطاعت أن تنجح في مقاومة مخاوف واعتبارات القاهرة بشأن إمدادات المياه.